بين معركة صفين ومعركة فجر الجرود

بعدَ أن شعرَ معاويةٌ بن أبي سفيان أنهُ سوفَ يُهزمُ في صفِّينَ، إستعانَ بأبناءِ الدواهي والنوابغِ للخروجِ من المأزقِ الذي هوَ فيهِ، فأشارَ عليهِ عمرو بن العاص برفعِ المصاحفِ على الرماحِ في وجهِ جيشِ أميرِ المؤمنينَ (ع).
وكانَ مالكُ الأشترُ قائدَ جيشِ الإمامِ (ع) قد سطَّر إنتصاراتٍ بارعةً في صفوفِ جيشِ معاوية، وعلى مقربةٍ من الوصولِ إلى خيمتهِ في صفِّينَ والنيلِ منهُ.
إلاَّ أنَّ خدعةَ رفعِ المصاحفِ وهتافاتِ جيشِ معاويةَ ب”لا حكم إلا لله” إنخدعَ بها أصحابُ الإيمانِ الضعيفِ والعقيدةِ المتزلزلةِ في جيشِ أميرِ المؤمنينَ (ع)، فإنقلبوا على الإمامِ (ع) وشهروا سيوفَهم عليهِ مطالبينَهُ بوقفِ الحربِ وبالتحاكمِ بالقرآنِ بينهُ وبينَ معاويةَ.

اقرأ أيضاً: داعش في ضيافة حزب الله: خدمات متبادلة

نتيجةَ هذا الإنشقاقِ في جيشِ الإمامِ (ع) وخوفاً من وقوع فتنةِ اقتتالٍ داخلَ الجيشِ، ونتيجةَ جهلِ هؤلاءِ الخوارجِ بصوابيّةِ رأيِّ الإمامِ وعلمهِ وتقواهُ ومنصبهِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، إستجابَ الإمامُ بإيقافِ الحربِ وأرسلَ رسولاً إلى مالكِ الأشترِ بالعودةِ للمعسكرِ وتركِ معاويةَ، وإنتهتْ المعركةُ بالتحكيمِ.
وفي معركة فجر الجرود ايضا، وعندما وصل الجيش اللبناني على مشارف النصر وتحقيق هزيمة نكراء بالإرهابيين، رُفع على الرماح أيضًا “مصحف” من نوع آخر إسمه هذه المرة “مصير العسكريين”! فتوقفت المعركة وتحول النصر المبين إلى ما يشبه الهزيمة.

المصحف الأول كان خديعة وكلمة حق يراد بها باطل، لأن القران الكريم ليس هو (ككتاب) من يفرّق بين صاحب الحق وصاحب الباطل!!!
“المصحف” الثاني هو خديعة أيضًا، لأن “معرفة مصير” العسكريين لا تعني البتة معرفة مكان جثامينهم إن كانوا شهداء (كما كان معلومًا عند أصحاب الشأن)، بل تعني بالاضافة إلى معرفة أماكن اضرحة الشهداء، معرفة أيضًا المجرم الذي قتلهم ومن أمر بقتلهم وبالتالي محاسبة الجاني ومعاقبته، كل هذا هو ما يمكن أن نسميه “مصير العسكريين”!
أما أن نعرف مكان الجثث من دون أن نعرف القاتل الحقيقي ومن يقف وراءه، فهذا إنما يسمى تجهييل “مصير العسكريين” وليس معرفته!
وبالخدعتين كان المطلوب فقط هو وقف المعركة فورًا والحؤول دون تحقيق انتصار…. رحم الله الشهداء.

 

السابق
عملية نصب منظمة باسم مهجري الليلكي
التالي
كيف سينتهي التحدي الأميركي – الكوري في الشرق الاقصى؟