مقاوم في بلاد النسيان…

خالد العزي
نص يكتبه مقاوم عن تجربة أهلية في الدفاع عن الارض..وطنية غير مذهبية..

في كل الارشيفات العالمية، وملفات الجيوش والاستخبارات العالمية، يوجد قانون يسمح بالنشر للإعمال السرية بعد مدة 25 عام بفتح الملفات وعرضها على الناس لكي يتمكن الجميع الاستفادة من تلك الملفات والاطلاع على سريتها.

فكيف لا يمكن التحدث عن ابطال مجهولين قاتلوا ضد الاحتلال، واستطاعوا تسجيل نقطة مميزة في مرمى العدو الصهيوني، فالمشكلة ليست في تقيم اعمال كل طرف او فئة من الفئات التي شاركت بعمل تلك المرحلة.

إقرأ ايضا: العزيّ: إيران تهدف الى السيطرة على الكتلة السنيّة الكبرى في المنطقة

فالسؤال الذي يطرح نفسه لماذا الخوف من عرض ذكريات تلك الفترة والكشف عن العديد من اسماء الذين شاركوا في تلك الحقبة.

ففي الذكر الـ٣٥ لانطلاق النداء الاول لجبهة المقاومة في ١٦ أيلول ٨٢… نقول لا نريد اخفاء أسمائنا بعد اليوم عن المشهد الدرامي لتلك الفترة او الحقبة، لأننا لم نقتل احد، بل قاتلنا من اجل هذا البلد الذي تنكر لنا بالوقت الذي كان الجميع قد تنكر له في الماضي.

نحن رفعنا السلاح من اجل الوطن الباقي والاحتلال الى زوال… لم نرفع السلاح طمعا بالتشبيح والمناصب اغلبنا معروف لدى العدو، تم اعتقالنا سابقا وتعذيبنا من العدو، وكذلك تعرضنا للتصفية الجسدية، ولم نترك الخندق نحن الجنود المجهولين التي تعرفنا كل بقع الوطن (حقول وسوhتر وتلال وأنهر وصخور ووديان وأشجار وكروم عنب وصبار وحقول التبع والليمون والحور والسنديان).

الحجارة والرياح، والشمس والقمر لقد اضحوا أصدقائنا حتى الحيوانات البرية تألفت معنى وساعدتنا في عبور الطرق الوعرة وساعدتنا في فتح الطرق الوعرة الصعبة لنقل الجثث والإصابات…

طبعا لم نخف من الموت يوما خلال عملنا في جمول… لأن الموت اضحى رفيقنا وحارسنا اليومي تأخينا معه، ومع كل المخلوقات الاليفة وغير الاليفة في البراري، نرسم الخطط، بحال قتلنا في تنفيذ المهمة العسكرية… كيف سننقل بَعضُنَا البعض كي لا تبقى جثثنا مرمية في الحقول… او بحال وقعنا في حقول ألغام مشركة بمفخخات…

حفظنا الأودية والطرقات الاجبارية (الرجلية) عن غيب، عرفنا المغاور الصخور والحواجز الصخرية. تالفنا مع الثعالب والكلاب والخنازير والأسماك والطيور وتصدقنا معها طوال الفترة التي سلكنا تلك المناطق البرية. كنّا نتنقل وسط البيوت في ظلام الليل الدامس، نخاف على ازعاج السكان في القرى التي نعبر منها. كنّا نتنقل بحذر وتأني على انفسنا وعلى اهلنا، ننظر دائما الي السماء صيفا شتاء، وكأنها هي البوصلة التي تصلنا الى الهدف نفرح بالقمر والنجوم… نضرب بقوة، ننتظر كي يأتي الهدف المنتظر اياما ونختبئ وسط الاحراج والكهوف والسواقي والعليق حيث كانت مخابئنا على مجاري النهر ووسط احراج الصنوبر.

نجوع في الليل نأكل من طيبات ما رزقنا في الحقول، نعطش نسكت ظمئنا من الأجران التي امتلأت بها الصخور، بعد انتهاء تنفيذ المهام نحدد أماكن عدة للالتقاء حفظنا الارض والصخر ليلا ونهارا نجلس نتسامر نسرد الحكايات والقصص والاحلام تملء مخيلاتنا.

نتحدث بالسياسة والفلسفة والشعر والأدب نقرأ كتبنا المدرسية نتحاور فيما بينناعن كل ما يجول في مخيلاتنا الغنية بالأفكار والعبرات. نتحدث عن الموت عن الفرغ عن القوة عن الإرادة نتصارع نصرخ نبكي… نفرح نتحدى الخوف نتحدى الموت نواجه بأجسادنا الحية كل قوة وجبروت المحتل… ينفذ العمل نفرح حيث تتعالى الضحكات والنكات وتظهر البسمة على ثغورنا الناشفة لعدم امتلاك مياه الشفة، نفشل في التنفيذ نتصارع فيما بيننا، نتباحث جميعا لكننا نصمم على التنفيذ وتطبيق المهام.

تحدينا الموت وقفنا بوجه المحتل، وجهنا العدو بشراسة وصلابة لأننا اصحاب حق وقضية، في كل مرة نتعارف على شركائنا الجدد في العمل… نرحب بهم نفرح معهم.

كلنا فقراء بيوتنا فقيرة، اهلنا طيبون وفقراء جميعنا نفذنا اعمال بطولية من المغامرة ولم نتكلم عنها… أنزلنا العديد من الضربات الموجعة بالعدو، لا يمكن تخيلها لأننا مارسنها بحب وثقة… عالية، لم يكن يهمنا المطر وعبور الأنهار واجتياز السواقي في فصل الشتاء… لم نعرف حرارة الصيف القوية ورائحة العرق المتدفقة من أجسامنا وثيابنا المعفنة… لم يكن احدا مننا مرتاح لان الجميع في محيطنا كان ينظر إلينا بأننا مغامرين… مصروعين والجميع يدين اهلنا على السماح لنا بممارسة هذا العمل المجنون… وكأننا نحن نتحدى كل شيء في عملنا القوة والادارة وكل من حولنا.

الاهم من ذلك باننا لا نعرف مذاهبنا ومناطقنا وطوائفنا نلتقي مع بعض اكثر من الإخوة نحمي ظهور بَعضُنَا البعض اثناء القتال، لا نترك احد حتى لو تعرضنا للخطر… لا احد يقدر شعور تلك المرحلة الا الذين عاشوها وعانوا منها… لم يكن احد منا يحلم باي أثمان مالية ومناصب، بل كنّا جميعا نمارس هذا العمل المغامر برحابة صدر ومحبة.

نحاول بعملنا الشاق والمتواضع والصعب نخر طريق الحرية في الصخر. شقينا الطريق الحرية، وفتحنا ثغرة في اصعب حروب عرفتها الأمة العربية من خلال قدرة وصلابة هؤلاء المغامرون الذين كتبوا فوق جبينهم شعار: “النصر لنا والموت للعدو”. لان شعارنا منذ البداية كان قائما على مقولة “الوطن باق والاحتلال الى زوال”…

في هذا العمل، خسرنا كل شيء اخوتنا واهلنا وبيوتنا ورفاقنا ولم نتأمل بشي من غيرنا. اعتقلنا وشاهدنا اصعب اللحظات في سجون العدو وحتى الصديقة منها، لكن همنا الأساسي كان اسمى وارقى من كل شيء هو حب الوطن والدفاع عنه… وانقاضه من رحمة الشقاء والتعاسة.

فالحب ولد لدى المقاومين الذين سطروا اروع ملاحم الدم والبطولة بوجه العدو الصهيوني، حيث كانت رسائلنا تنشر في كافة الجنوب المحتل بان المقاومة فعل حب والثائر عاشق كبير. كلنا ثوار وعشاق لوطن لم ينصفنا ولم يدرك بوجودنا ولم يشفع لنا… حيت بات العديد منا على حافة الفقر والجوع والمرض… لانا مبدئين وفعلنا كان اقوى من كنوز الدنيا… ليسجل التاريخ بان “المقاومة الوطنية أنبل ظاهرة وطنية في تاريخ العالم العربي”.

إقرأ أيضا: «الروسفوبيا» لدى الشعوب تطلب حماية أميركا

ممكن القول امام هذه المشهدية الرائعة بان رائحة الدم المقاوم انجلبت مع الطربة الطبيعة في ارضنا الذي رواها ابطال مقاومين امثال: “فضل وعصام ومهدي وهشام وشربل وخالد وسعيد وإبراهيم ورمزي والترشييشي وإياد وفرج وبلال وابو سليمان القبرصلي ويسار وسناء ووفاء وجمال ومحمد سعد ومحمد سليم الخ… كل الأبطال الذين قالوا للعدو لا.

السابق
هل سيتحوّل نظام الحكم السعودي إلى مدني علماني؟!
التالي
بعد محاولة سرقة منزلها.. ميريام كلينك: زعران وعلوج!