أين يكمن «الانتصار الكبير» الذي تحدث عنه نصرالله؟

نصرالله وعناصر من حزب الله
تيار المستقبل بـ"صمت ركيك"، وحزب الله بانتصار "على حد تعبيره" يعزز مصادرته لقرار الدولة والمؤسسة العسكرية.

يبدو “تيار المستقبل” في صمته الركيك على مجريات الأحداث الأخيرة في جرود عرسال، أنّه يمارس سياسة “النأي بالنفس” فهو سجّل اعتراضاً سياسياً خجولاً على معركة بدأها حزب الله، وحدد توقيتها على الأراضي اللبنانية.

على الرغم من أنّ هذه المعركة ساهمت في ترسيخ ضعف الجيش فحزب الله رسم اطاراً ضيقاً لصلاحية المؤسسة العسكرية، التي يفترض أن تكون هي الآمر الناهي عسكرياً على الأراضي اللبنانية، لا أن يكون دورها ردة فعل او استجابة لتوجيهات قوة عسكرية غير رسمية هي حزب الله.

اقرأ أيضاً: بين خطاب انتصار نصرالله ومفاوضات اجلاء جبهة النصرة: أين الحقيقة؟

كما لم تكن مواقف الرئيس سعد الحريري في واشنطن خلال لقائه المسؤولين الأميركيين وعلى رأسهم دونالد ترامب، مواقف مفاجئة، هو تحدث بكلام متفق عليه مع حزب الله ولم يخرج على النص “ربط نزاع”، أمكن حزب الله الانطلاق منه إلى مرحلة القبض الكامل على القرار، الحريري أكّد في واشنطن بطريقة مباشرة وغير مباشرة، أنّه غير معني كممثل للدولة بما يقوم به حزب الله في سوريا وفي حروبه التي يقوم بها في غير مكان، وأشار بطريقة غير مباشرة أيضاً إلى أنّ حزب الله مشكلة إقليمية وليس لدى الحكومة إلاّ أن تحاوره في قضايا تتصل بإدارة الشؤون الداخلية المحلية. وهذا ما قاله الحريري في غير مناسبة منذ أن تمّ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً وبعد تشكيل الحكومة التي ترأسها.

بدايةً ما جرى في جرود عرسال لا يشكل بالمعنى السياسي والعسكري أيّ نقطة تحول في مسار الأزمة السورية، فهذه المعركة التي وصفها أمين عام حزب الله بأنّها انتصار كبير، هي بالتأكيد ليست انتصاراً يغير شيئاً في سوريا، فالمجموعة التي يقودها أبو مالك التلي هي مجموعة محاصرة منذ سنوات وعديدها لا يتجاوز المئتين، وليس لديها أيّ قدرة عسكرية لفعل مؤثر في مجرى الأمور داخل سوريا ولا خارجها، هي مجموعات في أحسن الأحوال كانت تنتظر إمّا القضاء على وجودها، أو السماح لها بالخروج بالحد الذي لا يجعل من خروجها إلى الشمال السوري استسلاماً.

الانتصار الكبير الذي تحدث عنه نصرالله ليس في سوريا، وهو الذي يدرك أنّ من المبكر الحديث عن انتصار كبير لأي طرف في الجغرافيا السورية، إلاّ إذا كان يقصد التلاقي الأميركي-الروسي الذي ترجم باتفاق الجنوب السوري بمعزل عن إيران، بل بإبعاد إيران، وهذا لا يمكن للسيد نصرالله أن يعتبره انتصاراً، كما لا يمكن أن يغيب عن بال المتابعين ايضاً، أنّ الإنهاك الذي أصاب مختلف القوى الإقليمية التي قاتلت في سوريا، جعل من إسقاط الاتفاق الأميركي الروسي على الجميع، واقعاً تكشفه الوقائع الميدانية وغياب أيّ اعتراض إقليمي، لا نقول أنّ الاتفاق أنجز واتضحت كامل تفاصيله، لكن المؤشرات تدل أنّ حزب الله بدأ يعد العدة للعودة إلى لبنان، وأحد أبرز معالم هذه العودة معركة جرود عرسال، التي نجح في أن يحولها إلى معركة تعفيه من الإجابة على سؤال لبناني مطروح لدى الكثيرين ماذا فعلت بسوريا ولماذا فعلت هذا بها؟

الانتصار الكبير الذي قصده نصرالله بزعمي، ليس الانتصار على عصابة موجودة في الجرود هو كان من أسباب وجودها منذ معاركه في القلمون والزبداني وغيرها من المدن والبلدات التي ساهم بتدميرها وتهجير أهلها، الانتصار هو على الداخل اللبناني هو الانتصار السياسي على مشروع الدولة اللبنانية، والأرجح أنّ حزب الله يعتقد اليوم أنّه من خلال مجريات عملية جرود عرسال التي خاضها، رسخ سلاحه كمرجعية عليا في الدولة اللبنانية، من خلال “فزاعة الإرهاب” حقق اختراقاً في وعي فئة من اللبنانيين كانت ضد سلاحه، خلق لديها نوعاً من التسليم بضرورة هذا السلاح وشرعيته.

الانتصار الكبير هو بنظر حزب الله، شبه تسليم لبناني بوجود كيان سياسي جديد للبنان، بدأت ملامحه مع انتخاب عون وحكومة الحريري، ومعركة الجرود ترسخه، هو شكل جديد من أشكال الحوكمة أو إدارة الشأن العام اللبناني، شكل يقوم على أن تتولى المؤسسات الدستورية والقوى السياسية في السلطة العمل والتحرك ضمن إطار محلي، وأن تشكل في نفس الوقت أداة لقوة عسكرية من خارج المؤسسات تقرر في الشؤون الاستراتيجية، أي في علاقات لبنان الخارجية وفي الأمن القومي، وفي موقع لبنان من معادلات الإقليم. ومجرد أن يسهل الجيش اللبناني لحزب الله معركته هو يؤسس لسابقة، سوف يجري البناء عليها في مراحل مقبلة.

اقرأ أيضاً: دمعة نصرالله ودموعنا…

الانتصار الكبير أنّ الملف الاستراتيجي أصبح بيد حزب الله وبموافقة الحكومة عملياً، وإن كانت هذه الموافقة لا نصوص دستورية أو قانونية، لكن السابقة ممكن البناء عليها ويمكن أن تتحول إلى عرف. في المقابل سلّمت مختلف القوى المشاركة في السلطة ولا سيما تلك التي خاصمت حزب الله في العقد الأخير، أنّ مساحة دورها تقتصر على شراكة مع حزب الله في إدارة السياسات المالية والاقتصادية والخدمات العامة للمواطنين، التي يمكن أن توصف بالملفات المحلية غير السيادية.

يبقى أنّ السيادة في لبنان تجري إعادة تعريفها بطريقة معاندة للدستور ولمفهوم الدولة، هذا التعريف الذي ينطوي على تنازل عن جزء من هذه السيادة لحزب مسلح لا وجود لسلطة عليه إلاّ من مرجعية من خارج الحدود، هو مفهوم وسلوك لا يمكن أن تكون نتائجه إيجابية على وجود الدولة فضلاً عن أنّ هذا السلوك ساهم في ترسيخ هشاشة الدولة وفاقم من الفساد، وتحوّل الحيز العام إلى فضاء للغنيمة والنهب، إذ لا يمكن لمعادلة ثنائية السلطة أو مصادرة السيادة لصالح حزب مسلح أن لا يكون نتيجة عملية فساد سياسي ترتكبه السلطات الرسمية وتسعى إلى تعميمه في الاقتصاد والمالية العامة وعلى الأملاك العامة في البر والبحر والجو.

السابق
لمكافحة السمنة: لا أدوية تنفع ولا عمليات وهذا هو الحل البسيط
التالي
قرار أمريكي يصنف حزب الله إرهابياً بجناحيه السياسي والعسكري