مع رحاب رحيل السيد أحمد شوقي الأمين

رحلة عمر رغم فرق السن، جمعت بين العلامة الراحل السيد احمد شوقي الامين والعلامة السيد محمد حسن الامين حفظه الله، لم يربطهما فقط النسب، فأواصر تلك القربى الوثيقة تعمدت بما نهلاه من معين العلم والشعر والادب والدين والفقه، ان كان في النجف الاشرف في العراق حيث الحوزات الدينية في بواكير العمر، ام في امسيات العلية الثقافية التي اسسها المقدس السيد احمد شوقي في قريته مجدل سلموكان لرفيقه وصديقه السيد محمد حسن حضور شبه دائم فيها.

إن وفاة العلامة السيد أحمد شوقي الأمين تجعلنا نتوقف للتأمل بين الجيل الذي ينتمي إليه علماء جبل عامل وبين واقعنا الراهن، ويكاد يكون الفقيد هو من أواخر جيل الخمسينات والستينات وما فوقها، وهو ممن درسوا في حوزة النجف الأشرف لمدة تتجاوز العشر سنوات، وكان سلوكهم في إبان هذه المرحلة سلوكاً مميزاً بأخلاقه وعلاقاته الواسعة، وقد حظي باحترام وتقدير أساتذته وزملائه، وقد اكتسب من خلال مكوثه في حوزة النجف القيم والتقاليد الأصيلة خُلقاً وديناً، وكان يلتفّ حوله مجموعة من طلاب العلم، ويعتبرونه أخاً أكبر ورائد لهم، وكان يحتضنهم احتضان الأخ الكبير لأخوته وأبنائه.

اقرأ أيضاً: احتفال شعبي ورسمي حاشد في ذكرى أسبوع العلامة السيد أحمد شوقي الأمين

وحينما انتقل من النجف إلى لبنان، في أوائل الستينات، كان الجو العلمائي العام ما زال جواً تقليدياً، وكان هنالك تشديد ضد أنماط من السلوك، كما على سبيل المثال أن يقود رجل الدين سيارته بنفسه، وأن يدعو لإقامة ندوات في المجال الفكري والديني من موقعه في إدارة المدرسة الدينية في صور، التابعة للمغفور له الشيخ موسى عز الدين..

وكان يرى أن الأساس في تنشئة جيل صالح وفاعل على المستويين العلمي والديني الأخلاقي لا يكون إلا عن طريق التربية، فلذلك سارع إلى افتتاح مدرسة مدنية وفق مناهج التعليم في المدارس الرسمية، ولكنه كرّس فيها الدروس الدينية، وقد اعتمد في ذلك على مجموعة من الأساتذة المتنورين دينياً من رجال دين ومثقفين إسلاميين، والحق أننا لمسنا ونلمس في واقعنا الراهن أهمية النتائج التي نجمت عن هذا المنهج.

وكان بالإضافة إلى جهوده هذه يعمل في القضاء، فكان قاضياً لمدة طويلة من الزمن، لكنه لم يقتصر في نشاطه على هذه الوظيفة التي أكسبته احترام الجميع، لما لمزايا القاضي العادل والنزيه، ثم تفرّغ – بعد تقاعده – لرعاية المدارس التي عددها، وأصبحت مجموعة عنوان (مدارس الأمين)، ومازالت هذه المدارس قائمة، وهي تقدم أفضل النتائج في الإمتحانات الرسمية بالقياس إلى مدارس أخرى.

وحري بالذكر – بعد هذا الكلام الموجز عن سيرته – موقفه الوطني الديني المتميز اتجاه المقاومة، وضد الكيان الصهيوني، الأمر الذي جعله الهدف الأول من علماء الدين للإعتقال من قبل الإحتلال الإسرائيلي عام ١٩٨٢، وقد أمضى مدة غير قصيرة في سجون العدو، الذي لم يستطع بعد مرور هذه المدة الطويلة أن يبقي عليه مسجوناً، وذلك بسبب الإحتجاج القوي من قبل أهالي منطقته، ومن قبل رجال الدين، ولكنه أوذي في نفسه، وفي بيته، ومع ذلك استمر في خطه الجهادي، ولكن دون أن ينتمي إلى تنظيم أو حزب معين، كان انتماؤه إلى المقاومة بكل صورها وأشكالها..

ومن المؤسف أن بعض الحركات – حتى المقاوِمة منها – تجاهلت هذا الدور، ولا أعتقد أن هناك سبباً مشروعاً لهذا التجاهل إلا الروح الحزبية والتعصب للحركات والأحزاب التي ينتمون إليها.

وفي سنواته الأخيرة أقام في بلدته مجدل سلم، وكان بيته مزاراً لوجهاء المنطقة وعلمائها، وللمحتاجين والفقراء الذين كان يعينهم ويدخل أبنائهم المدارس، أحياناً بصورة مجانية، وأحياناً بصورة شبه مجانية، فاكتسب في فكر الناس والفقراء محبة وتقديراً واحتراماً..

اقرأ أيضاً: حفل تكريم في صور للعلامة السيد أحمد شوقي الأمين

ورغم تقدم سنه ظل يشارك الناس في أفراحهم وأحزانهم، لذلك ولغيره من المآثر – التي لم نذكرها لضيق الوقت – كانت وفاته حدثاً عاملياً استثنائياً، ظهر ذلك من خلال تدفق الوفود والجماعات زرافات ووحدانا، لتشييعه وكذلك في يوم تأبيينه.

وبالتالي فهو نمط من علمائنا الكبار الذين تركوا بصماتهم المباركة على شعبهم وعلى ذكراهم، فالمرحوم السيد أحمد شوقي سيظل ينظر إليه كشخص من الرجال الإستثنائيين، ومن العلماء المتميزين من بين الذين سبقوه إلى الرفيق الأعلى. وكان ينطبق عليه – ما أريد أن أنهي به هذه المداخلة – قوله تعالى: [إنما يخشى الله من عباده العلماء] وأشهد أنه كان يخشى الله تعالى، ولا يعمل إلا بموجب ما تمليه عليه فطرته السليمة ودينه القويم.

السابق
معركة جرود عرسال ومطالب النصرة وملايين التلّي
التالي
أمرٌ ملكي بالقبض على «أمير» التجاوزات والانتهاكات