المراهنات في لبنان: عن علي الحالم بإمتلاك سيارة

حمّى المراهنات في لبنان ترتفع، وضحاياها هم من الفقراء الحالمين بالثراء.

علي، المراهق البالغ من العمر 17 عاماً. يسكن منطقة الغبييري، توفي أبوه وهو في عمر الثانية عشر، وحالياً يساعد شقيقه الكبير على إعالة عائلته. يلقبه أقرانه المراهقين في الحي الذي يسكنه، بـ”قبضاي المراهنات” في لعبة كرة القدم.

لقد ملأ علي هاتفه، بتطبيقات يتابع من خلالها، مباريات فرق كرة القدم العالمية، ومن بين التطبيقات “Now Goal”، و” flash score” و”URB12”. وقد وصل الأمر به، أن عشق المراهنة على المباريات السويدية والدينماركية، وأحياناً يبحث عن حظه في تجميع الأموال بالمضاربة على مباريات الفرق الأفريقية لكرة القدم.

اقرأ أيضاً: اللبنانيون يقعون ضحية «المراهنات» على كرة القدم

يومياً، يبقى علي مستيقظاً إلى أوقات متأخرة من الليل، ينظر إلى شاشاته ليتابع أعماله (المراهنات). لقد فتح المراهق حسابه لدى احد المكاتب الناشطة في الغبيري، ووضع بداخله مبلغ وقدره عشر دولارات، يقول علي أن “العشر دولارات يمكن تحويلها إلى آلاف الدولارات”، في حال إتبع المراهن تقنية دقيقة، وفهم آلية المراهنة.

يشرح علي لـ”جنوبية” استراتيجيته في المراهنات، فهو إستفاد جداً من الخدمات الجديدة التي تتيحها برامج المراهنات، حيث كانت في السابق مقيّدة بتوقع الربح والخسارة لفريق على حساب اخر، إلا ان البرامج الحالية، تتيح للفرد، المراهنة على عدد الأهداف التي قد تسجل في المباراة، والبطاقات الصفراء التي ستشهدها المباراة، وعدد ركلات الجزاء.

فكلما أخذ المراهن خيارات أصعب كلما حقق أرباحا كبيرة بساعات معدودة، كذلك، من الممكن، أن يُراهن على نتائج القسم الأول من المباراة، دون الحاجة إلى المراهنة على القسم الثاني، يقول علي “في مبارايات فريق برشالونة الإسباني، اراهن على اللاعب الارجنتيني ليونيل ميسي بأن يسجل هدفاً. إن هذا اللاعب لم يخيب أملي، وبفضله حققت مبالغ مالية لا بأس بها.”

وفي كل مرة يحقق فيها علي أرباحا مالية، يشتري ما يتمنى ان يحصل عليه، فقد إشترى هاتف “سامسونع 8S”، بعد ان حمل لسنتين “اي فون اربعة”. منذ ستة أشهر لم يخسر علي الكثير من فصول المراهنات التي يقتحمها، فقبضاي المراهنات، إنطلقت رحلته في هذا العالم الصاخب منذ كان عمره 15 عاماً، وبعد تكبده خسارات مالية يقدرها الصبي الفقير بـ”500 $”، إكتسب أساليب ذكيّة يقدر من خلالها تحقيق مئات الدولارات شهرياً.

يتحدث علي عن خسارته للخمسمئة دولار بغضب، وكأنه خسر مليارات الدولارات، ذلك أن المبالغ البسيطة، لها قيمة كبيرة في نفوس أبناء الضواحي الفقيرة. لذلك يقول علي “أن حلمه الجديد، في المراهنات هو ان يؤمن مبلغاً مالياً لشراء سيارة”.

في السنوات الاخيرة، ساءت الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية في ضواحي بيروت، وتضاعف بؤس احزمة الفقر، بحيث يلجأ ابناؤها إلى طرق عدة لتحقيق ارباح تحسن ظروف حياتهم اليومية، ومن بينها المراهنات التي بدأت في السنوات الاخير تعج في أغلب المناطق اللبنانية.

يقول محمد، انه وقع ضحية نصب مكتب تمّ تشميعه في شهر آب، بعد إكتشاف امره من قبل الأجهزة الامنية، وبحسب روايته فإن “صاحب المكتب، كان يقوم بالتلاعب بالأرباح التي يجنيها. وأحياناً يقوم بإغلاق الحساب بشكل مفاجئ.”

لم يتقدم محمد بشكوى ضد صاحب المكتب، رغم وقوعه ضحية عملية النصب، لأن المراهنات في الأساس هي غير قانونية، بالإضافة إلى انه قد يعرض حياته للخطر في حال فضح امره انه قام بالوشاية لدى الدولة عن المكتب، خصوصاً وان مالكي مكاتب المراهنات يعملون ضمن شبكات ذات نفوذ سياسي ومالي ضخم.
يشير محمد إلى أن ابناء الضاحية الجنوبية لبيروت، وطريق الجديدة، وصبرا، ومخيم البرج، ومناطق بيروت الغربية وغيرهم من المناطق المشابهة، وقعوا ضحايا دوامة العالم المجنون للمراهنات”. وقد ساهم في تحفيز ظاهرة المراهنات بحسب رأيه “عجز الدولة عن معالجة أزمة البطالة التي تعصف حياة الشباب”.

كل مراهن “مدمن، ومدمنُ خطير” يقول محمد. لا يتوقع ابن الخامسة والثلاثين عاماً، الذي صرف آلاف الدولارات على المراهنات، ان تتمكن الأجهزة الامنية من مكافحة الظاهرة، لأنها كسوق المخدرات، فما دام هنالك مدمنون، فهنالك مخدرات”، ويقول “لا يمكن معالجتها إلا بحل أزمة البطالة والفقر، لا بإلقاء القبض على اصحاب مكاتب المراهنات”.

اقرأ أيضاً: رهانات الفوتبول: إدمان جديد في زمن البطالة

ويضيف “إذا لم يجد الشاب فرصة للمراهنة على كرة القدم، فبإمكانه المراهنة على سباق الخيول في منطقة المتحف. ان الدولة لا تؤمن الوظائف لشريحة شبابية ضخمة، وطالما ان الضواحي لا تصلها الاجهزة الامنية إلا في حال ارادت البحث عن مطلوب بمذكرة توقيف، فإن اصحاب المكاتب سيعاودون الظهور مجدداً.”

وأشارت مصادر “جنوبية” إلى ان عدد مكاتب المراهنات يفوق الأربعين مكتبا، ويتوزعون ضمن العاصمة بيروت وضواحيها، لقد شهدت الاونة الاخيرة، تنفيذ الاجهزة الامنية الرسمية جملة مداهمات لإغلاق هذه المكاتب وختمها بالشمع الأحمر وإحالة أصحابها إلى التحقيقات.

سوق المراهنات، يبدو لكثيرين منفذاً لتحسين أوضاعهم المعيشية، ولكنها بنظر آخرين فهي سوق سوداء تتحرك بها مئات آلاف الدولارات، وتنفذ من خلالها عمليات نصب ممنهجة ضحاياها من صغار المراهنين.

السابق
دائرة الزهراني: «الثنائية الشيعية» لن تُخترق
التالي
الحكم بالإعدام على الشيخ أحمد الأسير وبالسجن 15 عاماً لفضل شاكر