معركة الجرود: فصل من مناقصة في مشهد إقليمي كبير

معركة الجرود في سياقها الإقليمي - الداخلي.

انتهى الفصل الأوّل من معركة الجرود، وبين الإعداد للعملية، واختتامها، رحلة متعرجة  أُدخل اللبنانيون خلالها في دائرة محددة، طوّقت مشاهداتهم و تساؤلاتهم، لكن من المؤكد، أنّ اللبنانيين  فكروا بصوت عالٍ، وطرحوا تساؤلات، محاولين فك ألغاز القطب المخفية التي أحاطت بالعملية، توقيتاً، واشتباكاً عسكرياً، وأهدافاً سياسية، وعلاقة بتطورات المنطقة  .
تصعب رؤية العملية بمعزل عن سياقها الإقليمي، لم يرد لها أن ترمي بظلها على توازن القوى الداخلي فحسب، بل ان وظيفتها كانت مركبة،  مع التشديد هنا، انها حصلت لاسباب معظمها اقليمي، ولمصلحة اجندة اقليمية، مهما قيل فيها، وفي أولوية اهدافها اللبنانية، التي لاشك في بعض جوانبها الإيجابية، المتمثلة في تحرير ارض لبنانية من براثن مجموعة ارهابية، عبثت ما استطاعت، قتلا للبنانيين، وسلسلة تفجيرات في الداخل اللبناني  ..
يصعب فصل الحدث عن سياق سياسي ، حدد ملا محه الاتفاق الاميركي الروسي، الذي رسم خريطة توزع القوى في سوريا،   كمارسمت ملامحه المنازلة الأميركية الإيرانية والتي تدور في إطارها أزمة النفوذ والمصالح والأدوار الإقليمية .
في امتداد الاتفاق الاميركي الروسي، بدا اتجاه التطورات، غير مؤات لطهران، فمن أبعاد إيران عن الجنوب السوري، إلى ابقائها بعيدة عن المشاركة في الرقابة على منطقة خفض التصعيد في الغوطة الشرقية،  فضلا عن ذلك،  فإن موسكو لوحت للاميركيين بموافقتها على أبعاد اي دور لطهران، في مراقبة مراقبة مناطق خفض التصعيد التي ستتسع إلى البادية، وشمال حمص، فضلا عن حي جوبر ومطار دمشق الدولي .
هذا الواقع المستجد حصر النفوذ الإيراني في وسط سوريا حول دمشق وأجزاء من حمص والقلمون الغربي
وغني عن القول ان إيران، تستمر في إدارة علاقاتها بأمريكا وروسيا وسائر القوى الإقليمية المعنية بالوضع السوري، وفق سياسة مركبة، تقوم من ناحية، على الاستمرار في المفاوضات، ومن ناحية ثانية، على الاستمرار في فتح الجبهات، ومن بوابات مختلفة، وباشكال متعددة، في هذا السياق بادرت طهران إلى الإمساك بقوة بمناطق سيطرتها المتبقية ،وفتحت عبر حزب الله معركة جرود عرسال بهدف انهاء الحالة الوحيدة، الخارجة عن السيطرة الإيرانية السورية على الحدود اللبنانية السورية، وبعيدا عن التضخيم الإعلامي الهائل الذي واكب العملية، والذي وضع سائر القوى التي لا تتوافق سياستها مع  سياسة حزب الله المحلية امام احد خيارين وو وجدت نفسها عالقة، أمام هذا الواقع، بين تأييد حزب الله، او تأييد القوى الإرهابية، هذه المعركة  شكلت بمجرياتها،  غطاء لمفاوضات أنجزت تفاهما بين حزب الله والنصرة هو ترجمة لتوافق مصالح بين طهران والدوحة
ومن الواضح أن أبرز أهداف إيران وتاليا حزب الله من هذه العملية، تتمثل أولا في تقديم نفسها، شريكة للمجتمع الدولي في محاربة الإرهاب، وهو ما يناقض التصريحات التصعيدية التي تتهم ايران بانها منشا الارهاب ومصدره، فضلا عن هدفها في انها لا تزال شريكا، في اي تسوية سورية لاحقة، على قاعدة انها تمسك بمفاصل اساسية على الجغرافيا السورية التي تحولت الى مسرح جاهز للاستخدام والتوظيف طمعا في الاعتراف بها طرفا اساسيا لا تتم اي تسوية من دونها.

إقرأ أيضاً: بين عيد الجيش وتحرير الجرود من «داعش»!

إلى هذه المعطيات،  فإن أي مراقب لمجريات المعركة، لا بد ان يلاحظ، ان ثمة تركيزا قبل المعركة، وخلالها، وبعدها، يبرز بقوة غير مسبوقة، يهدف إلى تطبيع  التنسيق امنيا  وسياسيا مع النظام السوري، والاستمرار في الضرب على على وتر  هذه الدعوة ،تهليلا وترهيبا، وربط هذا التنسيق باعتبارات ميدانية، وطرح التساؤلات حول قدرة الجيش على القيام وحيدا بتطهيرباقي الجرود، من دون التنسيق مع سوريا، خصوصا في حال طالت المعركة، فإن الجيش سيضطر الى طلب الدعم السوري في الجهة المقابلة، وستكون سوريا بالمرصاد ولن تفوت هذه الفرصة السانحة لاستدراج اتصال رسمي لبناني، وهنا يكون الهدف السياسي قد تحقق بتجاوز التنسيق الأمني والعسكري إلى السياسي، ويصبح التواصل مع النظام السوري، علامة على إنتصار محور على آخر،  وعلى ان هذا النظام ،شريك للبنان، وتاليا للمجتمع الدولي في محاربة الارهاب.
وإلى الأهداف الواردة أعلاه لا يمكن فصل معركة الجرود، عن مشروع التبادل والفرز السكاني، من منطلق مذهبي، والذي حصل في غير منطقة على امتداد الجغرافيا السورية، وليس صدفة ان يكون مهجرو منطقة القصير الذين انتقلوا مع النصرة من مخيمات اللاجئين القريبة من عرسال ، قد ذهبوا الى ادلب، او الى مناطق اخرى في الجنوب السوري.

إقرأ أيضاً: من انتصر ومن هزم في معركة «الجرود»؟

تزامنا مع معركة عرسال،ومع الاستعدادات للفصل الثاني من معركة الجرود، اشتد التجاذب الدولي والإقليمي  حول لبنان، في هذا السياق، أتت التهاني الموجهة للجيش في عيده، من عواصم مؤثرة،  وهي تهاني ركزت بشكل اساسي على الاعتراف  بالجيش اللبناني المدافع الوحيد عن لبنان، وبعضها ربط استمرار المساعدات، بتولي الجيش وحده مهمة استكمال المعركة ، كماسجلت استياءا من أداء السلطة الرسمية وانتقادا لها، وفي هذا السياق أيضا، يمكن قراءة الدعم الاميركي للجيش اللبناني، الذي يزداد في هذه اللحظة،  وهو بمثابة رد عملي على واقعة مبادرة حزب الله الى معركة جرود عرسال وحصد ثمارها،  وعلى ما بدا انه استئثار لحزب الله ،وفق ماتم تصوير المعركة في جرود عرسال، ومما  يؤول إلى سيطرة الحزب، أكثر فاكثر ،على قرار الدولة اللبنانية، وهو ما يفهم في انه محاولة  لاحداث توازن يهدف  إلى منع رجحان كفة حزب الله في معارك ترتسم إعلاميا وسياسيا ، ،على انها انتصار محور على اخر.
في امتداد هذه البانوراما، يبرز جليا ،ان معركة الجرود، هي فصل من مشهد إقليمي كبير، وهي في الوقت عينه شديدة الاهمية   بالمعنى الإقليمي ،كونها شكلت محطة لتبادل الضغو ط، واستدراج الشروط  والعروض المطلوبة و المتبادلة، بين القوى  الإقليمية، في سياق  هذا المسار الدموي الذي يلف المنطقة برمتها..
في ظل هذا المسار الإقليمي،  كيف بدت صورة الداخل اللبناني، وما هي الأهداف الداخلية  التي يتوخاها حزب الله، وما ماهي التداعيات المنتظرة على الوضع اللبناني، وهل ان المشهد اللبناني بعد هذه المعركة سيكون كما قبلها؟
مشروع الجواب سيكون في مقالة لاحقة

السابق
رئيس بلدية القاع: الدعم هو مسؤولية الدولة ونشكر اي دولة تساعدنا
التالي
أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الأربعاء في 9 آب 2017