مخلفات الحرب السورية… «مجانين»

يرتدون ثياباً زرقاء، يتجولون ذهاباً وإياباً داخل مركز للرعاية النفسية في مدينة "أعزاز" الواقعة شمال سوريا... هي قصة لـسوريين حوّلتهم الحرب الى "مجانين".

 

عندما تدخل الى هذا المركز، يقول المعدّ لهذا التقرير الذي نُشر على موقع 24matins.fr الفرنسي، ستسمع أحد المرضى يخاطب مرافقيه بأعلى صوته، والآخر ينفجر من الضحك من دون سبب، في حين يقوم مريض ثالث بالغناء بصوت عال بارزاً فمه الذي تساقطت منه جميع اسنانه.

تستمع الى امراة تقول ” رأيت حيواناً ياكل جثة طفل”، واذا أمكنك ان تتخيل المشهد القاسي سوف تعود ادراجك الى المصحة لتصطف معهم…. هذه هي تبعات الحرب السورية، تبعات أمراض نفسية انتشرت بين صفوف السوريين.

من بين المرضى، تطالعك مراهقة تبلغ من العمر 17 عاماً وقد بدا أنها مرتابة بسبب فظاعة التي رأته في الحرب. وهذه الفتاة ، بحسب ما يقول أحد الأطباء المتواجدين في المركز، “عاجزة عن الكلام كما هي عاجزة ايضاً عن النوم وتناول الطعام”.

في إحدى الغرف، يظهر مريض آخر ينحدر من منطقة الرقة، هذا الشخص عانى كثيراً بسبب رؤية جثة زوجته وأطفاله الستة تحت ركام منزله الذي قصف في العام 2016. وهو يعاني من اضطرابات في النوم حيث غالباً ما تتراءى له صور عائلته في منامه لتتحول الى كابوس أليم.

الحالات المرضية المتواجدة في المصحة، قدمت الى هذه المنطقة بسبب اضطرابات ما بعد الصدمة ويرتبط سبب مرضهم بمخلفات الحرب، حيث أكد احد الاطباء أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في نسب الإصابة بالكآبة ومتلازمة ما بعد التعرض للصدمة”.

بعض المرضى تعرضوا للتعذيب وللضرب وخاصة على مستوى الرأس مما تسبب لهم اضطرابات نفسية. وبعضهم يشكو من قلق حاد لدرجة أنهم ينزعجون لدى سماعهم أصوات الطائرات التي تحلق في الفضاء.

يشار الى ان هذا المركز يستقبل 140 حالة بصفة دورية، في حين يعنى بمعاينة حالات أخرى تأتي الى المركز بصفة فورية. وكان يقع المركز في السابق في مدينة حلب وتحديداً في حي “مساكن هنانو” لكن المركز تعرض للقصف وتسبب في اصابة عدد من المرضى. لاذ عدد كبير من الممرضين بالفرار تاركين مرضى تائهين ليتم الاستنجاد لاحقاً بمنظمة غير حكومية وذلك لنقل المرضى.

اقرأ أيضاً: خرائط توزيعات اللاجئين: لبنان مخيّم كبير

ويستذكر أحد الاطباء قصة أحد المرضى الذي كان يشكو من كآبة حادة والذي قدم لزيارته في عدة مناسبات دون أن ينجح في علاجه. وفي هذا الصدد، صرح الطبيب قائلاً: “لقد سألت هذا المريض إذا ما كانت تجول في خاطره أفكار تدفعه للانتحار، فأجابني بلا. وبعد 15 يوماً، وضع حداً لحياته”.

في الواقع تشكو المنظمة من نقص حاد في الدواء حيث تتلقى أحياناً مساعدات من قبل منظمة الصحة العالمية وأحياناً أخرى من الأسواق التركية المحلية. وصل الأمر بطبيب ليقول “لقد أصبحنا منهكين نفسياً” في حين رأى أحد الممرضين ، “أنه يتم العمل على كسب تعاطف الأشخاص عن طريق كتيبات ننشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك في إطار محاولاتنا للتعريف بالمشاكل النفسية على اعتبارها أمراضاً كبقية الأمراض”.

في سياق آخر، ، رصد “عمر كاراسابان” في تقرير نشره معهد “بروكنجز” تقارير المنظمات المختلفة عن الصحة النفسية للسوريين، داخل سوريا وخارجها، ومدى تأثرها بالحرب. فقد قدرت دراسة أجرتها الغرفة الألمانية الفيدرالية للمعالجين النفسيين أنّ نصف اللاجئين السوريين بألمانيا يُعانون من مشاكل نفسية، وخرجت السلطات التركية بتقريرٍ مُشابه عن لاجئيها. وفي تحليلٍ أجرته مؤخراً الهيئة الطبية الدولية IMC، من خلال مراكزها الصحّية المخصصة للاجئين والنازحين بالأردن ولبنان وسوريا وتُركيا، وُجد أن 54% من النازحين لديهم اضطرابات عاطفية حادّة، و 26.6% من الأطفال يواجهون مشاكل في النموّ الفكري.

اقرأ أيضاً: هل يُخشى من اللاجئين السوريين أمنيّاً؟

السابق
بالفيديو: منع ريما ديب من التصوير في صيدا
التالي
ترامب يستثني «العقوبات ضدّ حزب الله» من مباحثاته مع الحريري