عندما يحيك نصرالله صفقة

تكتب سمدار بيري، في “يديعوت احرونوت”، ان الامين العام لحزب الله، حسن نصر الله، يدأب لدى مغادرته للقبو الذي دخل اليه بمبادرته قبل 11 سنة، في احد احياء بيروت، على ارتداء لباس تنكري، بحيث يخلع الجلابية والعمامة ويرتدي سروالا عاديا وقميصا خفيفا وجاكيتا فيظهر كأنه رجل أعمال. لقد مرت سنوات كان يخشى ، وبحق، من أنه بمجرد التعرف عليه خارج المكان الذي يختبئ فيه، ستسارع اسرائيل الى تصفية الحساب معه. وعندما اكتشف ان الاسرائيليين لا يأخذونه في الاعتبار، تقريبا، من الجو، بدأ نصرالله يتخوف – وهذه المرة ايضا بحق – من قيام خصومه الكثر داخل لبنان او مبعوثي خصومه في المنطقة، باستغلال الفرصة في اللحظة التي يتمكنون فيها من وضع اليد عليه: عبوة ناسفة او مسدس يوجه الى رأسه.

يعرف نصرالله أنه شفاف في العيون الإسرائيلية. فهناك من تنحصر مهمتهم في تحديد متى يتعب من الاغلاق على نفسه في قبو معين والذهاب إلى قبو آخر – وهناك تحت تصرفه ثلاثة مخابئ يتنقل بينها. كما اهتمت إسرائيل بالتلميح له أن رحلاته السرية إلى دمشق وطهران ليست سرا خفيا على “العيون”. ولدينا يسخرون منه قائلين ان كل مغادرة له شفافة بكل معنى الكلمة. لا توجد أسرار. نصرالله بنفسه يعرف بأننا نعرف. انه لا يزال يشعر بالقلق من الطائرات غير المأهولة التي تحلق في سماء بيروت، ومن جهة ثانية، تبلور لديه التقدير بأنه ليس مستهدفا بشكل مباشر من الجانب الاسرائيلي، ولا توجد في محيطه خلية اغتيال تم ارسالها بشكل خاص للتربص وانتظار فرصة “اسقاطه”.

ولذلك، فإن إعلان نصرالله العلني عن رحلته إلى دمشق للقاء بشار الأسد، ما كان يجب ان تزعج أي شخص. فكل ما فعله هو مغادرة القبو، حسب ما اعتاد عليه بشكل منتظم، ارتدى اللباس التنكري، واستقل السيارة، والتصق به حراسه – في الزي المدني – وانضمت مركبات أخرى على طول الطريق، ومرت الرحلة التي استغرقت 90 دقيقة بسلام. الأمر الأكثر مثيرا للاهتمام هو ما حدث خلال المحادثة بين الاثنين، ولماذا لم يتم عبر الهاتف إغلاق الصفقة بين حزب الله وداعش.

فيما يلي رؤية أخرى للصفقة: في سلسلة الاتصالات السرية، وايضا في الاجتماع مع الأسد، احتل نصر الله مكان رئيس الأركان اللبناني. فهو، وليس العميد جوزيف عون، من حاك خطة طرد 300 من مخربي داعش الذين استقروا على طول الحدود السورية اللبنانية. رجال داعش يخرجون مع اسلحة خفيفة، ومع ابناء عائلاتهم، وتتعهد سورية ولبنان بعدم المس بقافلتهم، فيما يتم في المقابل اعادة جثث تسعة جنود من الجيش اللبناني وجندي إيراني قتلوا في أسر داعش، بالإضافة الى شخصين آخرين على قيد الحياة.

إقرأ أيضاً: بيان حزب الله الانساني وصراع مرحلة ما بعد داعش في سوريا

غير ان مسيرة القافلة تحولت الى ازمة انسانية امس. فقد قصفت طائرات التحالف الأمريكي الطريق، وبقيت ست حافلات عالقة، وعلى متنها نساء وأطفال بدون طعام وشراب، وتم سد الطريق امام مركبات المساعدة بسبب الغارات الجوية. وبالمناسبة، لقد تعرضت صفقة مشابهة في الماضي الى الاستنكار من قبل نصر الله. في حينه تم طرد رجال داعش من الموصل في العراق، فنعت نصر الله وزراء الحكومة العراقية بـ”العملاء” واتهمهم بالتعاون مع الجيش الأمريكي.

“صفقة التحرير”، كما يسميها نصرالله، يقصد منها نقل مخربي داعش الى بلدة دير الزور على طول الحدود بين سوريا والعراق التي يسيطر عليها داعش. بالنسبة لحيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، فانه يشعر كما لو ان عظمة عالقة في حلقه، وهو يرى كيف يقوم نصر الله، بتشجيع من طهران، بركل 300 مسلح داعشي إلى ملعبه. نصرالله وايران يعرفون الجدول الزمني: بعد قليل سيحين موعد الانتخابات العراقية، والايدي الايرانية تلعب، وبعد ثلاثة اسابيع سيجري الاستفتاء الشعبي حول استقلال كردستان. وحتى اللحظة الأخيرة سيتواصل الضغط التركي والعراقي والايراني. والصفقة التي تعيد 300 مخرب من داعش مع عائلاتهم، تصب فقط نقاط من الزيت الساخن على الحريق.

إقرأ أيضاً: الصفقة الفضيحة.. وتخبط نصرالله!

الأمر المؤكد هو أن نصر الله قام بتنظيف الساحة اللبنانية لصالح الحرس الثوري و”المستشارين” من طهران. وتتراكم بشكل متزايد الدلائل على أن الإيرانيين، الذين يسعون إلى تشكيل أنظمة موازية في لبنان، ويستعينون بحزب الله، يصلون للاستيطان الطويل هناك. بالضبط وفقا لسيناريو الملك الأردني عبد الله، الذي أصر قبل سنوات، على رسم خطر الهلال الشيعي (إيران-العراق-سوريا-لبنان) في منطقتنا.

السابق
هيتشكوكية حزب الله تزيد!
التالي
روكز: «أبو طاقية» خطف العسكريين وكنت أفضل قتل «داعش»