الإطاحة بعطلة يوم الجمعة خطوة جائرة تضرب العيش المشترك

لا يمكن تجاهل مفاعيل تسريب خلاصات اجتماع “مجموعة العشرين” في بيت الوسط مع الرئيس سعد الحريري ، لأن ما حمله مضمون الاجتماع هو حديث الناس والشارع ، وهو يشكل أحد وجوه الأزمة التي يتخبط فيها أهل السنة في لبنان منذ ما قبل تفكّك تحالف قوى 14 آذار وحتى الساعة.
كان تيار المستقبل يضع شعار الحفاظ على الاستقرار مبرراً لكل سياساته التراجعية أو التسووية ، وهو ما حصل عندما تقدم الرئيس سعد الحريري لترشيح النائب سليمان فرنجية ثم العماد ميشال عون..
في هذا المقال لن تناول إشكالية العلاقة بين تيار المستقبل و”حزب الله” ، بل سنتعرض لقضايا تخصّ إدارة الوجود السني في الدولة ، باعتبارها قضية ضاغطة ، في حين يتخذ التعاطي مع الحزب صفة “ربط النزاع”.

• هل ينقرض السنة في الدولة؟

إن إستمرارية التجاهل لواقع التقهقر السني في مواقع الدولة خصوصاً وفي مجمل الحقوق السياسية والتنموية والإجتماعية ، دفع النخب الإسلامية إلى مستويات اعتراض ضمنية حادة ، باتت تجد طريقها نحو العلن ، موجهة النقد لأداء الرئيس الحريري أيضاً تجاه “حزب الله” وطريقة تحكمه بالقرار في البلد.
وفيما تستيقظ العصبيات لدى الطوائف اللبنانية تجاه أي وظيفة في الدولة ، مهما كبر شأنها أو صغر ، فإن عموم المسلمين السنة باتوا يرون أنهم يتجهون إلى الإنقراض في مفاصل الدولة.

اقرأ أيضاً: «حزب الله» لـ «تيار المستقبل»: مبتلون بكم في لبنان

ومنذ قرابة السنة ، تتصاعد الشكاوى من تساقط المواقع السنية في الدوائر الرسمية ، والكل يذكر صرخات الاحتجاج من عكار على خلفية إخراج المسلمين السنة من إدارة المنطقة التربوية والوكالة الوطنية للإعلام والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ، وإدارة ثانوية حلبا ، وغيرها من المواقع.. ويومها أعطى الرئيس الحريري توجيهاته إلى نواب عكار بالتزام الصمت حول هذه الملفات بحجة معالجتها.
وفي بيروت تصاعدت الأصوات جراء التراجع المتتابع للسنة فيها ، وكان من الأرقام المعبرة في هذا الخضم ، أن تقتصر حصة السنة على كاتبين اثنين بالعدل من أصل 52 كاتباً ، فضلاً عن عشرات الملفات التي لا يمكن تجاهل وزنها وتأثيرها السياسي والشعبي على حدٍ سواء.
وفيما تعاني طرابلس من الإهمال وتهميش المؤسسات الكبرى ، تتصاعد الشكاوى من صيدا والبقاع من دون أن تجد لها صدى يذكر.

وزارة المالية.. بداية التنازلات الاستراتيجية
يقف الكثير من المراقبين عند إشكالية المداورة التي طرحها الرئيس السنيورة وتنازل بموجبها عن وزارة المالية التي آلت عملياً إلى الثنائي الشيعي ، وليس إلى حركة “أمل” فقط ، واليوم يدرك الجميع أن هذه الوزارة السيادية لن تعود يوماً إلى السنة ولا إلى المسيحيين ، بل إنها دخلت في الملكية الحصرية لحركة “أمل” و”حزب الله” واليوم يدفع تيار المستقبل تحديداً ثمن هذه المداورة ، عبر ما يحصل من حجز الأموال العائدة لشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي ، وبتمكن هذا الثنائي من تعطيل أي مرسوم أو قرار وزاري بالنظر إلى الصلاحيات الدستورية المناطة بوزير المالية.
ويذكر الكثيرون بأن هذه الوزارة حافظ عليها رؤساء الوزارء منذ الاستقلال حتى الطائف ، وبعد انتهاء الحرب تمسك الرئيس الشهيد رفيق الحريري بوزارة المالية ، ليس من منطلق طائفي ، بل من منطلق الحفاظ على ضمانة عدم التعطيل في الدولة ، في حين أننا اليوم رهن تعطيل ممنهج لا فكاك منه.

هيئة أوجيرو: إقصاء السنـّة وتحكّم الثنائية الشيعية وثبات المواقع المسيحية

لم تخرج هيئة أوجيرو عن مسار التقهقر السني بعد الإقصاء الملتبس لعبد المنعم يوسف والإتيان بعماد كريدية مديراً عاماً ، بل إنها شهدت قرارات أطاحت بالتوازنات في ظل انطباع عام بأن كريدية جاء بدعم من الرئيس الحريري.
تنقسم الإدارات الكبرى بين السنة والشيعة والمسيحيين في مؤسسة أوجيرو على النحو الآتي:
• المديريات التي يتولاها المسيحيون:

ــ مديرية الشبكات: (هـ. ب. ف) وهو من التيار الوطني الحر.
ــ المديرية الفنية وتشمل: السنترالات والاتصالات والمولدات يتولاها (ط. ح.) ، من التيار الوطني الحر.
ــ المديرية التجارية ، وتشمل: مراكز البيع ، تديرها (د.خ) محسوبة على الوزير السابق ميشال المر وقريبة من التيار الوطني الحر.
ــ مديرية ادارة المواد : تشمل المشتريات والمناقصات ، يتولاها الدكتور (ع. ب. ر) ينتمي إلى القوات اللبنانية.

• المواقع السنية:

ــ الإدارة العامة: يتولاها السيد عماد كريديه

ــ التخطيط الإسراتيجي: تم إلغاؤها ، كان يتولى ادارتها (م. ع. ر) أصبح بتصرف وزير الإتصالات.
ــ المعلوماتية: يتولاها (ت. ش) ، وقد تم إقصاؤه.
ــ مديرية الموارد البشرية: يتولاها (ب. ج) ، أعطاه كريدية إجازة “تأديبية” مدة 15 يوم وعاد بعد تدخل من الرئيس سعد الحريري.
ــ التدقيق الداخلي: يتولاها (أ. ر).

• المواقع الشيعية:
ــ مديرية الإستثمار: كان يتولاها (ح. ا) وتم نقله الى “الإدارية” ترفيعاً. ويقوم (هـ. م) بإدارتها حالياً وهو من طائفة الموحدين الدروز.
ــ مديرية المالية: يتولاها (م. م)، يضع عليه متابعون ملاحظات كثيرة ، ويحسبه البعض على المدير العام السابق عبد المنعم يوسف الذي برأه القضاء ، من دون أن يخضع (م.م) لأي تحقيق أو مساءلة .

• إضعاف المواقع السنية:

تتعرّض الإدارات التي يتولاها السنة إلى تقليص في الدور والصلاحيات ، وأصبح الواقع السني في أوجيرو كالآتي:

ــ المعلوماتية: كانت أيام المدير العام السابق عبد المنعم يوسف مديرية فعالة وقادرة على الضبط والسيطرة.. بينما باتت اليوم مديرية مهمشة وقد نـزع منها كريدية صلاحياتها الفعلية لصالح مواقع أخرى.

ــ التدقيق الداخلي: لا يوازي حضورُها مديرية المالية الواقعة تحت هيمنة الثنائي الشيعي.
ــ قام كريدية بإلغاء مديرية التخطيط الإستراتيجي ، مما أفقد السنـّة موقع إدارياً أساسياً. ويقوم بالتضييق على المديرين السنيّين (ت. ش) و(و. ج) ، وهو يقوم بإعطائهما إجازات إلزامية .
في المقابل ، قام كريدية بترقية مسؤول وحدة العمليات (ع. ع) المحسوب على الثنائي الشيعي إلى رتبة مدير وقام بتسليمه كل المشاريع الجديدة والحيوية الخاصة بتطوير الإنترنت.
أما مديرية الاستثمار التي كانت محدودة الصلاحيات ، فإنه تم ترقية مديرها (ح. ا) إلى مدير إداري ليحصل صلاحيات أكبر من سواها.
والمديرية الإدارية تشمل الإشراف على حركة المباني والسيارات وغيرها من الأمور الحيوية.

• إستهداف محمد الحوت:

يضغط التيار الوطني الحر باتجاه فصل رئاسة مجلس ادارة شركة MEA عن ادارتها العامة من أجل منح واحد من المركزين لمسيحي.
وبحسب مصادر متابعة فإن هذا الطرح رُفض من المستقبل (أقله حتى الآن) ويجري البحث بتسوية تقضي باختيار شخصية يرضى عنها العونيون بديلاً عن الحوت.
ولكن من خلال تتبع مسارات الإستهداف فإن الأرجح أن يكون دور محمد الحوت قد أتى بعد عبد المنعم يوسف ، في تنازل غير مفهوم عن كفاءات كبرى كل ذنبها أنها تمتلك الكفاءة والجرأة والقدرة على الصمود في وجه الإستهداف.

• الإطاحة بعطلة يوم الجمعة

في جانب آخر ، جاء قرار اعتماد يومي السبت والأحد عطلة رسمية ، وإعطاء المسلمين ساعتي استراحة لصلاة يوم الجمعة بمثابة صفعة طالت المسلمين الذين استرجعوا لحظات الظلم التاريخي الذي عانوه منذ إعلان دولة لبنان الكبير والتمييز الذي رافقهم ومنع عنهم حقوقاً كثيرة..
ورغم المبررات الإقتصادية التي أعطاها النائب سمير الجسر لهذا القرار ، فإنه يصطدم بحاجزين:

ــ الأول: ديني ، حيث يعتبر يوم الجمعة عيداً للمسلمين مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه مسلم ، وبالتالي فإذا كان ثمة عطلة للمسلمين ، فيجب أن تكون يوم الجمعة ، وليسوا مضطرين إلى مراعاة الرفاهية لدى أحد على حسابهم..

اقرأ أيضاً: «المستقبل» لـ«حزب الله»: اتفقوا مع الرئيس عون

ــ الثاني: أن الشراكة في لبنان قائمة على أساس إسلامي مسيحي ، فلماذا تثبيت عطلة الطوائف المسيحية يوم الأحد ، ونسف عطلة المسلمين يوم الجمعة ؟؟
إن هذه الخطوة ضرب لصيغة العيش المشترك ، وتمثـّل إهانة للمسلمين ، ولا يمكن تبريرها بحجج إقتصادية أو سياحية ، ونقول لمعالي الوزير الجسر: عندما يتدفق السياح على البلد فلن يعنيهم يوم عطلة ، بل سيعنيهم تقديم الخدمات الفعلية وتوفير الأمن وسيادة الدولة.. والتبرير بهذا الإتجاه عبارة عن التمسك بالخطأ في حين أن الرجوع عن الخطأ فضيلة!

• الرئيس الحريري: إعادة النظر واجبة

إن الرئيس الحريري مطالب اليوم بإعادة التفكير في المسار الذي يتخذه ، وما سمعه من مجموعة العشرين هو مجرّد صدى لصوت الناس الذين باتوا يشعرون بأن قضاياهم المعنوية والتنموية والحقوقية متروكة نهب التوازنات المفقودة ، وهذا ما يجعل النزعة نحو الإنغلاق والتطرف تتسع وتضع بصماتها في مختلف أرجاء البيت السني.
إن المساكنة مع “حزب الله” والعلاقة الجيدة مع التيار الوطني الحر أمر يخص قيادة تيار المستقبل ، لكن لا يجوز أن تكون تداعيات هذا التوجه على حساب السنة في لبنان ، فالقرار أمانة والمواقع ليست ملكاً شخصياً ولا عائلياً ، والتوكيل بالتمثيل السياسي لا يعطي الحق بالتنازل مهما قسن الظروف ، فالجمهور السني يعاني منذ سنوات ، لكنه لم يرضَ تحت أي ضغط كان أن يتنازل عن مواقعه التي تؤمن له التوازن في الدولة ، وفي الحياة الوطنية.

• أمين عام التحالف المدني الإسلامي.

السابق
بالصور والفيديو: الوزير رياشي.. عريساً والرقصة الأولى مع عروسه!
التالي
جمعية أركنسيال تتوقف عن جمع ومعالجة نفايات المستشفيات في صيدا