داعش في الجرود: قصص وصور خاصة

كشفت معارك جرود رأس بعلبك والقاع اللثام عن بعض أفراد مجموعة تابعة لتنظيم داعش، وأبرزهم القيادي السابق المفصول من التنظيم أحمد وحيد العبد (سوري الجنسية) المعروف بأبي البراء الجراجيري. وإذ أثارت صور المنتمين إلى التنظيم الشكوك في أوساط المعارضين لحزب الله، عززت حافز السؤال عن هوية هؤلاء وكيف كانوا منعزلين عن الإعلام وتسريباته المتعلقة بأخبار العسكريين الأسرى لديهم، الذين خطفوا منذ نحو 3 سنوات.

وعلى عكس طريقة جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً)، لم يظهر أي خبر يتعلق بهؤلاء أو يكشف عنهم، ما خلا أبا بكر الرقّاوي الذي فبرك قصة مقتله بعد تصويره من قبل قريبه ووضع دبس البندورة على أنحاء من جسمه للايحاء بأنها دماء، وانتشرت صوره على بعض المواقع الإخبارية المحلية.

الغموض الذي كان يظلل أفراد التنظيم كان يهدف إلى إشعار أعدائه بأنهم قوة لا تُخترق وغير قابلة للتضعضع، في حين أنَّ حقيقة هؤلاء تتعرّى في الوقائع التالية.

الحقيقة أنَّ نواة هذه المجموعة كانت تابعةً لكتائب الفاروق المستقلة، بقيادة موفق أبو السوس وأبي أحمد جمعة وعضوية أبي طلال الحمد وأبي عبد السلام السوري. وهؤلاء كانوا قد بايعوا التنظيم قبل اعتقال جمعة بأسبوعين في عرسال. ما أدّى إلى المعركة الشهيرة التي قتل خلالها أبو حسن المكنّى بالفلسطيني (وهو لبناني الجنسية)، وهو أول أمير للتنظيم هناك. فتسلّم زمام الإمارة أبو عبد السلام. أما أبو طلال فكان المسؤول عن ملف العسكريين الأسرى الذين أختُطِفوا الساعة الخامسة والربع من بعد ظهر السبت في 2 آب 2014.

اقرأ أيضاً: المتحدث باسم قيادة الجيش: لا تنسيق مع حزب الله والجيش السوري

لم تنل أوراق اعتماد هذه المجموعة لدى القيادة المركزية في الرقة القبول، إلا بعد إثبات نفسها بأنها أسرت 9 جنود تابعين للجيش اللبناني. فكان القرار بإرسال قياديين مختلفين عن راكبي الموجة من المهرّبين وقطّاع الطرق.

وفي المرحلة الانتقالية عُزِل الحمد وأبو عبد السلام وتسلّم أبو أسامة البانياسي وأبو الهدى التلّي إمارة قاطع القلمون، ليقتل البانياسي فيما بعد نتيجة الخلافات التي كانت تشوب التنظيم ويتسلّم أبو الهدى دفة القيادة.

ثلاثة قياديين وصلوا إلى قاطع القلمون بعد أقل من شهر، وهم أبو بلقيس العدناني (عراقي الجنسية) وأبو الزبير السعودي وأبو الوليد المقدسي (فلسطيني).

ومع مجيء هؤلاء “الجزّارين”، كما يُطلق عليهم في أوساط العناصر، اتخذ التنظيم في الجرود صفة “الشرعية” وأصبح تابعاً للرقّة، لكن مع انتزاع صلاحيات التصرّف أو التصريح بشأن العسكريين اللبنانيين الذين أصبح أمر التفاوض بشأنهم متعلقاً بالقيادة المركزية لعاصمة “الدولة الإسلامية”.

تطورٌ أعاد ملف التفاوض إلى نقطة الصفر، رغم محاولات عديدة من شخصيات قريبة من التنظيم لإحداث ثغرة في جدار العناد الممزوج بمرواغة بعض العناصر، الذين كانوا يدَّعون امتلاك معلومات أو تقديم اقتراح على القيادة. وبما أنّ نار الخلافات لم تكن قد انطفأت في مرحلتي الامارتين السابقتين، بل وضعت تحت رماد القمع الآتي من الرقة، فإنها ظهرت مجدداً بين المقدسي، “الأمير الشرعي”، ومسؤول الأمن أبي الزبير المدعوم من الأمير أبي بلقيس، وتطورت المشكلات على خلفية “التزام الشرع من عدمه” في تطبيق الحكم، ثم إلى مقتل المقدسي، الذي كان ينتقد الأمير في محاضراته وتدريسه العناصر، وإصابة زوجته بجروح نقلت على اثرها إلى الرقة.

وخلال هذا الخلاف الدامي، ترددت معلومات غير مؤكدة أن أبو الزبير السعودي أصدار قبل سنة ونصف أمر قتل العسكريين في زنازينهم. وتروي مصادر من داخل التنظيم أنَّ القرار جاء بغطاءٍ قيادي، تفادياً لإحداث انشقاق في صفّ التنظيم المضعضع أصلاً.

وفيما وصلت أصداء هذا القرار عبر أبو البراء إلى بعض أسر العسكريين المخطوفين، جرى التحفظ على نشره وتصديقه أملاً بأن يكون كاذباً. وأبو البراء نفسه كان قد أوصل معلومات بمكان دفن العسكريين الواقع في آخر وادي الدب، مرجّحاً أن يكون عددٌ من السجناء الموجودين في رومية، والتابعين إلى التنظيم، على بيّنة من مكان الدفن ومن بينهم أبو هريرة اللبناني، وهو عمر الميقاتي.

بعد ستة أشهر من ذاك القرار، وفق المعلومات غير المؤكدة، أستُدعي أبو بلقيس إلى الموصل وقتل هناك. كذلك، طلبت القيادة من أبو الزبير العودة إلى الرقة. وهكذا حصل.

بقي التنظيم شاغراً من منصب الأمير، لكنه مُلِئ بمجلس شورى مؤلف من أربعة أشخاص، هم أبو البراء، أبو محروس ، أبو محمد السوري (وهو موفق أبو السوس)، وأبو محمد الأمين، الذي ظهر في صور الإعلام الحربي مبتسماً لعناصر حزب الله، بعدما قال “خلص خلصت”.

وقد استمرَّ التنظيم بلا رأس مدة 3 أشهر ونصف، حتى قررت القيادة القبول بموفق أبو السوس أميراً، إلا أنَّ الرجل لم يحقق شيئاً من “مكاسب النفط” التي كان يحلم بها منذ أن بايع البغدادي. فتوقفت الرواتب المرسلة منذ سبعة أشهر ورُفِض طلبُ نقله إلى “عاصمة الخلافة”، تزامناً مع إطباق الحصار على التنظيم من جبهة أبي مالك سابقاً ومن الحزب حالياً. كذلك حوصر من الجيشين السوري واللبناني في الحدود المشتركة.

اقرأ أيضاً: عن الجيش وداعش وإنتاج الإعلام الحربي

هكذا، عاد فيلم التنظيم إلى المشهد الأول الذي انطلق منه الممثلون فيه، والذين تبيّن بالدليل الحسّي أنهم ليسوا من أبناء الجلدة العقائدية العضوية لفكر “الدولة الإسلامية”، بل ممن ركبوا موجة للحفاظ على مورد التهريب فغرقوا في المعارك التي خيضَ أكثرها مع جبهة فتح الشام ولم توفّر سرايا أهل الشام (ما تبّقى من الجيش الحر في الجرود)، فضلاً عن الجيش.

والمشهد ما قبل الأخير من الفيلم تظهَّر خلال تسليم أبرز العناصر أنفسهم إلى حزب الله في الجانب السوريّ، من دون أن يكون للنهاية نكهة حماسية كتفجير المنتمين إلى التنظيم أنفسهم خشية الوقوع في الأسر أو المقاومة حتى نفاذ الذخيرة، بل بكل بساطة ترك “الدواعش المزيفون” مواقعهم ونزلوا إلى أماكن سيطرة الحزب بعد أخذ الضمانات منه بالأمان. أما كيف حصل التواصل بين هؤلاء و”عدوهم الرافضي”، فلن يكشف عن الاجابة إلا من غاص في شكل العلاقة بين الطرفين وأدرك أنّ عدد المعارك بينهما لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.

السابق
العرس بموناكو والرقص عَ «الجديد»
التالي
مساعد وزير الخارجية الايراني في بيروت