اعتراض النفس الأخير

فداء عيتاني

يقتل الجيش اللبناني معتقلين تحت التعذيب، تتعزز شبهة قيامهه بذلك يوما اثر يوم، وهي التهمة التي تجد من يرحب بها، ويرحب بعملية مداهمة عنيفة لمخيم للاجئين سوريين، مع اطلاق نار وقتل واعتقال المئات منهم، تحت ذريعة عملية استباقية، تخللها عمليات انتحارية.

اقرأ أيضاً: عندما تعب المجتمع وضاقت المسافات

يزداد عنف البلاد، العنف يتحول إلى الخيط الجامع بين كل المكونات الاجتماعية، ولم يمنع البعض انفسهم من دعوة المعترضين على العملية العسكرية الأخيرة إلى الرحيل من البلد، او دعوة القوى الأمنية إلى اعتقالهم وزجهم في الزنازين، بينما يحتفل اللبنانيون بنجاح ابنائهم بالمدارس باطلاق النار.

يتبرم بعض حاشية رئيس الجمهورية وبطانته من الانتقاد والاتهامات بالفساد، الاتهامات التي كانت تطال كل الرؤساء (والارجح انها محقة) وكل العهود بوزرائها ونوابها. الا ان هناك من بالغ في الفساد وبالغ ايضا وبشكل مواز برد فعله عليه، باتت الاشارة إلى الفاسد تتطلب تحمل كل سفاهته، وادعاءاته بالتفوق والاخلاقية، واتهاماته للاخرين بالشعبوية، لا وبل تحمل ترداد جمهوره لمقولاته دونما تمحيص او ادراك.

لقد انفك العقد الاجتماعي الواهي بين مكونات البلد، وباتت الطوائف اشد انعزالا، وصار قادتها يترنحون يمينا ويسارا دون رادع او وازع، بوصلتهم الوحيدة الانتفاع ورشوة بعض الخلص، والجمهور الاوسع يعاني ما يعانيه، الا ان الخوف من الطوائف الاخرى من جهة، وبعض الفتات من مقومات الحياة من ناحية اخرى، وضيق الحال عامة، يدفع جماهير الطوائف إلى الاستشراس ضد بعضها بعضا من اجل الحفاظ على وجود يشبه كآبة الموت.

بات من واجبنا اليومي ان ننعي بلدنا وما فيه.

وبلغ ضعف الاجهزة الرسمية عجزها عن التحفظ على تجار باجساد النساء عنوة واغتصابا، باتت الاجهزة الرسمية في موقع قوة فقط حين تطلب منها قيادات طوائف بذاتها قمع اللاجئين السوريين، وتهز باقي القيادات الطائفية رأسها موافقة، او حين تقرر اعتقال ناشطة من هنا او ضرب ناشط من هناك.

دولة العجز القاتل

تراكم العجز منذ العام ٢٠٠٥ خاصة. والعجز نهج مميز في بلاد تعتاش وتجدد حكم ديكتاتوريات طوائفها من خلال الازمات، الا ان الازمات وصلت جدارا صلبا هذه المرة، لم يعد يمكن تجاوزه، ومنذ اكثر من عقد باتت الأزمات تتراكم، والسلطة السياسية تشتد عجزا وترهلا، امام طوائف تزداد شراسة في مواجهاتها الدموية حينا والباردة احيانا، اشتباكات في مناطق هامشية كباب التبانة وجبل محسن، بينما ينعم البلد برخاء صيفي او قتال شتوي في سوريا، فشل في حل ازمة النفايات، تزايد اسباب الموت الجماعية وانتشار الامراض المستعصية دون ان يتحرك اي مسؤول حكومي، مترافق مع شعارات رنانة من قبيل تحرير فلسطين واستعادة حقوق المسيحيين، او العبور الى الدولة.

وصلت السلطات إلى ادنى احوالها مع مجيء ميشال عون قائد الجيش السابق إلى سدة حكم بعبدا، ليس أمام هذا الرجل وزبانيته من مخرج إلا القاء اللوم على غيره، والدفاع عن نظام متهاو، ولكن الـ”غيره” شرس وقادر على القتال، وهو في النهاية شريك في نهب المال العام وبعض من الثروات المتبقية في البلاد، كالعقارات والنفط وغيرها من الريوع. تم اختراع “آخر” على عجل، انه اللاجئ السوري، هذا الذي يستوطن في بلادنا وكأننا لم نرسل له مئات الاف المقاتلين، على دفعات وخلال اكثر من خمسة اعوام، لتدمير بلاده وقتل اقاربه، وقبضنا اكثر من ثلاثة مليارات من الدولارات ثمنا لوجوده عندنا.

الـ”اخر” هو سبب بلائنا، وهي ليست المرة الأولى التي يرفع بها لبنانيون هذا الشعار، المرة الماضية اوصلنا هذا الشعار إلى حرب اهلية، وغطى الصراع الداخلي بصخبه واسس لوطنية فاشية استطالت حتى نهاية الحرب، وما لبثت ان عاودت الظهور اليوم، ولكن مع تغيير اسم الاخر، من اللاجئ الفلسطيني، الذي تحول مقاوما، إلى اللاجئ السوري الذي يتم سحقه تحت احذية جنود مسحوقين في يوميات الحياة المحلية.

هذا الحل الوحيد للعجز القاتل للدولة الفاشلة، القاء اللوم على اخر، غريب، اجنبي، تحميله كل اوزارنا، وعلل الفشل الكامل لخدمات الدولة، واجهزتها، وتوجيه الانظار نحوه، بينما هناك من يفرغ جيوبنا من مواردها، ويكم افواهنا، ويمنعنا من الاعتراض وجعا.

وفوق ذلك هناك من يطالب بسجن المعترضين او رحيلهم من البلاد. والحل الأخير يحفظ بعض الانسانية فينا، ويقينا الانحدار الى موافقة مضمرة على عته يزداد انتشارا بين ابناء جلدتنا.

غدا (الأثنين في العاشر من شهر تموز لعام ٢٠١٧) سأمثل أمام التحقيق، في قضية لم ابلغ بمضمونها رسمياً بعد، الا انها ولا شك جزء من جو عام بات ينتشر ويطالب بمنع الاعتراض، ومنعنا من اطلاق الزفير الأخير في هذه البلاد التي تختنق بازماتها.

السابق
محفوض لـ«جنوبية»: كيف يقبل باسيل الحصول على نقيب مسيحي بأصوات الشيعة؟
التالي
ويلٌ لمن يتعرض للذات الباسيلية: فداء عيتاني أنموذجاً!