الطبابة في لبنان و دكاكين «بتر الأطراف»: عن بياطرة الطب البشري نتحدث!

لا يفكر والدي في مقاضاة الطبيب، ربما لأننا في جمهورية الموز، وربما لأن العقاب فقط يسقط على الضعفاء!

“ما تقطعلي اجري.. ما تقطعلي اجري”، على هذا الصراخ استيقظت ليل أمس بينما كنت أقضي الليلة برفقة والدي الذي يمكث في المستشفى منذ ما يقارب العشرين يوماً، ركضت إليه وأيقظته من كابوسه، من حالة الهلع والخوف التي ألمت له ليقول لي “قصولي اجري”.
هنا كشفت له مسرعة عن قدميه ليتأكد أنّهما في مكانهما وأنّه ما من عطب قد حل، وما إن تمالك نفسه قليلاً حتى قال لي رأيت الدكتور “فلان الفلاني” في الحلم وكان يقول لي أنّه سيقطع قدمايَ انتقاماً  مني لأني تركته وأكملت علاجي عند طبيب آخر.

هذا الكابوس الذي يتكرر لدى والدي لم يأتِ من فراغ، ولا هو مجرد حالة لا وعي، وإنّما انطلاقاً مما عانى معه مع الدكتور الذي أشرف على علاجه منذ بداية العام الحالي.
فوالدي الذي أصيب مؤخراً بالتهابات خبيثة في إصبع قدمه اليسرى قرر مع بداية العام الجديد استشارة طبيب ثانٍ فيما يتعلق بحالته وذلك استجابة لنصحية “لعينة” لاسيما وأنّ العلاج قد طال والملل قد بدأ يؤرقه، إلا أنّه لم يعلم أنّ الذي قصده للاستشارة جزاراً وليس طبيباً!
فالإهمال الذي منع الطبيب الجديد الذي بات لديه ملف والدي، من متابعة إصبعه عن كثب جعله يقول له “ابقَ في البيت وحينما يتحوّل لونه إلى الأسود تعالَ لأبتره”، لم يتوقف والدي عند هذه النقطة لاسيما وأنّه قد سبق له وبتر اصبعين من قدمه اليمنى دون أيّ مضاعفات.
إلا أنّ ما صحّ عند الدكتور المشرف سابقاً على حالته، لم يصح عند الدكتور الذي قصده حديثاً.
الإصبع تحول لونه بالفعل إلى الأسود والالتهابات امتدت إلى كمال القدم فكان البتر دون اي علاج، لتؤدي غوغائية الدكتور الذي ترّفع عن المتابعة إلا عبر الصور الواتسأبية إلى بتر 3 أصابع ملتهبة وإلى شق القدم عند الكاحل وتكويرها بشكل فظيع تحت ذريعة “سحب الالتهابات”، وكلّ ذلك في مدة زمنية وجيزة.

اقرأ أيضاً: فضائح إدارية ومالية داخل مستشفى راغب حرب

القدم التي تحوّلت حتى الركبة إلى اللون لم تعد تستحمل صبراً على طبيب لا يحضر إلا ليقطع الأطراف، فكانت العودة إلى الدكتور الذي كان يتولى العلاج والذي أعرب في حينها عن صدمته وعن خطر يتربص بالساق بأكملها دون أن يخفي علينا انتشار “الغرغرينا”.
صدمة الدكتور لم نستغربها وهو الذي تولى معالجة يسراه والتي لم يحدث فيها البتر تشوهاً يذكر ولم يؤدِ كذلك إلى التهابات كما لم يهدد لا قدمه ولا ساقه، أما الذي وضعناه أمامه من نتائج الدكتور “الجزار” فكان ساقاً ميتة.

استطاع الدكتور أن يبعد الخطر عن الساق حتى الركبة إلا انه اضطر لبتر الإصبعين ليخسر والدي بذلك أصابعه كافة، كما اضطر أيضاً لقطع جزء من الكاحل ومن أسفل القدم، في رحلة علاج طويلة امتدت لثلاثة اشهر وما زالت حتى اللحظة، فيما الالتهابات قيد العلاج على أمل أن نتنهي منها.

اقرأ أيضاً: عقود بملايين الليرات لمن خرّب مستشفى صيدا الحكومي

والدي ما زال يعاني، فيما الدكتور الذي تسبب بهذا التدهور ما زال بين اروقة المستشفيات يعالج المرضى وما زال هناك ضحايا يسقطون لإهماله، وما زال حاضراً أيضاً في مخيلة، والدي كابوساً يهدده ببتر الساقين!

يبقى أنّ طبابتنا تحتاج لإعادة تقويم، وأن الطب في لبنان تحوّل من مهنة سامية إلى دكانة يديرها تجار البشر.. إلاّ ما رحم ربي!

السابق
لبنانيتان في لائحة أجمل نساء القرن!
التالي
الشيخ العاملي : هذا العهد قد جمع كل مساوئ العهود