نصرالله إذ ينسى الجنوب السوري

الكلمة المتلفزة للامين العام لحزب الله حسن نصر الله مساء الثلاثاء، والتي كانت صدى لإحتفالات إيرانية بانتصار الجيش العراقي على داعش في الموصل، طالت وبالغت وهلّلت، قبل ان تعرج على الشأن اللبناني، وتروج بأن شرعية النظام السوري بديهيةٌ معزولة عن ملف النازحين..وتغفل العنوان الأكبر والأخطر الذي سجل خلال الاسبوع الماضي والذي كان مرتقباً أن يتطرق إليه نصر الله، وأن تومىء به طهران قبله، وهو الاتفاق الاميركي الروسي على إقامة منطقة آمنة في جنوب سوريا، على مقربة من الحدود اللبنانية.

اقرأ أيضاً: انتصار على «داعش».. أم على الموصل

نصرُ الموصل هو بلا شك مهمُ وحاسمٌ في سياق تصفية تلك الظاهرة الوحشية التي نمت وترعرعت في المدينة العراقية قبل ثلاث سنوات، وسط تواطوء رسمي (شيعي) عراقي قاده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، حسب تحقيقات وشهادات محفوظة في بغداد، ويعرفها الجمهور العراقي الذي بات يفرض العزل على المالكي ويمنعه من التجول بحرية حتى في المناطق الشيعية. إلحاق الهزيمة بداعش هو أشبه ما يكون اليوم بتصحيح خطيئة فادحة إرتكبها الحكم الشيعي في تلك الفترة، وكادت تهدد سيطرته على العاصمة نفسها ، قبل عامين ، لولا التدخل الاميركي الجوي والبري العاجل في حينه.
كلمة نصر الله وقبلها بساعات كلمة قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني المتلفزة أيضا والموجهة الى الايرانيين، حاولتا محو تلك الوقائع الثابتة من الذاكرة، ومصادرة نصر الموصل من الاميركيين وبقية حلفاء الحملة العسكرية على داعش. وهو أمر مشروع سيما وأن مسؤولية أميركا وحلفائها عن تمدد داعش في العراق وسوريا لا تقل عن مسؤولية الحكم الشيعي العراقي، بل قد تفوقها أحياناً. وحكم التاريخ لم يعد بعيداً . ولعل أهم ما في تصفية ذلك التنظيم الهمجي في الميدان العراقي هو أنه سيكشف قريباً جداً توزع حصص كل دولة وطائفة وجماعة وشبكة إستخبارية، في صفوفه وفي خلاياه.
لكن هذا الإنجار العراقي يحتاج الى الكثير من التدبر، قبل أن يظهر وريثٌ لابي بكر البغدادي في شريط فيديو جديد وسط كومة من الجثث والرؤوس المقطوعة، يعلن إكمال المسيرة وتقليص الخلافة. وهذا متروك للعراقيين وحدهم ومعهم حليفهم الايراني في البر وحليفهم الاميركي في الجو، وما بينهما من وصالٍ وخصامٍ، يمكن ان ينتج أكثر من خليفة عراقي مقبل، يطمح الى إستعادة الامجاد الغابرة في بغداد، التي كانت إحتفالاتها بتحرير الموصل متواضعة جداً بالمقارنة مع تلك التي نظمت في طهران وفي الضاحية الجنوبية.


المهم الآن، أن خطوط الجبهة السورية مع داعش إنفتحت أكثر من ذي قبل، وبات القضاء على الوجود العلني للتنظيم في سوريا مسألة وقت. التنافس على ذلك النصر المحتم سيكون أشد وأصعب، بوجود روسيا وقواتها “الجوية -الفضائية”! التي تمسح الارض السورية ومن عليها منذ عامين أو أكثر من دون تمييز بين داعشي وآخر، والتي تعلن أنها عوضت كل ما فاتها من حروب العراق الاميركية، وما ضاع عليها من فرص عسكرية وسياسية وإقتصادية. سوريا هي هديتها الثمينة، وهي ملعبها المفضل. وقد نجحت أخيراً في إستدراج الاميركيين والحصول على توقيعهم على تفاهم في الجنوب السوري..ما زال يثير الكثير من الشكوك والمخاطر.
أمام هذا التفاهم، تصغر معركة الموصل، وتصبح تحصيل حاصلٍ لمصير داعش كتنظيم عراقي حصري، وتصفية لحسابات عراقية داخلية قديمة، وتطرح الاسئلة الحرجة حول ذلك اللعب الاول من نوعه بالخريطة السورية، وبالقضية السورية، وحول الاستجابة الأولى من نوعها للمخاوف الاسرائيلية من الحدود الشمالية، وللاختراقات التي حققها الاسرائيليون داخل حدود سوريا ..وحول الدور الايراني الذي كان يطمح الى جعل الجبهة الجنوبية السورية قاعدة عسكرية متقدمة، والذي لم يعبر حتى الان على الاقل عن أي إعتراض على ذلك التفاهم، لا على لسان سليماني ولا على لسان نصر الله. جل ما صدر حتى الآن تصريح متحفظ للمتحدث بإسم الخارجية الايرانية بهرام قاسمي دعا فيه الى توسعة التفاهم ليشمل جميع الاراضي السورية!
لم يكن التفاهم الاميركي الروسي سراً، لكنه ما زال لغزاً. الاحتجاج الجريء الذي عبرت عنه شخصيات سورية معارضة يستعيد حيوية سورية مفتقدة، ويحيي عصبية وطنية مطلوبة الان أكثر من أي وقت مضى، في وجه الاميركيين والروس والايرانيين..وفي وجه النظام الذي شارك سليماني ونصر الله في حفل النصر في الموصل، ولزم معهما الصمت إزاء قيام المنطقة الأمنية الأولى في جنوب سوريا، والتي قد تصبح مثل المنطقة الآمنة القائمة في جنوب لبنان بناء على القرار الدولي الرقم 1701، الصادر في العام 2006.

السابق
حزب الله متورط في خلية إرهابية أعدمت عناصرها السعودية!
التالي
حروب الدول لتقاسم البلد تلي حروب الأسد على السوريين