حزب الله و «الصفقة المشبوهة» مع داعش في الحساب اللبناني

كل ما أحاط بصفقة حزب الله مع داعش في جرود القاع مريب، سواء في الانسيابية أو في السرعة التي بدت تهريباً وليس تسرعاً فضلا عن تضييع كنز من الأسرار كان يمكن أن يكون للبنان دور في كشف أوجه موثقة لداعش الذي يشغل العالم اليوم.

عشية تشييع رفات العسكريين اللبنانيين ومع نهاية معركة الجرود في القاع وما رافقها من صفقة ملتبسة إن لم نقل مشبوهة بين حزب الله وتنظيم داعش، يمكن قراءة ملامح ما بعد المعركة ونتائجها على المشهد السياسي اللبناني، لا سيما أنّ طرد تنظيم داعش من لبنان كان يتجاوز إنهاء وجود هذا التنظيم على الحدود اللبنانية-السورية، إلى محاولة ترسيخ قواعد متصلة بموقع الشرعية اللبنانية وسيادة الدولة من جهة ودور حزب الله وموقعه في القرار الاستراتيجي اللبناني.
اللافت في هذه المعركة التي أعلن الجيش اللبناني خوضها رافضاً أيّ مساعدة من قبل الجيش السوري أو حزب الله، أنّ الأخير عمل جاهداً لتكون له الكلمة الأخيرة في المعركة، وهو نجح إلى حد بعيد في تحقيق هذا الهدف، من خلال إصراره على عقد الصفقة مع تنظيم داعش وتنفيذها، فيما الدولة اللبنانية التي انتصرت عبر جيشها عسكرياً عجزت حكومتها أن تقطف ثمار المعركة سياسياً. الجيش قام بمهمته على أكمل وجه ولكن الحكومة لم تواكب هذه المهمة سياسياً كان رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة غائبين تماماً عن المشهد السياسي، فيما أمين عام حزب الله خرج على غير عادته في إطلالات متنوعة لأربع مرات عشية المعركة وخلالها وغداة انعقاد الصفقة مع داعش، كان ثمّة ما يشبه الاستقالة من قبل السلطات السياسية عن دورها.

لقد حال حزب الله دون الاستثمار السياسي للدولة اللبنانية وأكّد أنّه هو صاحب الكلمة الاخيرة، وفي مواجهة أسئلة “الصفقة المشبوهة” نجح حزب الله في خلق جو من التوتر اللبناني الداخلي من خلال الحديث عن التحقيق في مقتل العسكريين بغاية إعادة تفكيك المشهد اللبناني الموحد حول المؤسسة العسكرية وعلى المستوى السياسي الرسمي. وليستوعب ردّات الفعل على “الصفقة المشبوهة” عمد إلى إثارة البلبلة وإثارة الشرخ في الموقف الرسمي اللبناني، فعلى عادته إذا أراد حزب الله ما لا يمرر بمعايير الدولة، يعمد إلى إثارة البلبلة لتشظي المشهد السياسي، بحيث يحول دون قدرة الدولة اللبنانية على استثمار أي انتصار، في سلوك واضح كما هو الحال اليوم على منع استثمار انتصار الجيش وطنياً من خلال خلق جدل يتصل بقضية المسؤوليات في خطف العسكريين من قبل تنظيم داعش.

إقرأ أيضاً: بيان حزب الله الانساني وصراع مرحلة ما بعد داعش في سوريا

لماذا استيقظ القضاء فجأة؟ استيقظ للتغطية على “الصفقة المشبوهة” التي عقدها حزب الله مع داعش. المعلومات المتعلقة بالعسكريين أنّه منذ سنتين كانت معروفة كما قال اللواء عباس ابراهيم، فلماذا لم تجرِ التحقيقات في ذلك الحين، فضلاً أنّ كلام اللواء ابراهيم يرجح أنّ ما جرى أخيراً كان تهريب مقاتلي داعش بهذه السرعة وقبل التأكد من فحوصات ال DNA ويثبت أكثر فأكثر مقولة أنّ التكوين الداعشي هو أحد أوجه نشاط خصوم  الثورة السورية لحرف مسارها.
بدا أداء رئيس الجمهورية دون الامال والتوقعات، فهو لم يبذل أيّ جهد سياسي من أجل منع حزب الله من قول الكلمة الأخيرة، إلى حد يجعل من فرضية أنّ رئيس الجمهورية لم يزل يدفع فواتير وصوله إلى سدة الرئاسة لحزب الله قولٌ له ما يؤكده، لقد شكل العهد الجديد سواء بالرئاسة أو في الحكومة بالمآلات الاستراتيجية أن تكون الكلمة الاولى والاخيرة لحزب الله. رئيس الحكومة أظهر هشاشة في الحضور خلال المعركة، فيما كان حزب الله ممسكاً بزمام المبادرة السياسية والحكومة أشبه بمتفرج، أعطاها حزب الله كسرة التشييع ويوم الحداد الوطني والخطب الطنانة لا أكثر ولا أقل.

إقرأ أيضاً: عودة داعش من جرود لبنان الى الحضن السوري الدافىء

حزب الله يمأسس سلاحه هذا هدف المعركة، ويخطو خطوات ثابتة نحو إضفاء الشرعية على تركيبته الأمنية والعسكرية، أصبح حالة مشروعة ومعترف بها برضى أو بغير رضى، وهو يأسس لقواعد لعبة سياسية ترتكز الى هذا المعطى أي أن يتحول السلاح الذي يمثله الى مرجعية، وهذا يتم في سياق أنّ العملية السياسية التي اوصلت رئيس للجمهورية ثمّ تشكيل الحكومة أنّها عملية ترجمة التحول السياسي في لبنان لصالح حزب الله.
القوى التي يفترض أنّها في موقع مقابل لحزب الله، فقدت تماسكها تشظت وتذرت، فيما حزب الله حافظ على تماسكه، هذه القوى عاجزة أو غير راغبة في الدخول في صراع مع حزب الله، فيما الاخير يثبت قواعد انتصاره في الداخل. حزب الله قد يقول البعض انه لا يمسك بالقرار السياسي، وإذا صح هذا القول، لكنّه يشكل بطبيعته المانع الجوهري لقيام الدولة.

السابق
غارة اسرائيل على المنشآت السورية يفضح نوايا روسيا ويعرّي قدراتها
التالي
حزب الله هو رأس الحربة الإيرانية