عرسال 2014: مفاوضات الضعيف ونكوث الاطراف بالتعهدات

قام اعضاء الوفد المفاوض للرحيل بعد انتظار اكثر من اربع ساعات في مكتب قائد فوج المغاوير شامل روكز، الوقت اصبح ما بعد الظهيرة، وطلب الذاهبون إلى التفاوض في عرسال من روكز الذي ابقاهم ”من اجل تأمين الطريق لسلامتهم“ السماح لهم بالتوجه الى عرسال، او العودة الى بيروت وانهاء المفاوضات.

اتصل روكز هاتفيا وقال: ”اوقف كل شيء“. وقبل ان يترك الوفد ليغادر قال لهم روكز: قولوا لابو مالك التلة ان يفك الحصار عن جنودنا، لا يزال يحاصر جنودا لنا، وليخبرنا عن عدد الجنود الاسرى لديه. وعند الاستفسار منه عن سبب السؤال عن عدد الجنود الاسرى، طالما انه يعلم من عاد من الجنود ومن قتل، قال: لقد فقدنا الاتصال بعدد كبير من جنود الجيش، لا نعرف ان كانوا مع الارهابيين او في الاحياء بحماية مدنيين، او في مكان ما في الجرود، نريد ان نعرف كم عدد الاسرى لديه، دون ان نلفت نظره الى اننا فقدنا الاتصال بعدد ما.

اخبار غير مشجعة

عندما انطلقت الالية علم بعض اعضاء الوفد ان الضابط الذي احصاهم قبل انطلاق سيارتهم حين كانت تقل اسامة الرفاعي وتعرضت لاطلاق النار اتصل هاتفيا باحد ما، وانه من كان في الرحلة الماضية سمعه يقول: فلان الفلاني يجلس على المقعد الاول الى اليمين، السائق هو فلان الفلاني، الى اخر شخص كان في السيارة.

اذن الجيش للوفد بالتوجه نحو عرسال برفقة سيارات اسعاف لنقل المصابين وفق الاتفاق، حيث كان بانتظارهم مئات المقاتلين والمتطرفين وهم يكبرون غضبا امام سياراتهم، ويرفعون اسلحتهم ويرفضون رد التحية على وفد المشايخ او الشخصيات.

اقتاد المسلحون الوفد الى الاجتماع فورا دون ود ودون كبير احترام، كان في الاجتماع حوالي ٣٠ شخصا من عرسال ومن قادة النصرة والجيش الحر ووجهاء وعلماء، ومن ضمنهم وفدا من هيئة علماء القلمون، وبعض قادة المقاتلين يرتدون احزمة ناسفة.

”المنظر نفسه كان مرعبا بالنسبة لنا“ يقول احد اللبنانيين من اعضاء الوفد المفاض، ”هي المرة الاولى التي اجابه فيها بحياتي بعدد من المقاتلين والمقنعين الذين يكبرون في وجهي ترهيبا، ثم اجلس بحضرة اشخاص يرتدون احزمة ناسفة“.

بدأت الجلسة بكلام لابو مالك الغاضب لحظتها: احتسب قتلى اليوم نتيجة قصف الجيش اللبناني اثناء انتظاركم شهداءا عند الله، اما التلال التي سقطت فهي برقبتكم انتم، من استشهد هنا ليس افضل ممن استشهد في سوريا، اما انتم فسأحتجزكم حتى يعيد لنا الجيش اللبناني التلال التي سقطت. فاجابه احد اعضاء الوفد: لا داعي لاحتجازنا، سنبقى معك طوعا.

طرح احد اعضاء الوفد مطلبه كالتالي: نحن نريد سلامة مئة الف نازح سوري، و٣٠ الف مواطن لبناني في عرسال، ونريد تحرير كل الجنود الموجودين، واخراج كل المقاتلين من قرية عرسال.

كرر ابو مالك التلة شروطه نفسها التي وضعها بتصرف الشيخ اسامة الرفاعي في الجلسة الاولى للتفاوض: ضمانة لامن المخيم، خاصة ان الجيش اللبناني لا يزال يقصف المناطق السكنية في المخيم رغم اخلائها من المسلحين، قافلة من المساعدات الغذائية العاجلة للمخيمات بعد ايام المعارك وما حصل في من جوع ونقص في المواد، اخراج الجرحى السوريين واللبنانيين نتيجة الاشتباكات الى لبنان للطبابة.

حينها رفض تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) التفاوض، وكان يحضر الاجتماع نائب عماد جمعة، يحيى الحمد الملقب بـ”ابو طلال“ الذي تحدث باسم داعش قائلا انهم لا يريدون اي شيء الا عماد جماعة، وان هناك وعودا باطلاقه فلا بد من ان تتحقق.

جرحى وتهديدات التلة

خلال الاجتماع كان يفترض ان تمر من طريق اللبوة نحو عرسال شاحنات تحمل موادا اغاثية، وانطلقت فعلا القافلة بعد وصول الوفد، ولتخفيف اجواء التشنج كان يفترض ان تصل المساعدات خلال اللقاء، الا ان مواطنين غاضبين اعترضوها في بلدة اللبوة قرب مواقع الجيش اللبناني على الطريق العام، ومنعوها من اكمال طريقها، وحاولوا تحطيم الشاحنات. وطلب الجيش اللبناني من سيارات الاسعاف التي تحمل الجرحى، والتي كانت تنتظر السماح لها بالعبور من عرسال الى اللبوة، بالعودة فارغة مخافة ان يتم التعرض لها ايضا.

عندها طلب ابو مالك التلة ادخال بعض الجرحى امام المجتمعين، وقال: هؤلاء الاطفال والنساء جرحوا اليوم، خلال انتظاركم، نتيجة قصف الجيش، وكانوا في مخيمات المدنيين.

مع تصاعد غضب ابو مالك التلة بدأ يتحدث بطريقة متشنجة: لا اريد ان نأخذ المزيد من الاسرى، ها هم جنود الجيش محاصرون في موقع البنايات، الموقع المليء بالجنود رفع الاعلام البيضاء، وحين اريد ادخل واخذ من شئت منهم اسيرا، ولن يطلق منهم احد النار، نحن نطوقهم منذ يوم السبت (اليوم الاول للمعركة في الثاني من اب ٢٠١٤). اخبروا الجيش اللبناني انني لا اريد اسرى، اريد ان احل المسألة. والا قسما بانني قادر على الهجوم على مواقع الجيش حتى اللبوة، واحرق سياراتهم بالصواريخ. نفذوا شروطنا الثلاثة حتى نفرج عن كل الاسرى لدينا.

خلال الاجتماع عاد القصف على محيط المخيمات المدنية في عرسال، شحبت وجوه الوفد المفاوض، كان اخراج القتلى متعثرا، وشاحنات الاغاثة قد منعت من الدخول، والقصف على المدنيين قد تجدد، مما يعني ان شيئا مما طلبه المقاتلون لم يتحقق، وان كل التعهدات اللبنانية للوصول الى وقف لاطلاق النار واستعادة الاسرى قد ذهبت ادراج الريح.

الا ان وفدا من هيئة علماء القلمون خرجوا عندها بفتوى عدم جواز القتال في عرسال للمقاتلين السوريين، وعدم جواز البقاء فيها، تبعهم مباشرة قادة من الجيش الحر معلنين نيتهم الانسحاب من عرسال باسرع ما يمكن، وعدم المشاركة بالقتال فيها.

عندها اتصل اعضاء الوفد برئيس الحكومة تمام سلام واطلعوه على تفاصيل الوضع، فقال: غدا صباحا ستصل شاحنات المساعدات الى عرسال، والجرحى سيخرجون“. وكان الكلام يحصل امام ابو مالك التلة وباقي المفاوضين والقادة.

سأل ابو مالك التلة: وما هي الضمانات؟ من يضمن امن المخيمات؟ هل تخرجون كعلماء وتدعون اهل السنة وتتظاهرون وتقطعون الشوارع مثل غيركم اذا ما قصفت المخيمات مجددا؟ هل انتم مستعدون لاعلان ذلك في مؤتمر صحافي؟

اكد عدد من العلماء على الامر، ووافق ابو مالك على تسليم ما لديه من اسرى ولكن بعد تنفيذ كل بنود الاتفاق بما فيها الانسحاب.

في خلال جلسات التفاوض، وعلى جانب ما هناك من اسر لاحد الحاضرين بان قطر عرضت اموالا مقابل اطلاق سراح الاسرى، كان هذه المعلومة مفاجئة بالنسبة لوفد يفاوض بنية صافية ومن دون مقابل يقدمه للمقاتلين السوريين والمتطرفين الاسلاميين.

وبعد طول نقاش وافق ابو مالك على تسليم ٣ من الاسرى، الا انه اشترط ان يكونوا حصرا من السنة، ولم يستجب لاي مطلب سواء اكان لزيادة عدد المفرج عنهم او تنوع مذاهبهم.

وقال ابو مالك للوفد: اخبروا الجيش باننا سنرد بحال تابع قصفنا، وسنأخذ موقع البنايات بما ومن فيه، كذلك سنسقط باقي المناطق التي نحاصرها حاليا.

إقرأ أيضاً: عرسال ٢٠١٤: بانتظار دعم لم يأت

واحد من الجنود الثلاثة الذي استلمهم الوفد كان من الضنية، اما الاخران فكانا من عرسال وطلبا البقاء في المنطقة الى جانب اهلهم.

نكث بالالتزامات

ولم يتم اخراج الجنود بسهولة، اذ بعد تسليمهم الى المفاوضين اللبنانيين، نهض احد قادة النصرة (ويدعى الاحوازي) وطلب بذبح الجنود قبل خروجهم من عرسال، وتلاسن مع ابو مالك التلة، وحاول اخذ الجندي بالقوة قبل ان يتم احتواء الوضع ويخرج الوفد سالما. وبقي بعض اعضاء الوفد كنبيل الحلبي في عرسال بينما انطلق الباقون نحو اللبوة مبلغين الجيش عن عودتهم ”برفقة عدد من الاسرى“، ليضمنوا سلامتهم وسلامة الطريق حسب ما يقول احد اعضاء الوفد.

التقى عدد من اعضاء الوفد شامل روكز وقائد اللواء الثامن في الجيش العميد عبد الكريم الهاشم، واخبروهما بتفاصيل الاتفاق، وبان لدى النصرة ١٧ عنصرا من قوى الامن الداخلي و٧ عناصر من الجيش اللبناني.

”حين عدنا ليلا الى الطريق الدولي متجهين نحو بيروت، كانت الطرق مشتعلة بالاطارات، وبعضها مغلق بينما يحتج شبان من القرى على اعتراض اللبوة لقافلة المساعدات، ويحاول عنصر من الشرطة والجيش فتح الطرقات عبثا امام غضب الشبان، كانت البلاد تتجه الى حالة من النزاع والفعل ورد الفعل دون ان يتمكن احد من القول لماذا او من الذي يقف خلف دفعها بهذا الاتجاه“. يقول احد اعضاء الوفد.

قبيل منتصف الليل اتصل عدد من القادة من عرسال باعضاء الوفد، واخبروهم ان شيئا من الاتفاقات لم ينفذ، وان الجيش لا يزال يقصف المناطق المدنية والعسكرية على حد سواء، وانه بالمقابل لا اتفاق ولا تسليم للاسرى.

تابع تمام سلام اتصالات الوفد به، وعاود الاتصال بقيادة الجيش، ثم رد على اعضاء الوفد بان القصف سيتوقف وكل اشكال اطلاق النار كذلك. وان الامور حسمت نهائيا.

منتصف الليل تماما اتصل ابو مالك التلة باحد اعضاء الوفد، وقال له: فعلا لقد توقف اطلاق النار منذ قليل، وسمعنا تعهد احد المشايخ بالتظاهر بحال معاودة القصف في مؤتمر صحافي، وسننسحب قريبا جدا، فاطلب من الجيش الا يطلق النار علينا خلال الانسحاب.

عند السادسة من صباح يوم التالي في السابع من اب، وصلت اولى سيارات الاسعاف والشاحنات الى مناطق قريبة من اللبوة، وانسحب المقاتلون السوريون من عرسال، وبدأت سيارات الاسعاف باخلاء الجرحى، بينما دخلت شاحنات الاغاثة واحدة اثر اخرى الى داخل عرسال تجنبا لردود فعل من اهالي اللبوة.

”عندما دخلنا عرسال عند الساعة الثامنة صباحا كانت خالية تماما من المقاتلين“ يقول احد اعضاء الوفد المفاوض، ”حاولنا الاتصال بابو مالك التلة لاخلاء سبيل الاسرى، رفض مكالمتنا، ودخل من يومها الى مناطق فليطة، حيث كانت هجمات حزب الله بدأت تتركز“.

كان الطرفان يخلان بتعهداتهما، الجيش اللبناني تجاوز شرط عدم التعرض للجرحى، وبدأت عمليات اعتقال لجرحى واستجوابهم وهم على اسرة المستشفيات، بينما اخلت جبهة النصرة بتعهدها باطلاق كل الاسرى لديها، مرة واحدة اطلقت ٥ من الاسرى عبر الشيخ مصطفى الحجيري ”ابو طاقية“.

في المقابل فان داعش كانت في واد اخر، كان ابو حسن الفلسطيني قد اصيب في عمليات قصف، وبقي بحالة خطرة في احدى المستشفيات، وعملت داعش على نقله خارج المنطقة، بينما تولى لاحقا ابو عبد السلام امارة المجموعة في جرود عرسال، وكان مطلبهم ينقله نائب عماد جمعة المدعو ”ابو طلال“: اطلاق جمعة او ٣٥ اسما من سجون لبنان، وهو المطلب الذي لم توافق عليه السلطات اللبنانية، دون معرفة تبرير عدم اطلاق شخص كجمعة ليس لديه سجل ارهابي، بل ربما هو متورط في اعمال اخلاقية فقط، ولم يمض على مبايعته لداعش اكثر من يومين عند اعتقاله. وطوال الوقت كان يردد ابو طلال: بحال لم تسرعوا فسنذبح الاسرى، سنقطع رؤوسهم. ومن كان يتواصل مع ابو طلال تكون لديه الانطباع بان اسرى داعش قد اضحوا امواتا بالفعل.

النصرة من ناحيتها ابلغت احد الشخصيات المفاوضة في العام ٢٠١٥ عن مقتل العسكريين لدى داعش، حين سأل المفاوض عن جنود الجيش اللبناني اجابه احد قادة جبهة النصرة ”وهل لا يزالون احياء؟ بحسب معلوماتنا فقد تمت تصفيتهم بعد عملية مداهمة سجن رومية“ (التي تم خلالها ضرب المساجين الاسلاميين ونقلهم إلى مبنى اخر واعلان وزير الداخلية نهاد المشنوق عن ”تفكيك غرفة عمليات ارهابية في سجن رومية“.

احد اعضاء الوفد المفاوض يتذكر تلك المرحلة بالقول: لم نملك اية ورقة للتفاوض، بدل ان نهددهم بالجيش والحسم العسكري كانوا يملكون معلومات وقدرة نارية للرد والتقدم، وبدل ان نملك اوراق قوة او قدرة على التقديم والمطالبة كانت الدولة اللبنانية عمليا قد منعت عنا تقديم اي شيء مقابل الاسرى. كنا في موقف الضعيف، والدولة رفضت مقايضة جمعة من البداية، وحتى الاسماء التي طالبت بها داعش وافقت الدولة على اطلاق ٣ منهم من اصل ٣٥.

إقرأ أيضاً: عرسال 2014: مفاوضات واستدراج عن طريق الخداع

بعدها راحت المفاوضات في مسارات اخرى، انتهت وساطة هيئة العلماء وبعض المعارضين السوريين من لبنان وغيرهم، لتبدأ وساطة عباس ابراهيم ووفد قطري غامض ونبيل الحلبي.

ويتحدث من واكبوا تلك المرحلة من الجرود ان كل عملية تبادل كانت تنتهي بتوزيع النصرة اموالا نقدية على عائلات الشهداء والجرحى في الجرود وحتى في عرسال. سواء خلال عملية تبادل راهبات معلولا، او عملية تسليم اسرى قوى الامن والجيش اللبناني، ويؤكدون ان مبالغا كانت تبقى في الجانب اللبناني كحصة لبعض السياسيين او المفاوضين او الاداريين.

السابق
هكذا تمّ شق طريق المحكمة العسكرية لإعدام الشيخ أحمد الأسير
التالي
بعدما عذّبها ابنها وضربها وتركها تنزف ليتناول العشاء مع زوجته.. زينب فارقت الحياة!