كبتاجون حزب الله في السعودية.. هكذا تم تهريب 11 طناً من مخدر «أبو هلالين» إلى أرض الحرمين

بدين بنظرات بالية يقود سيارة يعلوها الصدأ، قدم نفسه ببساطة قائلاً “أنا تاجر مخدرات سابق، وما زلت أشرف على عمليات بيع المخدرات، وأنا أصيل (محافظة) البقاع” اللبنانية التي يهيمن عليها حزب الله.

هكذا قدم الدليل اللبناني نفسه لمراسلي صحيفة “تسايت” الألمانية قبل أن يقودهم إلى مكان تنتشر فيه منازل تحت الإنشاء ومساجد غير منمقة بعد، فضلاً عن رايات حزب الله، ويصطحبهم إلى بيته، حيث قدمت زوجته لهم القهوة وبعض الحلويات.

مراسلا الصحيفة لجأا إلى دليلهما الذي قدم نفسه باسم “حسن” بهدف تتبع أثر مادة الكبتاجون المخدرة التي تتميز بلونيها الأصفر والأبيض وتنتشر تجارتها في وسوريا ولبنان، وتعد المملكة العربية السعودية أكبر أسواقها.

وتختلف هذه المادة عن الحشيش المشهور في لبنان والكوكايين أو الإكستاسي المنتشر في مختلف الملاهي الليلية اللبنانية.

اقرأ أيضاً: الجيش الإسرائيلي يواجه حزب الله عبر منشأت وهميّة

“هتلر القاتل” يتعاطاه التلاميذ وربات البيوت

كان حسن يحمل في يديه كيساً بلاستيكياً مليئاً بحبوب الكبتاجون، في حين كان يطارد ابنه البالغ من العمر سنتين الذي كان يحمل بعض المثلجات. وفي هذا السياق، قال لنا حسن: “من الجيد أنكم هنا. في الواقع، إن هذا المنتج ألماني واخترعه هتلر، لذلك يطلق عليه البعض اسم مخدر هتلر القاتل”.

وفي سياق متصل، نفى التاجر اللبناني الادعاءات التي تفيد أن مقاتلي تنظيم الدولة مدمنون على استهلاك هذه المادة، بعكس ما نشرته صحف غربية غرار “نيوزويك” “وفوكس”.

وتجدر الإشارة إلى أن هذه المادة منشطة، كما أنها تقضي على القلق والتعب، فضلاً عن أنها تساعد على التركيز. من جهة أخرى، يستهلك الشباب وسائقو الشاحنات الثقيلة والتلاميذ وربات البيوت، على حد السواء، هذه المادة، علماً وأن مستهلك هذه المادة قد يدمن سريعاً على تعاطيها، مما يعرض حياته للخطر في صورة تناوله لجرعة زائدة، بحسب تقرير الصحيفة الألمانية الخميس 10 أغسطس/آب 2017.

ومنذ اندلاع الحرب السورية، انخرط في تهريب هذه المادة كل من قوات المعارضة والنظام، حيث تعتبر مصدراً للعملة الصعبة، بحسب قناة “بي بي سي” التي نشرت في خريف سنة 2015، أن الجيش الحر باع كميات كبيرة من مادة الكبتاجون ليوزع أرباحها فيما بعد على مقاتليه. فضلاً عن تورط شخصيات نافذة في النظام وقيادات من حزب الله في هذه التجارة.

وفي محافظة البقاع، وعلى امتداد أجيال، تسيطر عدة عائلات على زراعة الحشيش، في حين ظهرت خلال العقد السابق تجارة الكبتاجون. ومنذ أربع سنوات، لاحظ العديد من الخبراء لدى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ازدهار زراعة هذه المادة في سوريا.

يستخدمون آلة صنع حلويات لإنتاجها وانتشرت كالسجائر

وخلال جلستهما مع “حسن” (اسم مستعار) قدم شاب يقود سيارة. وفجأة، همهم حسن قائلاً: “احذروا، إنه ينتمي إلى حزب الله”. وفي الأثناء، ألقى حسن التحية على هذا الشاب بحرارة وهو يدندن أنشودة من أناشيد حزب الله.
وبعد مغادرة الشاب المكان، واصل حسن حديثه بشأن تجارة مادة الكبتاجون قائلاً: “لإنتاج مادة الكبتاجون، تحتاج إلى آلة صنع حلويات صينية يبلغ ثمنها أقل من 2000 دولار. كما يمكنك شراء المواد اللازمة لإنتاج الكبتاجون بصفة قانونية من الصيدليات على غرار كل أنواع الأمفيتامين والكافيين والخميرة، فضلاً عن اللاكتوز والفياغرا”.

وتبلغ تكاليف إنتاج هذه الحبوب المخدرة بعض السنتيمات للحبة الواحدة. ومن ثم تتم تعبئة هذه الحبوب وتوزع في الأسواق تحت أسماء متعددة على غرار، “تايجر” “ومازيراتي” “ورونالدو” ليتم تهريبها فيما بعد عبر مسالك معينة. وفي النهاية، يدفع المستهلك قرابة 20 دولاراً للحبة الواحدة.

إيران تدعم حزب الله بآلات صناعته وفتوى تبيح بيعه لغير الشيعة

في الحقيقة، كان حسن محقاً بشأن جذور حبوب الكبتاجون، إذ أن هذه المادة ألمانية الصنع، لكنها لا تعود إلى العهد النازي بل إلى فترة المعجزة الاقتصادية الألمانية.

ففي مطلع الستينيات، تمكن “مجمع ديغوسا” الكيميائي من تسجيل براءة اختراع مادة الفينيثايلين، ليتم ترويجها في الأسواق على اعتبارها دواء لمعالجة أمراض اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط والنوم القهري والاضطراب الاكتئابي، تحت مسمى “الكبتاجون”.

وفي مطلع الثمانينيات، منعت هذه المادة في الولايات المتحدة الأميركية وفي أوروبا، مما جعلها محور اهتمام مختلف الشبكات الإجرامية.

وعلى العموم، تحتوي بعض كميات حبوب الكبتاجون على مادة الفينيثايلين، كما تمت إضافة مادة الأمفيتامين في بعض الجرعات القوية. وفي سنة 2006، أغلقت السلطات البلغارية والتركية بعض مصانع إنتاج الكبتاجون. وفي الوقت نفسه، ظهرت مصانع جديدة لإنتاج هذه الحبوب في لبنان.

وفي صائفة سنة 2006، خاض حزب الله حرباً مع إسرائيل دامت أربعة أسابيع وأسفرت عن تدمير مختلف الأحياء السكنية الشيعية نتيجة الغارات الجوية الإسرائيلية. وبحسب صحيفة الشرق الأوسط فإن الحرس الثوري الإيراني جلب العديد من آلات إنتاج الكبتاجون بهدف توفير الموارد المالية الضرورية لصالح حليفه حزب الله. وفي الوقت نفسه، صدرت فتوى تبيح إنتاج وبيع الكبتاجون لغير الشيعة.

من لبنان إلى تركيا.. “الفراولة” منافس أرخص

وفي مدينة كيليس التركية، التي تقع على بعد بضع كيلومترات من الحدود السورية، التقى المراسلان رجل ممتلئ الجسم، يبلغ من العمر 38 سنة و يلقب”بالصقر”، في بيت يتكون من طابقين. يرتدي ساعة باهظة الثمن من طراز “رادو”. وكان يمتلك سيارتين من نوع “أودي””وبي إم دبليو”، تم الاحتفاظ بهما في مدخل الحديقة. وعند دخولنا إلى منزله، أخبرنا الصقر، “يمكنني أن أدير أعمالي انطلاقاً من بيتي”. وفي الأثناء، سمعنا رنين ثلاثة هواتف جوالة في الآن ذاته.

خلال السنة الماضية، كان “الصقر” مجرد تاجر سيارات في مدينة الرقة السورية، ثم وعده أحد حرفائه بأنه سيتمكن من تحقيق عائدات مالية ضخمة في مجال تجارة المخدرات. ومنذ ذلك الوقت، استقر الصقر في تركيا وأصبح يبيع الكبتاجون.

يقول “في البداية لم أكن أعلم الكثير عن تجارة المخدرات، لكنني علمت أنه يمكنني أن أجني الكثير من الأموال عن طريقها”. وأردف الصقر أنه “قبل اندلاع الحرب الأهلية السورية، لم أكن أعتقد أن سوريا تضم العديد من مستهلكي المخدرات، ولكن أصبح الكبتاجون، في الوقت الراهن، منتشراً تماماً مثل السجائر”.

من جهته، لم يصنف مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة سوريا سوقاً لتجارة المخدرات، بل على اعتبارها دولة عبور. في المقابل، أدت الحرب إلى ظهور حرفاء جدد، وهم المقاتلون والمدنيون الذين يستهلكون الأمفيتامينات للتخلص من الإرهاق والصدمات النفسية والاكتئاب.

وبالتزامن انتشر في سوريا مخدر جديد يسمى “فراولة”، ويبلغ ثمن الحبة الواحدة منه 7 دولارات، وذلك نظراً لأن الأهالي لا يقدرون على مجاراة أسعار السوق السوداء الخاصة بالكبتاجون.

حزب الله

رحلة “هتلر القاتل” إلى السعودية.. أكبر سوق

وبحسب الصحيفة الألمانية، يتموقع أكبر سوق لتجارة الكبتاجون في الخليج وبالتحديد في المملكة العربية السعودية. ووفقاً لتقرير المخدرات الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تم تهريب 11 ألف طن من مادة الكبتاجون إلى السعودية.

ويشرح الصقر رحلة تهريب المخدر المعروف في السعودية باسم “أبو هلالين” قائلاً “الحبوب التي أبيعها مصدرها حزب الله اللبناني والمخابر المنتشرة على طول الحدود السورية التركية”.

وللتنسيق مع حزب الله، اتصل الصقر بوسيط ومن ثم تم نقل البضاعة إلى سوريا في حاويات الخضروات.

ولنقل حمولة تزن قرابة 4 كيلو من حبوب الكبتاجون من سوريا إلى تركيا، يدفع الصقر حوالي 10 آلاف دولار لجبهة أحرار الشام.

وفور وصول البضاعة إلى تركيا، يقوم الصقر بنقلها إلى ميناء مرسين، حيث يتم تهريبها إلى المملكة العربية السعودية على متن سفن الشحن.

يقول “يتم إخفاء الحبوب في بطاريات السيارات، بينما يقوم مهربون آخرون بإخفائها في صناديق العسل أو في تنكات مملوءة بزيت الزيتون. في الوقت ذاته، يبادر تجار آخرون بنقل المخدرات على متن الطائرة إلى السودان ثم يرسلونها إلى المملكة العربية السعودية على متن السفن”.

وفي سياق ذي صلة، تمر طرق تهريب أخرى عبر غرب أوروبا. وفي وقت سابق، حجزت السلطات الفرنسية حمولة تحتوي على 750 ألف حبة كبتاجون قادمة من لبنان في مطار شارل ديغول في باريس، علماً وأن هذه الحمولة كانت في طريقها إلى المملكة العربية السعودية مروراً بالجمهورية التشيكية وتركيا.

اقرأ أيضاً: معالجة النفايات الطبية في صيدا مستمرة

ويعتبر الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة من أكبر مستهلكي هذه المادة المخدرة، خاصة في مدينتي جدة والرياض.

والمفارقة أن المملكة السعودية تدعم قوات المعارضة في حربها ضد النظام السوري وحليفيه إيران وحزب الله، في حين يملأ مستهلكو الكبتاجون من الشباب السعودي خزائن ألد أعداء الرياض.

ومن المثير للاهتمام أن تجار المخدرات في السعودية يعاقبون بتنفيذ حكم الإعدام في حقهم. وقد تم بالفعل إعدام العديد من تجار الكبتاجون. ولكن في خريف سنة 2015، بادرت الشرطة اللبنانية بتفتيش طائرة خاصة لأمير سعودي قبل إقلاعها إلى الرياض في مطار بيروت، لتعثر على طنين من مادة الكبتاجون، مما أثار حفيظة الصحافة اللبنانية التي نددت بالواقعة، فيما ظلت هوية الأمير، صاحب هذه الكمية الهائلة من الكبتاجون مجهولة.

السابق
مصادر القوات: فجع جبران باسيل سبب كل الأزمات
التالي
نفط وغاز.. حُلمٌ ونعمة أم كابوس ونقمة في بلاد الأرز؟