مبادرة خلاّقة يطلقها دبوسي

"طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية": كرة ثلج دبلوماسية وإقتصادية تقف عند أبواب مجلس الوزراء

في خضمّ التحوّلات التي تشهدها المنطقة العربية تبحث الدول عن أدوار لها ، وتفتـّش المجتمعات عن مساراتها الآمنة ، وتسعى المدن إلى تحصين مكوناتها وتعزيز وظائفها الإستراتجية وترسيخ مكانتها الإقتصادية والإجتماعية والوطنية.

هذا هو الحال اليوم مع مدينة طرابلس ، عاصمة الشمال ، والمُحتضنة لمرافقَ طالما شكّلت نقاط قوّة معطلة في إقتصادٍ منهك بعوامل سياسية وأخرى مصلحية أوصلتها إلى واقعها المأزوم اليوم.

الواضح أن السلطة اللبنانية بحكوماتها المتعاقبة لم تكن معنية بإحداث إنتقال نوعي في إنماء طرابلس وتطويرها ، وكل ما كان يحصل لم يكن أكثر من معالجات موضعية لا تسمن ولا تغني من فقر وإهمال وتهميش ، وتـُرِكت المدينة تواجهُ مصيرها لوحدها ، فكان الإستنزاف بغياب الإنماء وبالفوضى الأمنية “المنظمة” على شكل جولات عنف مضبوط وموجّه زادت عن العشرين جولة سقط خلالها مئات الضحايا بين شهداء وجرحى وإستشهد معهم إقتصاد طرابلس المنهك.

 

• اللحظة الإقليمية السانحة

 

اليوم ، وبعد خروج طرابلس من جراحات جولات القتال وتفجيري مسجدي السلام والتقوى ، وإقتراب التسوية السياسية في سوريا من خط النهاية ، يبرز ملف إعادة الإعمار بشكلٍ موازٍ ومتكامل..وفي هذا الإطار ، إلتقط رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال توفيق دبوسي هذه اللحظة الإقليمية الدقيقة ، ليطلق مبادرة من شأنها تعزيز دور لبنان في عملية إعادة الإعمار السورية ، إنطلاقاً من تسمية “طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية”.

فطرابلس بحكم الجغرافيا هي سيدة الموقف ، وبحكم طبيعة مرفئها المطوّر والموسّع هي الأقوى في المعادلة اللبنانية والإقليمية ، وبمنطقتها الإقتصادية الخاصة الواعدة بإدارة متفاعلة وحيوية ، تجعل من عاصمة الشمال حُكماً عاصمةَ لبنان الإقتصادية.

• أبعاد المبادرة

أراد توفيق دبوسي بمبادرته هذه أن يعيد طرابلس إلى خريطة إهتمام الدولة وإلى أولويات الحكومة ، وبعد إستلامه ملفاً خاصاً بالمبادرة ، قال الرئيس سعد الحريري: “إن مقترح الرئيس دبوسي بإعتماد “طرابلس عاصمة إقتصادية للبنان” سنأخذه على محمل الرعاية والإهتمام والمتابعة وسنرى الصيغة الملائمة بغية طرحه على نطاق مجلس الوزراء في أقرب ظرف مساعد”.

 

• كرة ثلج متعاظمة وتقاطر دبلوماسي

 

جوهر المبادرة قائم على ردّ إعتبار معنوي لمدينة أنهكها الإهمال وهي تقف اليوم على مفترق طرق مصيري وفيها فرص نهوض تزدحم ، وسط رغبة وإرادة لدى دول كبرى وإقليمية خاصة الصين والعراق في إتخاذ طرابلس قاعدة إنطلاق لحركتها الإقتصادية في المنطقة العربية.

فالسفير الصيني في لبنان نان وان كيجيانغ صرّح عن إهتمام بلاده بطرابلس المدينة بمزاياها التاريخية ومرافقها الإقتصادية ، كجزء من طريق الحرير التاريخي مع ما يعنيه إندماج المدينة في هذه المنظومة الحضارية المغلفة “بمزايا إقتصادية وتجارية كبرى تتعزز معه علاقاتنا الثنائية”.
كما صرّح دبوسي بعد لقائه السفير الصيني والإتفاق على قيام فريق خبراء من بلاده بزيارة طرابلس لتقييم عناصر القوة والضعف في إقتصاد المدينة والخروج بتوصيات عملية للإسهم في دمج مرافقها بالدورة الإقتصادية الإقليمية والدولية.

أما نائب الرئيس العراقي الدكتور إياد علاوي فقد أعرب عن إستعداد بلاده للإستثمار في إحياء مصفاة نفط طرابلس وإعتمادها في إطار عمليات تصريف النفط العراقي ، وهذه خطوة من شأنها إحداث إختراق كبير في تلبية حاجات العمل لأكثر من سبعة آلاف من أبناء طرابلس والشمال.

الموقف التركي كان من أكثر المواقف حماسة ، فبعد لقاء السفير التركي في لبنان شاغطاي أرجييس أكد دعم بلاده التام لهذه المبادرة الهامة، وإننا نثق تماماً أن لطرابلس دوراً فاعلاً مستقبلاً في عملية إعادة إعمار سوريا وأضاف:”سأحث حكومة بلادي على تلقف تلك المبادرة لتلقى الدعم الكامل كونها تأتي في الوقت المناسب وسنعمل على الإنتقال إلى التنفيذ لإطلاق المبادرة عملياً.

السفير الروسي ألكسندر زاسبكين لم يكن أقلّ حماساً للمبادرة وكذلك سفير رومانيا ودبلوماسيون يستمرون في التعبير عن دعم مبادرة هدفها نقل طرابلس إلى مكانة مستقبلية تستحقها.

• الحضور السعودي الفاعل

ولقد تـُوّج الإقبال الدبلوماسي على دعم “طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية” بزيارة الوزير القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان الوزير المفوض وليد البخاري بدعوة من رئيس غرفة طرابلس والشمال توفيق دبوسي الذي كانت له كلمة مؤثرة وصريحة حين توجـّه عبر الوزير البخاري “الى المملكة العربية السعودية لنقول بأننا شركاء أقوياء ،ونحن لسنا ضعفاء ، نحن شاركنا في إنماء المملكة ونحن نريد أن تشاركنا المملكة في بناء لبنان الحديث . وأن من يستقبلونكم اليوم يمثلون معظم قيادات المنطقة، ونحن معكم نريد ان نفتح صفحة جديدة مختلفة عن الدعم فنحن لا نريد دعماً نحن نريد أن نكون شركاء فكما فتحت المملكة أبوابها لنا وللمجتمع الدولي كشركاء نحن نفتح ابوابنا وعقولنا لنكون شريكاً قوياً مع شريك قوي”.

وانتهى دبوسي الى القول : “إن طرابلس يا معالي الوزير ليست عنفية ، وليست متطرفة ولا دموية ، فهذه هي طرابلس، كما ترونها، وواجباتنا التعاون ومن واجبنا أن يكون عندنا خطة لمعالجة الناس التي لم تتهيأ لها الظروف ليكون عندهم إمكانيات ، فان الله أعطانا كلبنانيين وكسعوديين وكعرب ثروات طائلة من العلم والمعرفة والثقافة والمال، فلا يصح أن يبقى هناك فقير لا في لبنان ولا في اي منطقة في العالم.

الوزير البخاري قال: “إن لبنان دائما له التقدير والاهتمام وطرابلس بعدما شاهدته من المبادرات اليوم بحيث أنني في الحقيقة قد ذهلت وفوجئت بما شاهدته في مختلف المشاريع وأرى من الضرورة العاجلة الإسراع بإقامة اوسع علاقات التعاون والتكامل بين غرفة طرابلس وغرفتي جدة والرياض لا سيما في مضمار حاضنة الأعمال . فهناك العديد من المبادرات التي تعكس مبادرة طرابلس كمدينة عاصمة اقتصادية للبنان”.

• التفاعل الوطني

على المستوى المحلي تفاعلت مبادرة الرئيس دبوسي وشكّلت محور إهتمام الهيئات الإقتصادية والقيادات التربوية والأكاديمية والمجتمع المدني.
فعلى الصعيد الإقتصادي لقيت المبادرة ترحيبا من رئيس مجلس إدارة ومدير عام مؤسسة تشجيع الإستثمارات في لبنان “إيدال” المهندس نبيل عيتاني الذي رأى أن المبادرة تتلاقى مع صلب إستراتيجية “إيدال” في تشجيع الإستثمارات وإستغلال الموارد غير المستثمرة وتوفير فرص العمل ، وكذلك مجموعة الإقتصاد والأعمال التي عبّر رئيسها رؤوف أبو زكي عن دعمه للمبادرة ، وكذلك فعل عدد من رجال الأعمال من بيروت والمناطق.

وكانت مبادرة لافتة من الجامعة اللبنانية الفرنسية للعلوم والتكنولوجيا التي عقد رئيسها الدكتور محمد سلهب وأركان إدارتها مؤتمراً صحافياً مع الرئيس دبوسي ليؤكد “أن  طرابلس عاصمة لبنان الاقتصادية” خطوة حيوية معلناً وضع “كل امكاناتنا وجهودنا لمواكبة مشروع طرابلس عاصمة لبنان الاقتصادية الذي بادر الى اطلاقه الرئيس توفيق دبوسي”.

 

• تحديات المبادرة

توفرت لطرابلس فرص كثيرة ومشاريع كبرى أسقطتها مافيات الإحتكار ومراكز القوى في سلطة حوّلت فرص الإنماء إلى حصار وإفقار ، ولا يمكن تجاهل كيف تم إفشال المعرض الصيني ومشاريع الإستثمار في مجال المعلوماتية وغيرها من خطوات تكسر الجمود والحرمان الخانق المحيط بالمدينة.

ومبادرة “طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية”  هدفها الضمني والمعلن هو سحب الإعتراف من الطبقة السياسية ومن مراكز القوى المالية والإقتصادية ومن شبكات الإحتكار ، بأنها سترفع الحصار غير المعلن عن طرابلس ، وسترفع العوائق أمام حركة التطوير التي تستحقها ، بمرافقها المتعدّدة والمتكاملة شمالاً من المعرض والمرفأ والمنطقة الإقتصادية الخاصة إلى المصفاة ومطار رينيه معوض..

إقرأ أيضاً: طرابلس المنكوبة أثارتها يافطة إعلانات!

إقرأ أيضاً: داعش طرابلس يلاقي داعش النبطية: أين دولة القانون؟

لا تحتاج تسمية “طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية” إلى دراسات ولا ميزانيات ولا حسابات.. بل كل ما تحتاجه إدراج المبادرة على جدول أعمال مجلس الوزراء وطرحها للتصويت.
ومع الدبلوماسيين العرب والأجانب ننتظر توجّه الوزراء نحو غرفة طرابلس لدعم مبادرة نعتقد أنها لن تلقى إعتراضاً من أي جهة في الحكومة ، لأن الرئيس دبوسي حاك شبكة علاقات إيجابية ، وإحتضنت غرفة طرابلس كل الوزراء بكل إنتماءاتهم السياسي وهي مفتوحة للجميع ، فليس هناك مبرّر لتأخير طرحها وليس هناك سببٌ للإعتراض .
إن تأجيل طرح المبادرة على جدول الأعمال وتأخير الموافقة في الحكومة هو شكلٌ من أشكال المماطلة والتمييع الذي يخلق علامات إستفهام كثيرة.

القضية في غاية البساطة: من من الوزراء مع تسمية “طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية”؟

موافقة.. صُدِّق!!!

 

• أمين عام التحالف المدني الإسلامي

السابق
بشار الأسد يحذف الجولان من الخريطة السورية!
التالي
شعبة المعلومات ألقت القبض على شبكة كانت تعد لأعمال الإرهابية