اعادة انتاج سلطة سنية في لبنان

الضياع والتخبط السنّي الذي تمر به الأمة العربية الاسلامية عموماً وفي لبنان خصوصاً ليس سببه مؤامرة كونية ضد المسلمين، بل لأنها حالة سياسية مستجدة على السنّة منذ الحرب العالمية الاولى.

بعكس المكونات الدينية والعرقية الاخرى في المنطقة، لم يعتد المسلمين السنّة على النضال لأنهم كانوا اصحاب السلطة على مدى قرن ونصف من الزمن.

منذ ١٤٠٠ سنة حكمت الدولة الاسلامية المنطقة بعدة أسماء وموديلات ومساحات، فتارةً تتوسع وطوراً تتقلص حتى سقوط الدولة العثمانية. خلال هذه الفترات كان المسيحيين والشيعة والدروز واليهود والكورد والسريان والأرمن، الأقليات عموماً، كانت تشكل منفردة او متحالفة مع بعضها البعض، المعارضة الفكرية والثقافية والحضارية للدولة الاسلامية.

اقرأ أيضاً: الحكمة البرّية في القضايا الدستورية

فبرز الفكر السياسي لكل من هذه الجماعات، الديني والعلماني واليساري والشيوعي والبعثي والعروبي، وعند سقوط الدولة العثمانية برزت كل هذه الجماعات ضمن احزاب سياسية متعددة في منطقة الشرق الأوسط. بقي السّنة وحدهم دون اي حزب سياسي معاصر لأنهم كانوا دائماً جزء من الأمة الحاكمة، فليس من ضرورة لتشكيل احزاب سياسية.

وبعد احتلال فلسطين عام ١٩٤٨ شكلت القضية الفلسطينية والفصائل المقاتلة ومن ثم منظمة التحرير الغطاء السياسي والعسكري المعارض للسنة في سوريا والأردن ولبنان حتى عام ١٩٨٢ مع خروج المنظمة من لبنان. منذ ذلك الحين عجز السنة في لبنان عن تشكيل أي حزب او تكتل سياسي مقاوم للاحتلال الاسرائيلي او معارض للوجود السوري.

معظم التيارات السنية التي برزت في لبنان والمنطقة في العقود الماضية غلب عليها الطابع الدعوي والاجتماعي وفِي بعض الأحيان الجهادي ولكنها افتقرت للفكر السياسي الاسلامي الحديث. مثلاً هيئة علماء المسلمين في لبنان، ما هو دورها بالظبط؟ هل هي مجموعة دعوية؟ أم سياسية؟ أم تربوية؟ ولماذا يتكلم المشايخ في السياسة؟

ايضاً فشل تجربة الاخوان المسلمين في سوريا ومصر وعدد من الدول العربية واقتتال حماس وفتح في فلسطين كلها أضعفت نهج وفكر الاخوان السياسي مع بعض الاستثناء في ما يتعلق بالتجربة المغربية، هناك يحكم الاخوان بالشراكة مع الملك وليس كبديل عنه.

أما من يقول ان تجربة الاخوان المسلمين نجحت في تركيا هو مخطئ لأن حزب السعادة وهو حزب الاخوان المسلمين في تركيا ما زال موجود ولكنه وحصد فقط نسبة ٤٪‏ في الانتخابات البرلمانية الاخيرة.

لذلك نجاح تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا بقيادة اردوغان ومن بعدها حركة النهضة في تونس بقيادة الغنوشي سببها فصل الدعوة الدينية عن السياسة ونبذ العنف وإعادة انتاج فكر سياسي معاصر ذات طابع اسلامي ليتماشى مع القرن ال٢١.

لن يستقيم الوضع الا اذا أعاد المسلمين السنة في المشرق العربي ولبنان خصوصاً انتاج احزاب سياسية علمانية ذات توجه إسلامي قادرة على التحالف مع قوى سياسية سيادية اخرى لتشكل معارضة قوية في وجه التوسع الإيراني في المنطقة. اذا استمر السّنة في سياستهم الحالية دون اي مراجعات سياسية فكرية سيبقى الحال على ما هو عليه لأن المسيحيين والدروز والشيعة والكرد سبقوهم على الملعب. الطابة اليوم في ملعب المثقفين السنّة وتذكر القول الشهير ‘ما بحك جلدك غير ضفرك’.

السابق
أزمة النفايات إلى الإنفجار من جديد: «لبنان» مكبٌّ عشوائيٌ بالصور
التالي
الراعي: رئيس الجمهورية أكد لي أن الانتخابات ستحصل في أيار المقبل