فدوى سليمان: الفنانة الثائرة، وكابوس الأسد الجديد

نص كتبه الدكتور خالد العزي عن الفنانة السورية فدوى سليمان قبيل وفاتها.. وهو عبارة عن تحية لها ..

عندما يثور الفنان والإعلامي والمفكر والمثقف، ويرفض كل ما يطرحه النظام من روايات وأحاديث وقصص سخيفة، “عن عصابات وإرهابيين” تمارس في سورية، يكون النظام قد فشل فعليا في تسويق وجهة نظره الداخلية، لان هذه الطبقة تستمد شرعيتها المشروعة من الشارع، والشارع قوتها الحقيقية، لان الفنانون صوت الشعب وصده الطبيعي، لان الشارع هو الشرعية الحقيقية للفنان، وبالتالي على الفنان حمل هموم الناس والدفاع عنها، بالوقت الذي تخلى الكثير عن هذا المبدأ، لكن فدى أبدت انحيازها للشعب منذ اليوم الأول للثورة، لتكون دخلت بمواجهة مباشرة مع النظام. فدوى سليمان فنانة الثورة السورية التي شاركت فيها منذ البداية معارضة إجرام الأسد، لكنها بعيدة عن الإعلام.

إقرأ ايضا: فدوى سليمان: ورحلت أيقونة الثورة!

لكن عندما تخرج فنانة كبيرة في مظاهرات شعبية وتهتف فيه ضد نظام بشار الأسد، فهذا الإفلاس الفعلي لنظام استخدم فن الممكن لترويج أفكاره، فالفنانة فدى سليمان التي كانت في طليعة المظاهرة في منطقة البياضة في مدينة حمص عاصمة الثورة السورية، تصرخ وتهتف بشعارات مؤيدة لقرار الجامعة العربية القاضي بتجميد عضوية سورية، لم يكن احد أن يصدق ذلك. فالذي يشاهد فدوى سليمان في قلب المظاهرات يفاجئ، وخاصة عندما يسمع صوتها أثناء توجيهها رسالة من قناة الجزيرة الفضائية عبر “السكايب”، والتي تقول فيها “بأنها مستعدة للموت من اجل الثورة السورية، وحياتها لا تختلف عن حياة الثوار التي تعتبر نفسها واحدة منهم” أو عندما ترها في حي الخالدية في حمص جانبا إلى جنب عبد الباسط ساروط لاعب الكرة السوري يقدون سوية مظاهرة في 7 كانون الثاني من هذا العام.

بعد هذه المقابلة التلفزيونية، يظن المشاهد نفسه للوهلة الأولى أمام مسلسل درامي جديد تقوم ببطولته الممثلة فدوى سليمان، ينفذه ويخرجه نجدت انزور مخرج النظام السوري الحالي، وواضع بصماته على كل المسرحيات المليونية التي تخرج للشارع السوري لتدعم نظام الأسد، ويتم تصويرها لتعرض على الشاشات الفضائية، من خلال لقطات مميزة وفنية كاملة، لكن بعد التمعن الفعلي في نص الرسالة التلفزيونية تجد نفسك أمام مناضل حقيقي مهنتها التمثيل وصوتها العقل وقلبها ينبض بقوة من اجل سورية، فدوى كانت الأشجع من بين رفاقها في المشاركة والانحياز الفعلي والميداني للثورة السورية. فالجدير بالذكر أن الأسد في اجتماعه الأول مع الفنانين السورين الذين انحازوا لنظامه طلب منهم بعرض كل الإحداث وتصوير كل الوقائع كما هي وشدد على دور الفنان لعكس الواقع كما هو من خلال إعمالهم الفنية للمساعدة في حل المشاكل.

لم نتوقع من بطلة فيلم الكارتون المدبلج بصوتها” همتارو” بان تقف وسط الجماهير الشعبية المعترضة لتكون بطلة شعبية تصرخ وتهتف وتكون قائدة أمامية في حياة مضطربة، يصر فيها الشعب السوري على إسقاط النظام الاسدي، لتكون بنت صفيته إحدى إبطال هذا المشهد الحقيقي الدموي الخارج من إحياء حمص الفقيرة عاصمة الثورة السورية الجديدة.

وهنا نرى مدى الارتباط الفعلي الذي تجسده فدوى سليمان بأرضها وشعبها السوري، فدوى التي اختارت الأكثرية الشعبية رافضة الأقلية الطائفية، هي السورية والعربية التي تقف الى جانب قضية شعبها المحقة المطالبة بالتغيير والحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، فالشعب السوري الذي خرج في 15 آذار لم يخرج مطالبا بإسقاط نظام لإحلال مكانه أو بتنحيّ طائفة لصالح أخرى فالشعب السوري المقهور من عصابات الأسد وعائلته الحاكمة، يختبئ بثوب الطائفية لتحميه ولتسعير نار الحرب الداخلية الأهلية التي يستند عليها في قمعه لشعب سورية.

لقد تحولت فدوى سليمان إلى رمزا وطنيا لمكونات الوحدة السورية التي يحاول النظام اللاعب عليها من اجل تامين وجوده على العرش مستخدما القتل والبطش والطائفية، لقد كتبت “لوموند” الفرنسية بتاريخ 27 تشرين الثاني2011، بعنوان في “المانشيت” العريض “فدوى سليمان كابوس نظام الأسد الذي يحاول قتلها بأي شكل، وخاصة بعد ظهورها العلني في 23 تشرين الثاني الماضي أثناء قيادتها للمظاهرات الشعبية والتي كسرت توجهات النظام السوري الذي يحاول تخويف الأقليات الدينية من الأكثرية الشعبية.

فالنظام الذي حارب فدوى سليمان بكل وسائله السخيفة وللأخلاقية من نظام مستبد شمولي دكتاتوري، من خلال إجبار أهلها وذويها الذي تنكروا من ابنتهم وعدم الاعتراف بها بكونها غادرة مدينتها منذ 9 سنوات وهي تعيش لوحدها بعد طلاقها من زوجها، لقد نشر الأخبار الكاذبة عنها بأنها تمارس الرقص في بارات لبنان وتم تجنيدها من قبل حزب القوات اللبنانية وفيما بعد من تيار المستقبل بمبلغ 2500 دولارا شهريا، فدوى التي تبيع نفسها في الخليج العربي لأمراء النفط، فدوى الفاشلة في التمثيل وتبحث عن نجومية بعيدة عن نجومية نجدت انزور وجنرالات الموت السوري، كل ذلك لان فدوى سليمان هي من الطائفة العلوية التي يأسرها بشار الأسد، لقد خرجت فدى عن التقوقع الطائفي المذهبي وتخلت عن العائلة ولم تتخل عن الطائفة، فالمشكلة في سورية ليست مذهبية وطائفية، وإنما مشكلة شعب بكامله من كافة الطوائف، وأزمة نظام اختزل كل مكونات الحياة الاجتماعية والسياسية والحزبية والإعلامية، والدبلوماسية، في كفة فريق صغير يقود البلاد تحت حجج وأعذار وأوهام مختلفة جدا فالطائفية اليوم إحدى أعمدتها القوية.

لكن رد فدوى دائما مختلف على كل أفعال وأعمال النظام، فالفنانة التي خرجت بتاريخ 18 تشرين الثاني من خلال شاشة العربية لتقول للعالم بأسره بان وضعنا في سورية عامة وحمص خاصة خطير جدا وسيء جدا والعالم خذلنا، لقد أضربت فدوى عن الطعام في خميس الإضراب في 11 تشرين الثاني في اعتراضها الفعلي على تصرف نظام الأسد.

هي التي أعلنت بأن الحرية يجب دفع ثمنها لنيلها، هي التي هتفت في ميدان التحرير ضد نظام الأسد، هي التي تقود مسيرة تؤيد فيها قرارات الجامعة العربية، فدوى تسير في قلب المظاهرات وتعلن بأنها مع الثورة ضد بشار الأسد ولا يهمني لكوني مع المطالب العادلة للثورة السلمية لقد حددت برسالتها الصوتية “لا يمكن لأي شخص كان أن يطوع أو يهزم الثورة في سورية، وخاصة في عاصمتها حمص، ويوجد فيها نساء كل واحدة منهن بألف رجل يقفن مع الثورة ويعبرن عن رأيهن أمام الملأ دون خوف أو وجل”. هذا الموقف الذي أعلنته من قلب المظاهرة في البياضة بتاريخ 8 تشرين الثاني2011 في ما يحدث لي شخصيا، ليساهم ما يحدث للثوار السورين لان روحي ليست أفضل من حياتهم.

هي من استبق الإعلام السوري بتصريحها لوسائل الإعلام الفضائية العربية بقولها “عليكم جميعا بألا تتفاجئوا بحال مشاهدتي على قناة “الدنيا” الإخبارية التابعة للنظام وسماع اعترافات مني تم انتزاعها بالقوة فالنظام يلاحقني، ويحاول اعتقالي وقتلي، وأنا ملاحقة يوميا بسبب مواقفي وأي شيء يحدث لي النظام السوري الحالي هو المسؤول عن ذلك.

فدوى سليمان التي أطلقت صرخة حقيقية من قلب عاصمة الثورة السورية من حمص، مؤيدة الثورة السورية السلمية، ورفضها البقاء داخل منزلها لتتبع سير الإحداث الدموية في حمص وسائر المدن السورية، التي يرتكبها نظام بشار الأسد، بالرغم من شهاداتها الحية التي قدمتها الفنانة عن همجية نظام الأسد من خلال تعذيبه وبطشه للشعب السوري، وضد ثورته السلمية. لقد حملة فدوى المسؤولية الكاملة للنظام السوري وتعاملهم مع متظاهرين حمص البطلة والصامدة، معللة ذلك بأن الحرية الحمراء ثمنها غالي وعلى الجميع تسديد فاتورتها.

والملفت للنظر بان الفنانة فدوى سليمان نشطت في التظاهر منذ اليوم الأول واللحظة الأولى لاندلاع المظاهرات الشعبية السلمية السورية، لقد شاركت بالتظاهرات النسائية، وظهرت في بيوت العزاء الذي أقامها السوريين لشهداء الثورة، الذين سقطوا في منطقة الغابون في المنطقة الغربية من دمشق العاصمة، كما أعلنت نداء زراعة أشجار الزيتون تحية لأرواح الشهداء الذين سقطوا في الثورة السورية، منذ 21 آذار٢٠١١، وهي تسير في شوارع دمشق مع الثائرين والمنتفضين، هي التي شاركت بمظاهرة الفنانين في دمشق وتم اعتقال الكثير منهم، هي التي بدأت ثورتها من قلب العاصمة، هي طالبت مع زملائها الفنانين توقيع الكتاب الذي يطالب بفك الحصار عن درعا المحاصرة والذي عرف بكتاب الحليب، لكن الفنانة غابت عن الإعلام والأنظار بعد تعرضها للتهديدات العديدة وحتى من عائلتها، لكنها لم تأخذها بالاعتبار وظلت تمارس نشاطها الثوري.

فالفنانة السورية التي يحاول النظام تقزيم دورها الوطني وملاحقتها لكونها من إتباع المذهب النصيري، لإدخالها في فك الطائفية ولإبعاد عن طرحها الوطني والقومي وجرها في فلك الطائفية والمذهبية التي خرجت منها فدوى منذ زمن، هي التي تصر على متابعة الثورة السلمية والوطنية ضد نظام الأسد وليس ضد طائفة أو لصالح طائفة، هي التي تؤكد على الحفاظ على السلم الأهلي والتعايش الطبيعي بين مكونات سورية العروبة والوطنية، لا صراع بين الطوائف والمذاهب كما تقول فدوى الملتزمة بهذه الثورة السلمية.

لقد فشل النظام في تسويق نظريته وإقناع الفنانين والعلمانيين والمثقفين والإعلاميين الذين انخرطوا في هذه الثورة لأنهم لم يجدوا فيها ثورة الإرهاب والعصابات والسلفية والحراك الطائفي والمذهبي الذي وعد بها النظام البعثي القومي العربي.
فان وجود فدوى في الثورة وسمر يزبك ومحمد صالح العلي وسميح شقير وريما فليحان، ومنتهى الأطرش ومي سكاف، وأسماء كثيرة من إتباع الطوائف الشريكة في سورية يجعل حلم الأسد اقل بكثير بتخويف الأقليات الطائفية التي تعتبر الانتماء للأكثرية الكبيرة في بلد التعايش سورية، ليقول لكل الثوريين من إتباع الطوائف الأخرى نحن سوريون عرب أكثرية وطنية لان سورية تتسع للجميع.

فدوى التي تقول بان النظام مستعد لصنع أي أزمة وفتنة بين الشعب السوري لكي يبقى هو نفسه، ولكي يعطي لنفسه المبررات لبقائه، فان أهل حمص وأهل سورية لم يكونوا مع الخيارات العسكرية بتاتا ولم يكونوا يرغبون بإيصال سورية إلى هذه الحالة، لكن النظام هو الذي دفع بالإحداث إلى هذا المستوى وإيصال الوضع لهذه العالة السيئة.

بالطبع ان فدوى سليمان هي اليوم في خط الخطر وموقع الملاحقة الذي يقوم بها النظام الاسدي، لكن إيمانها وقوتها التي تستمدها من الشعب وثورته القادرتين على التغيير السلمي والذي يدفعونه هي ومن معها للاستمرار والصمود. لذلك ننوه بان حياة فدوى سليمان المعارضة بخطر جدي ويتحمل مسؤوليته النظام السوري نفسه.

ولابد من التذكير بقولها الحر في”انا لست بأحسن من الذين يخرجون بصدورهم العارية، ليعبروا عن رأيهم، هذا موقفي ولست خائفة، لا يمكن أن يصيبني إلا ما هو مكتوب لي، أنا مع الثوار ومطالب الشعب السوري، هذا هو إيماني وهذا الوقت المناسب لكي يعبر كل منا عن قناعته وموقفه دون تردد أو خوف، وانتمائي الوحيد هو لوطني سورية وليس لأي شيء آخر”.

إقرأ ايضا: أصالة نصري تتحدث عن سوريا: هي ثورة!

ونحن بدورنا نصرّ على أن نقول بأننا معك يا فدوى يا فنانة الثورة معك ومع حمص ومع سورية الشعب والثورة والأرض والتاريخ والمستقبل، لنعمل معا في أوسع حملة من اجل حماية فدوى ورفاقها وشعب حمص والشعب السوري.

السابق
رباعية نصرالله: لبنان تحت الوصاية الإيرانية والسورية والجيش ضعيف!
التالي
أردوغان يقيل مئات الموظفين