هكذا قضت السلطة اللبنانيّة على النقابات

السلطة بما تمثّل من يمين ورأسمال وقفت بوجه العمال، وحولت مطالبهم شيئا فشيئا الى لا شيئ. لان هذه السلطة التي كانت بيد اليمين اللبناني، خاضت حروبها ضد اليسار ومن يسير خلفه من حركات عمالية الى ان اذابته فيها، وآل حاله كما هو حال اليسار عالميا الى ما آل اليه.

هل انتهى عهد النقابات المناهضة للسلطة في لبنان، الى غير رجعة، مع سقوط نعمة محفوض، بعد حنا غريب؟

فازت لائحة “التوافق النقابي” بكامل أعضائها في انتخابات نقابة اساتذة التعليم الخاص يوم أمس. حيث حاز العوني رودولف عبود على 3321 صوتاً، فيما النقيب السابق نعمة محفوض على 2279 صوتاً.

إقرأ ايضا: نعمة محفوض: السلطة ورجال الدين يحاربوننا

وكانت انتخابات التعليم الثانوي التي جرت مع بداية العام 2015، قد افضت الى تكاتف الاحزاب ضد حنا غريب -الذي ظل رئيسا لمدة عشر سنوات- حيث حصد 299 مقابل منافسه مرشح التيار العوني عبدو خاطر302.

وكان التحدي بارزا بين محفوض والوزير جبران باسيل الذي صرّح وبشكل علنيّ ان عهد الغوغائية انتهى قاصدا بذلك محفوض ومن معه.

هذه الحرب العلنية على النقابات سببها محاولة السلطة وضع اليد على النقابات العمالية وانهائها عبر تزعيم محازبيها عليها، فكانت الحرب على اساتذة التعليم الثانوي عبر حركة أمل التي تصدت لحنا غريب اولا وأسقطته، ومن ثم تولي التيار الوطني الحرب باسم المدارس الكاثوليكية الحرب على محفوض واسقتطه.

وفي اتصال مع الدكتور الباحث طليع كمال حمدان، مُعد دراسة حول العمل النقابي ما بعد الاستقلال تحت عنوان “تطور البنية المجتمعية في الجنوب اللبناني(1943-1975)، هذه الدراسة التي تعد مدخلا ضروريا لفهم الخلفية المجتمعية لتطور مؤسسات المجتمع المدني، قال لـ”جنوبية”: “تاريخيا، ومنذ ايام الاستقلال، وفي مرحلة الاستقلال، ومرحلة ما بعد الاستقلال كانت الحركة النقابية تؤّرخ لصراع الحركة مع النظام، باعتبار هذه الحركة على تماس مباشر مع النظام، وهي مستهدفة لانها وقود للرجال في السلطة، فأي توّسع للحركة النقابية يضعف النافذين في السلطة”.

إقرأ ايضا: عجز نقابي… وتقويم بلا جدوى

“وهذا ما حكم علاقة الحركة النقابية بالسلطة، ودائما كانت السلطة لها اليد الطولى، وكان الزمن الاجمل للنقابات في ستينيات القرن الماضي”.

“ولما تحركت النقابات كان تحركها تكتيكي، فاليسار استطاع بعد منتصف الستينيات ان يتصدّر الحركة المطلبية مع كمال جنبلاط، وبالتعاون مع تحالف القوى اليسارية، ولكن بالعمق استخدموا الاطار النقابي ليس للتغيير، بل للوصول الى الحكم”.

“والسلبية في الامر انه بدل تغيير ظروف العامل، استخدمت التحركات ضد الرأسمالية، والاحتكارالرأسمالي ضد السلطة في اطار الحرب الاهلية، وحولوا الجماهير الى وقود الحركة النقابية التي رفعت الشعار المطلبي بطريقة تجميلية وليس تغييرية”.

وتايع حمدان بالقول “جاء اتفاق الطائف ووضعت السلطة يدها على العمل النقابي وسحبته من يد اليسار. فبعد اتفاق الطائف وضعت السلطة يدها على العمل النقابي. فاليسار والحركة النقابية مطلع السبعينيات لم تكن تعمل لاهداف نقابية بحتة، بل لتسييس الحركة النقابية”.

“لذا لم نشهد انجازات تذكر او تغيير بارز، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لم تتحالف القوى اليسارية مع الامام الصدر، بل وحاربوه لانهم اعتبروا انه يريد ان يضع يده على الحركة النقابية رغم ان مطالبه كانت مطالبهم”.

و”صار العمل النقابي بالنسبة لهم حصص ومكاسب بغض النظر عن مصلحة العمال، وخير دليل على ذلك ان الحركة المطلبية في السبعينيات تسيّست، وتم توظيفها في المشروع اليساري العام، فصارت اليوم الحركة النقابية، شيء لا يذكر اليوم، فبعض  المسؤولين النقابيين اخذوا الارشيف معهم الى منازلهم بعد انسحابهم من اطار اليسار للعلم”.

“ومع احترامي الشديد لنعمة محفوض، فهو جزء من حركة الاصطفاف الطائفي، وهو ليس خارج هذه التركيبة، فهو منذ ما بعد الطائف متزعما النقابة”. وختم حمدان، بالقول “ففي لبنان لا يوجد ما يسمى عملا نقابيا، فقيادة الاتحاد العمالي العام، كانت خاضعة للحركة الوطنية بدل ان تخضع الاحزاب لمطالبها، وجرى تجييرها لمصلحة الاهداف السياسية”.

وفي اتصال مع النقابي السابق، الزميل وفيق الهواري، قال تعليقا على الموضوع “ما بعد العام 1992 بدأت الحملة على الحركة النقابية بالاتساع وخصوصا من الرئيسين بري والحريري، حيث تحالفا ضد الاتحاد العمالي العام، وساعدهم في ذلك الوصاية السورية عبر مندوبها الوزير عبدالله الامين، ومن ثم الوزير اسعد حردان، اللذان وزعا رخص النقابات الوهمية”.

ويكمل ليقول “واذا كان بري والحريري قد استطاعا السيطرة على الاتحاد العمالي العام، فان الحليف المسيحي ساعد الحلف السني-الشيعي على ضرب ما تبقى من مؤسسات نقابية وتحويلها الى مجرد ملحقات، واذا كان البعض يرى ان في تجربة اليسار سابقا ثغرات، فلا يمكن تحميل اليسار وزر ما آل اليه الوضع”.

إقرأ ايضا: هكذا انهزم حنّا غريب أمام نبيه برّي

ويتابع الهواري بالقول “وما شهدناه بالامس يعد أمر طبيعي من تحالف كل القوى السلطوية في مواجهة ما تبقى من مؤسسات نقابية خاصة، من رفع لرايات النصر ومن وسائل ترهيب وترغيب ضد المعلمين”.

السابق
فداء عيتاني قيد التحقيق بسبب دعوى رفعها الوزير جبران باسيل
التالي
التكليف الشرعي في الإنتخابات، يعطّل التمثيل الشرعي في النقابات