«أستانة 6» وإعلان نصر «الممانعة» فوق «ركام سوريا» المفخخ

مؤتمر استانة هو مؤتمر تقاسم نفوذ اقليمي ودولي في سوريا اكثر منه مؤتمر للحل السياسي الداخلي، اعلان حزب الله الانتصار في سوريا هو انتصار لتقاسم النفوذ فوق ركام سوريا، وفي لعبة تقاسم الحصص اسرائيل مرشحة ان تنتقل الى مرحلة القتال من اجل نيل ثمن دورها حماية نظام الاسد حتى الآن، دور تنافسها عليه ايران اولاً.

الخلاف الروسي – الإسرائيلي حول اتفاق الجنوب السوري، في إطار اتفاق مناطق خفض التوتر، لم يكن على خلفية ضمان أمن الحدود مع اسرائيل، فالقيادة الروسية منذ وطأ جنودها الأراضي السورية لقمع الثورة السورية، كان الدخول مسبوقاً بتفاهمات اسرائيلية-روسية على هذا الصعيد، وأقيم خط ساخن بين الدولتين لضمان عدم الاصطدام الخاطىء في الجو بين القوتين الجوية الروسية والإسرائيلية في سوريا، أي بما يعني أنّ موسكو أقرت بحق اسرائيل توجيه ضربات داخل سوريا على قاعدة التصدي لما تراه مساساً بأمنها، فيما لم تعتبر اسرائيل أنّ الطيران الحربي الروسي في عملياته العسكرية داخل سوريا هو مصدر خطر أو تهديد لها.
الجديد أنّ اسرائيل باتت تزيد من منسوب تحذيرها من النفوذ الإيراني في مناطق الجنوب السوري، فيما أكّد أكثر من مسؤول عسكري وسياسي اسرائيلي خلال الأسابيع القليلة الماضية، بأنّ روسيا لا تستجيب لمتطلبات اسرائيلية على صعيد منع التواجد الإيراني على مقربة من حدود الجولان المحتل، وهو تزامن من جهة مع مناورة عسكرية اسرائيلية هي الأضخم منذ عقدين من الزمن، تحاكي حرباً اسرائيلية ضد حزب الله، ومن جهة ثانية مع توجيه ضربة اسرائيلية جوية لمصنع سلاح في مصياف الواقعة بين حمص واللاذقية وعلى بعد 70 كلم من مطار حميميم الذي تحول منذ سنوات إلى قاعدة جوية روسية.
ماذا تريد اسرائيل من كل ذلك؟ الثابت أنّ مسار الحل في سوريا ليس قريباً، على رغم إعلان حزب الله قبل أيام الانتصار في سوريا، لكن واقع ما يجري، أنّه تثبيت ما اتفق عليه في قمة هامبورغ قبل شهرين بين الرئيسين الأميركي والروسي وهو ايجاد مناطق منخفضة التوتر، وهذا الاتفاق يهدف عملياً إلى تنظيم المصالح الإقليمية في سوريا عبر تأمين مناطق نفوذ دولية وإقليمية سواء لإيران أو تركيا أو الأردن، ودائماً تحت إشراف روسيا الموكلة أميركياً في ترتيب هذه المناطق. رفع الصوت الإسرائيلي يأتي في سياق محاولة نيل حصة في مزاد تقاسم حصص النفوذ الإقليمية. لذا فاسرائيل تسعى إلى القفز فوق الضمانات التي وفرتها الأطراف المعنية لجهة عدم المس بأمنها ولا سيما من قبل إيران وحزب الله ومن روسيا أيضاً، إلى مرحلة الدخول كشريك مضارب في تقاسم الكعكة السورية إقليمياً، ومن خلال رفع منسوب الحديث عن الخطر الإيراني.

 

كما أنّ اسرائيل التي لم تسمع كلاماً أميركياً يرضيها تجاه دور إيران وحزب الله في سوريا خلال زيارة مسؤول الموساد الاسرائيلي قبل شهر إلى البنتاغون، بل اعتبر المسؤولون الأميركيون الذين يدرجون حزب الله كمنظمة إرهابية أنّ دور هذا الحزب وإيران في سوريا لا يشكل تهديداً للمصالح الأميركية أو الإسرائيلية ما دام الطرفان يقاتلان مجموعات إرهابية سورية وأنّ الأولوية الاميركية هي تعزيز الجبهة ضد الإرهاب المتمثل في تنظيم داعش وجبهة النصرة. وهذا الموقف الاميركي لم يرض اسرائيل التي يرجح بعض المحللين أن نشهد فصلاً اسرائيلياً مختلفاً عمّا كان عليه الحال في السابق، من خلال رفع وتيرة التصعيد في الميدان السوري بذريعة مواجهة الخطر الإيراني من جهة، ومحاولة إبراز الشراكة مع القوى الكردية سواء في العراق أو سوريا، من أجل دعم خيار الانفصال الكردي في البلدين، والغاية الإسرائيلية من وراء ذلك فرض وجودها كطرف فاعل في تفجير الأزمات وفي حلها إقليمياً من خلال الميدان السوري بالدرجة الاولى والعراق بدرجة ثانية.
الموقف الروسي الذي عبّر عن عدم تجاوب مع المطالب الإسرائيلية في سوريا كما أسلفنا، هو موقف برز من على ألسنة المسؤولين الاسرائيليين، وتعمل الصحافة الاسرائيلية على ترويجه فيما لا نجد حرصاً روسيا على التطرق إلى هذا الجانب لا على ألسنة المسؤولين الروس ولا حتى في وسائل الإعلام الروسية. وهو إن دلّ على شيء فيدل على أنّ اسرائيل راغبة في استثمار الرفض الروسي لبناء موقف جديد يجعلها في الحد الادنى طرفاً له مصالح مستقلة عن روسيا في سوريا، وستعمل على تحقيقها من دون غطاء روسي، وبحسب مصادر متابعة للموقف الروسي من بيروت، إنّ روسيا لا يضيرها أن تسمح لاسرائيل بتوجيه ضربات عسكرية لمواقع تابعة لإيران في سوريا، كما لا يزعجها الرد الإيراني في حال حصوله، بل يمكن أن يساهم ذلك في تثبيت موقعها الاستراتيجي في سوريا كطرف قادر على التواصل مع جميع الأطراف ويمكن أن يستخدم التهديدات أو أي مواجهة بين إيران واسرائيل في فرض شروطه في المعادلة الاقليمية والدولية في سوريا.

إقرأ أيضاً: ما رأي النشطاء السوريين بوفد المعارضة إلى استانة؟

مؤتمر استانة 6 جاء في هذا السياق والبيان الذي صدر عن وزير خارجية كازخستان في ختام أعماله اليوم، أكد على إيجاد أرضية تفاهم على تنفيذ خطة خفض التوترفي المنطقة الرابعة وقال رئيس الوفد الروسي في محادثات الأستانة الحالية الكسندر لافرنتييف إنّ الدول الثلاث، إيران وروسيا وتركيا، هي التي ستتولى المسؤولية عن منطقة خفض التوتر في إدلب وأضاف “يتم بحث نشر مراقبين من هذه الدول لهذا الغرض” في المنطقة.
لكن لا يعرف حتى الآن موقف القوة المسيطرة على المحافظة وهي هيئة “تحرير الشام” التي تضم “جبهة فتح الشام” وغيرها من الجماعات المتطرفة التي تصنفها الدول الغربية في قائمة المنظمات الإرهابية.
ويأتي مؤتمر استانة الذي في ظاهره يهدف إلى حل سياسي للأزمة السورية بين الأسد ومعارضيه، إلاّ أنّ الميدان يشير إلى أنّه اتفاق ينظم علاقة الدول النافذة في سوريا من دون أن يتطرق إلى جوهر المشكلة الداخلية، والأرجح أنّ طريق الحل الذي يتم عبر مؤتمر استانة بحسب الوقائع، هو خفض المواجهات وتأجيل الحلول السياسية بل تعقيدها، لا سيما أنّ الحل دونه عقبات موضوعية تحرص الأطراف المؤثرة على اختلافها على عدم إزالتها في المدى القريب بانتظار استكمال عملية تقاسم النفوذ، فيما واشنطن التي تبدو غائبة عن الميدان السوري باستثناء رعايتها للقوى الكردية واهتمامها بملف الحدود مع العراق، مستمرة على سياستها التي لا تضع سوريا في سلم أولوياتها، كما هو حال العراق بالنسبة إليها.

إقرأ أيضاً: مخاطر بعد «استانة» تطال حزب الله والوجود الإيراني في سوريا

الوكالة الروسية من واشنطن في سوريا هي الأساس الذي أسس له الرئيس السابق باراك اوباما وتبنته عملياً الإدارة الجديدة في النظر إلى الأزمة السورية، وعدم استعجال الحلول ينطوي في الحسابات الأميركية على ترك المشهد السوري في حال استنزاف، ولكن ثابت على أولوية محاربة التنظيمات الإرهابية، وهذا ما توفره روسيا وحلفائها حتى الآن مع إدراك واشنطن أنّ هذه القوى لا تمتلك القدرة على توفير الاستقرار والتسوية الداخلية في ظل التمسك بنظام الأسد، الذي لم ينل حتى الآن وسام الإقرار الأميركي بشرعية وجوده، إذ رغم كل السياسة الأميركية التي حالت دون سقوط الأسد، فإنّ واشنطن متمسكة حتى اليوم بموقفها الذي يحول دون إضفاء الشرعية الأميركية عليه، وهذا ما يؤكد أنّ مسار الحل لم تزل دونه عقبات تتجاوز إعلان حزب الله الانتصار فوق ركام سوريا، هذا الركام الذي لم يزل في جوفه الغام معدة للانفجار أوّلها قهر الشعب السوري وليس آخرها قدرة مؤتمر استانة على ضمان الاستقرار الإقليمي على خطة تقاسم النفوذ.

السابق
توقيف خمسة أشخاص من مكتومي القيد في البيسارية
التالي
عرسال 2014: مفاوضات واستدراج عن طريق الخداع