ورثة ستالين في المشرق العربي

واجه زعيما الثورة البلشفية، التي تمر هذه الأيام ذكرى مئة سنة على اندلاعها، لينين وتروتسكي الساعيان إلى حلول لأزمات روسيا أعمق في جذريتها مما كانت تقترحه الحكومة الإصلاحية بقيادة كيرنسكي، في نهاية المطاف، المصير الذي قادهما إليه انتماؤهما الطبقي والعرقي.

ممثل النخبة الثورية الروسية المثقفة، لينين، تعرض إلى التهميش وانتُزعت منه سلطاته بسبب مرضه قبل أن يموت فيجري تخليده و «تحنيطه» بالمعنيين الرمزي والمادي. وكبير ثوريي الأقليات المطالبة بمزيد من تحديث الإمبراطورية الروسية، تروتسكي، أُبعد عن السلطة في أعقاب صراع حاد، ثم لحقه قاتله إلى المكسيك ليسكته نهائياً بواسطة فأس في الرأس.

إقرأ أيضاً: فيصل القاسم: حولوا الثورة السلمية إلى حرب وحشية

تقدم الثورة البلشفية نموذجاً لحدث تاريخي خضع لدراسة مفصلة ودقيقة، من أنصارها ومن خصومها، وممّن يعتبرون أنفسهم نقاداً موضوعيين. وتعلن النهاية المأساوية لشخصياتها الرئيسة، التي استكملت تصفيتها في حملات التطهير الكبرى بين 1936 و1938، عبث تحدي النخب المدينية الطامحة إلى بناء دولة ومجتمع مستوحيين من أفكار الحداثة الأوروبية، للبنى التقليدية الراسخة والعميقة. سبق أن أوضح العديد من دارسي الثورة الروسية (تروتسكي وإسحق دويتشر من بين آخرين) آلية سيطرة البلاشفة المتحدرين من أصول ريفية وهامشية على الثورة وإقامة دولة تحل التناقضات التي وقعت فيها الإمبراطورية القيصيرية من جهة، وجعلت استمرارها على ما هي عليه مُحالاً من جهة، وتمنع في الوقت ذاته «أوربة» روسيا وتحديثها على نحو يغيرها ويجعلها غير قابلة للسيطرة من البيروقراطية الحزبية الريفية بقيادة ستالين.

ولا عجب في أن تكون الآثار الأبرز على التجربة السوفياتية برمتها قد رسمها الصراع ضد «عبادة الزعيم» الذي تُختصر فيه كل قيم الثورة ومواجهة البيروقراطية والعداء للديموقراطية، النتاجات الصافية للعقل المناهض للمدينة، بمعناها السياسي. المقارنة بين أعضاء أول مكتب سياسي للحزب الشيوعي في عهد ستالين، وأعضاء المكتب السياسي الأخير في عهده يوضح انتقال الهمينة إلى الأرياف ومسؤولي الأجهزة الأمنية والبيروقراطية واختفاء المثقفين والأقليات التي اعتبرت معادية.

إقرأ أيضاً: انترفاكس: روسيا تنفي احتجاز داعش لاثنين من جنودها في سوريا

ما يعنينا هو التجارب المشابهة التي عاشها المشرق العربي، حيث يمكن استبدال اسمي لينين وتروتسكي بميشال عفلق وأكرم الحوراني (مع التأكيد على الفوارق بين الحالات المذكورة، بداهة) ووضع حافظ الأسد وصدام حسين بدلاً من ستالين، حيث لا تتشابه فقط الانتماءات الريفية والتاريخ الشخصي والأُسري المعقد في الحالتين فحسب، بل أيضاً الاستغلال الصارخ لأيديولوجيا شمولية خلاصية من أجل الإمساك بالسلطة وحصرها في أفراد يتشاركون في الشبه للحاكم في الانتماء والموقف من الآخرين، واعتبار الحكم بمثابة التعويض من ظلم سابق وليس أداة لتحقيق البرنامج الذي تنطوي عليه الأفكار المرفوعة شعاراً فارغاً في وجه المواطنين. وقد لا يكون ثمة حاجة إلى القول بعدم جواز تعميم تفسير أحادي الجانب على جملة الحوادث الشديدة التداخل والتراكب، مثل هذه التي تمر بها بلادنا، لكن أوجه الشبه، مع ذلك، لا تُنكر.

نهاية البعث العراقي والكساح الذي أُصيب به نظيره السوري، لم يحملا الأمل ببديل أكثر ديموقراطية، ذلك أن «المرجعية» قد حلت مكان القيادة القطرية في العراق، فيما يصارع بشّار الأسد لإثبات حقه في حكم جزء من سورية.

السابق
أيمن الظواهري يظهر من جديد ويتوّعد «النصرة»
التالي
الاستفتاء بين الارتباك الكردي والمفتاح النجفي