اللجوء السوري وخصومات لبنانية مُسْتَطْرَدة.. ندوة بتوقيع أمم للتوثيق والأبحاث

اللجوء السوري ندوة
تحت عنوان «اللجوء السوري وخصومات لبنانية مُستطردة» نظَّمت أمم للتوثيق والأبحاث في فندق ريفييرا ندوة هي الثالثة من سلسلة ندوات تنعقد في إطار مشروع توثيقي/بحثي أوسع مداره على استجابات لبنان واللبنانيين، جماعات ومؤسسات، لموجات اللجوء التي شهدها لبنان منذ نشأته كدولة في أعقاب الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم.

باسم أمم للتوثيق والأبحاث قدم لقمان سليم للندوة فاعتبر أن ما ينقسمه اللبنانيون على أنفسهم في مسألة «اللجوءِ السّوري»، كما في سواها من المسائل ذاتِ الصِّلَةِ بهذا «اللجوء»، وفي الطَّليعة مِنْها دَوْرُ المؤسَّسَةِ العسكريَّةِ في المشاركة في تَدَبُّرِ هذا الاسْتِحْقاق، وما يَتَوَسَّلونَ بِهِ للتَّعْبيرِ عن انْقِسامِهِم هذا مِنْ مُفرداتٍ ومِنْ مفاهيمَ ومِنْ عُنْفٍ لفظيٍّ، يُؤكّد أنَّ ما سَبَقَ وشَجَرَ بَيْنَهُم لِعقودٍ خَلَتْ مِنْ شِجارٍ كان مَوضوعُهُ اللجوءُ الفلسطينيُّ لَمْ يُفَضَّ بَعْدُ ملاحظاً بأن تبدل الأدوار وتبدل التحالفات في مسألةِ اللجوءِ السوريّ لا يقلل في شيء من أنهم يكررون، على نَحْوٍ ما، شِيْئًا سَبَقَ لَهُم أنْ خاضوا فيه. ولأنَّه كذلك، فلا بأسَ، وَلَوْ على سَبيلِ السَّذاجَةِ الطَّوْعِيَّةِ، من اتِّخاذِ الانْقِسامِ الجاري مُناسَبَةً للتَّأمُّلِ في هذا التكرار، وفي محل اللجوء من خصومات اللبنانيين.

اقرأ أيضاً: «اللجوء السوري» بين الخطر الديموغرافي والانقسام السياسي

توزعت الندوة على جلستين اثنتين. أما الأولى فوضعت تحت عنوان: «اللجوء السوري: عن تغريبة ناقصة وملجأ موصد واحتراب مقيم» تحدث خلالها كل من الدكتورة منى فياض، والدكتور مكرم رباح والكاتب والصحافي شادي علاء الدين.

الدكتورة منى فياض رأت أن هناك «توجهين غالبين في الندوات والورش والمؤتمرات التي تعقد لمعالجة مشكلة النزوح: أحدهما يحمّل النزوح مجمل المشكلات التي يعانيها لبنان، من عجز وتدهور على مستوى البنية التحتية والخدمات من ماء وكهرباء وأزمة سير وبطالة وغيرها؛ مقابل توجه آخر يرى ان فوائد النزوح السوري تفوق كلفته على البنية» وما يشترك فيه هذا التوجهان هو تناسيهما للأسباب التي أدت إلى مشكلة التهجير هذه. بعد هذا المدخل عرضت فياض لمسألة الاكتظاظ وما تؤدي إليه من سلوكات عنيفة معتبرة أنه يجب عدم التسرع في إطلاق صفة «عنصرية»، بالمعتى القيمي للكلمة، على ظواهر وممارسات باتت تحت حد العلم الاجتماعي والتحليل الإحصائي.

أما الدكتور مكرم رباح فعاد إلى فكرة لبنان الملجأ معتبراً أنها إحدى الأساطير اللبنانية الأصلب التي لم تنجح في ثني اللبنانيين عن الاستمرار في التصديق بها كل الأعمال التاريخية التي تبرهن بأن لبنان لم يكن في أي وقت من الأوقات خارج السيطرة المركزية لأن موقعه لم يكن يشكل على خلاف السائد أي أهمية عسكرية وسياسية. انطلاقاً من هذه المقدمة اعتبر رباح أن التعامل اللبناني مع أزمة اللجوء السوري إنما يظهر، مجدداً، الصراع بين الهويات اللبنانية، وهو صراع ينتهي غالباً بأن يغذي التسلط الأحادي لفئة من اللبنانيين معمقاً بذلك أسباب الانقسام بينهم.

شادي علاء الدين اختار لمداخلته العود على ما كان آخر حزيران الماضي من موت غامض لعدد من السوريين الذين كانوا في قبضة الجيش اللبناني. وإذ لم يصدر حتى السلعة ما ينفي فرضية أن هؤلاء اللاجئين السوريين قضوا تحت التعذيب، وإذ يبدو من المرجح ألا يصدر ما يكذب هذه الفرضية، يذهب علاء الدين إلى أن هذه الوقائع جميعاً، الموت فالتعثر في بيان أسبابه، ليست بالحدث العابر بل يمكن اعتبارها لحظة من لحظات التأسيس للبنان في نسخته الجديدة كبلد تُسْتَمَدُّ الشرعية فيه من مزيج من العنف العاري ومن التهليل لوطنية صنمية. ومما ذهب إليه علاء الدين أن انعقاد ما يشبه الإجماع على التطفيف مما كان هو ما يضفي على هذا الحدث الطابع المؤسس الذي تتناسل منه مواقف وسياقات لا ضابط أخلاقياً لها.

«اللجوء السّوري: الإنكار، المخاوف الديموغرافية و«الهواجس الأقَلّيَّة» هو العنوان الذي وضعت تحته الجلسة الثانية التي تحدث خلالها كل من المحامية لارا سعادة والصحافي ثائر غندور.

أدارت سعادة مداخلتها على جملة من الاقتراحات الآيلة إلى احتواء أزمة اللجوء والتخفيف من حدتها، كما فصلت عدداً من الأفكار التي من شأنها توفير مخارج لما تتسبب به هذه الأزمة من ضغوط اقتصادية واجتماعية. أما الصحافي ثائر غندور فتوقف مطولاً عند الاستعمالات السياسية للأرقام الخاصة باللجوء السوري مبيناً كيف أن هذه الأرقام، لا سيما تلك التي تبالغ في تصوير أكلاف اللجوء السوري، تحل محل «الرأي السياسي». وإذ لاحظ غندور أن هذه الأرقام تخفي في معظم الأحيان رغبة مُستعمليها في تحاشي الإقرار بالمسؤولية اللبنانية عن اللجوء السوري، سواء المسؤولية المباشرة أو المسؤولية بالإذعان، لاحظ أيضاً أن تحول الصراع في سوريا إلى صراع دولي، بكل ما للكلمة من معنى، يهمش الاعتبارات والهواجس اللبنانية ذات الصلة بموضوع اللجوء.

تلا كل من الجلستين نقاشات مستفيضة، لم تخل من حدة، شارك فيها الحاضرون الذين عبروا، رغم اختلاف آرائهم، عن أهمية مقاربة مسألة اللجوء كاستحقاق وطني لبناني وليس كاستحقاق أمني أو إغاثي فقط، وأهمية متابعة النقاش فيه. يذكر أن مشروع «على الرحب والسعة؟ ــ لبنان في لاجئيه» الذي تنفذه أمم للتوثيق والأبحاث ممول من معهد العلاقات الخارجية (إيفا) التابع لوزارة الخارجية الألمانية.

السابق
«داعش» وحيدا في العراء بانتظار هجوم الجيش اللبناني
التالي
المدعية العامة الدولية تستقيل… والأسد يفلت من العقاب