الجماعة تعبد نفسها أولاً وأخيراً…

كان يأتي الجماعةَ من يُخْضِعها بالسيف ويسلخُ جلدَها بالسوط فتغيّر دينها أو مذهبها لتتبع دينَ الغالب أو مذهبه. وكانت النتيجةُ نفسها تُنال أحياناً برشوةٍ معتبرة لرؤساء الجماعة فيبقى “الناسُ على دين ملوكهم”. وبتغيير الدين أو المذهب، كانت تتوطّد أركان الطاعة للغالب إذ تدخل الجماعةُ المغلوبة في صُلْب جماعته. وفي حالتي الغصب والإغراء، كان يتيسّر قديسون أو أولياء يبشّرون بالتغيير فيجعلونه شبيهاً بالهدى والإيمان.
وحيث جاء الغالب مستغنياً عن التبشير الديني، معتمداً لنفسه مذهباً دنيوياً، أمكن أن يعتمد المغلوبون دِينَهُم عدّةً للمقاومة. ولكن ذلك كثيراً ما ألزمهم بتغيير هذا الدين من داخله تغييراً جسيماً.
في الأحوال كلّها كانت الجماعة تبدأ بعد حينٍ في اعتبار ما ألجئت إليه غصباً أو طمعاً أو اضطراراً عينَ الحقّ والهدى. فتصبح مستعدّةً من جديدٍ للموت وللقتل في سبيله. وكأنما لم يكن قبْلَه شيءٌ ولا يجوز أو يحتمل أن يكون بَعْدَه شيء. وكأنما هو وحده سواءُ السبيل في الدنيا بأسْرِها وكلّ سبيلٍ غيره مُهلكٌ يجب أن يُسدّ ويُردمَ، عند اللزوم أو الإمكان، وأن يُقْمعَ سالكوه.
والحالُ أن ما يغيّره الظرفُ يَحْسُن به أن يَعتَبِر باختلاف الظروف وتقلّبِها وأن يتقبّلَ ما تفرضه من تعدّدٍ في الأديان والمذاهب. غير أن النسيانَ (نسيانَ ذلك كلّه) شرطٌ لاستقامة الإيمان، في ما يبدو. ويحتاج الإيمانُ إلى أن يكون مطلقاً ليصل اعتدادُ الجماعة بنفسها إلى الحدّ الذي يضمن تماسكها في وجه التحلّل فضلاً عن تماسك أفرادها في وجه الموت.
وليس جديداً، في نهاية المطاف، أن يقالَ أن الجماعةَ إنما تعبُد نفسها أوّلاً وآخراً.

السابق
التحالف الدولي يوقف ملاحقة قافلة «داعش» في سوريا
التالي
مدير الاستراتيجية والتخطيط والسياسة في القيادة المركزية يزور لبنان