«حزب الله» يُعادل «شهادات الحياة» .. بـ«شهادة وفاة»

صدرت نتائج إمتحانات الشهادة الثانوية العامة أمس، وكان من المُفترض أن يتسلّمها الشاب محمد حسين الهق، وهي أمنية لطالما حلم بالحصول عليها كونها الباب الأوحد للعبور من خلاله نحو تحصيل علمه الجامعي ضمن مجموعة خيارات علمية كان يضعها نصب عينيه ونزولاً عند رغبة والديه. لكن وعند عتبة تحقيق هذه الأمنية، كان لـ «حزب الله» رأي آخر حيث قرر أن يُرسله إلى الموت وأن «يزف» لوالديه خبر مقتله في سوريا وتحديد موعد تشييعه في اليوم نفسه الذي كان يجب أن يتسلّم فيه الشهادة بتقدير جيد.

من لم يستطع حماية عناصره في سوريا من الموت من بينهم صغار السن لا تتجاوز أعمارهم السادسة عشرة، كيف له أن يُفرط في الدعوات إلى عودة النازحين السوريين إلى ديارهم على الرغم من أنها عودة محفوفة بالأخطار كونها تهدد حياتهم وتجعلهم عرضة لكافة أنواع الإجرام على يد النظام السوري؟. ومن يُشيع داخل بيئته «النصر» سرّاً وجهاراً ويذهب في تعاميه عن الحقائق إلى حد تحديد مستقبل الحرب السورية، كيف له أن يُرسل الأطفال إلى حرب عجز الكبار فيها عن تحقيق الإنتصارات وهم مستمرون في عجزهم هذا، منذ ست سنوات؟.

أربع وعشرون ساعة، كانت زمناً كافياً ليُعلن فيه «حزب الله» عن خسارته خمسة عناصر في سوريا. هم عناصر جدد يسقطون على «طريق القدس» حتّى ولو ضلت قيادتهم الطريق واتجهت نحو العمق السوري. خمسة عناصر جدد يتحولون إلى عناوين تتصدر واجهة الاعلام ويصبحون هم الخبر على مسافة قريبة من وعود قادتهم بزف أخبار «النصر» قريباً من وراء الحدود المسكونة بزحمة الموت وتوزيع الأمنيات الأخيرة على جبهات لا تعرف للعودة عنواناً ولا طريقاً، وكل من يسلكها مفقود..مفقود.

ابراهيم حيدر جوني من الغازية، كريم كرم كريم من شقرا، محمد حسين علي الهق من الكواخ في الهرمل، علي طالب منون من خربة سلم وابن الستة عشر عاماً حسن ابو حمدان من تعلبايا البقاعية وهو يُعتبر من اصغر عناصر «حزب الله» الذين سقطوا حتى اليوم في سوريا. والخسارة هذه التي بكل تأكيد لن تكون الأخيرة للحزب، تكشف بشكل كبير حجم المأزق الذي يُعاني منه الحزب في سوريا ويعكس حالة الارباك الذي يُصيبه هناك بفعل مجموعة الانتكاسات التي يتعرض لها، بدءاً من الأزمة المالية مروراً بالإرتهان لقرارات «الحرس الثوري الايراني» وانخراطه بمشاريعه العدائية والتوسعية في المنطقة، ووصولاً إلى حالة التفلت التي أصابت صفوف عناصره في سوريا خلال الفترة الاخيرة بعدما كثر سقوط زملاء لهم في مدن وبلدات، لم تكن مُدرجة على لا خريطة تدخلهم العسكري بحيث كان يتم نقل العناصر اليها بشكل مُفاجئ، وذلك على غرار ما حصل مع العنصر حمدان الذي كشفت المعلومات أنه جرى استدعاؤه من لبنان ليخدم في منطقة «الزبداني» كونها تُعتبر آمنة نوعاً ما، خصوصاً بعد أن «تحررت»، لكن الأنباء أمس، تحدثت عن سقوطه أثناء مشاركته في معارك مدينة تدمر.

الحرب التي فرضها «حزب الله» على بيئته حوّلت الطفولة إلى لاعب أساسي فيها، بعدما زرع بداخلها حب الانتقام من عدو أوجده هو وعمل على تنمية الكره والحقد بداخله من خلال دعمه للظالم في وجه المظلوم. والطفل ابو حمدان من بين مجموعة عناصر كانوا قد سقطوا خلال أقل من أسبوع فاق عددهم العشرين. لكن الأمر لا يحمل أهمية بالغة لدى الحزب سواء كان أبو حمدان هو الطفل الخامس الذي يسقط له في سوريا أو حامل الرقم مئة، فالمهم بالنسبة اليه، أن هؤلاء الأطفال يحملون عقيدة موت زُرعت باكراً في عقولهم، وربما قد ازدادوا تطرفاً بعد مقتل أقارب وأصدقاء لهم. والأهم أن الموت أو «الشهادة»، تحوّلت إلى جزء أساسي من حياة بيئة الحزب، وها هي صورة الطفل الذي تم تداول صورته منذ فترة في وسائل الإعلام وهو يُمسك بنعش شقيقه الذي قُتل في سوريا، ما زالت ماثلة في الأذهان على النحو الذي خطط «حزب الله» له داخل بيئته المنكوبة بأبنائها.

أطفال بعمر الورود إمّا يموتون دفاعاً عن «قضية»، وإمّا يرثون أقارب لهم، فيبكونهم بألم ويُعبّرون عن حزنهم بدموع تحبس الأنفاس. مشاهد باتت ظاهرة تتكرّر على الدوام في قرى وبلدات لبنانيّة. طفولة سُرقت منها براءتها وجرت «برمجتها» على تقبّل الموت وكأنّه تُراث يُفاخر به. أطفال يتم العمل على أدلجتهم ليتدرّجوا لاحقاً في الصفوف القتاليّة، مرّة عبر تسليمهم بزّة الوالد القتيل وبندقيّته وكأنّه إرث مكتوب عليهم، ومرّات عبر زرع صورة الموت في عقولهم من خلال قصص وروايات خياليّة الهدف منها جعل هؤلاء الأطفال على تماس مع القتل والإقبال على فكرة «الاستشهاد» عوضاً عن التوجّه إلى التحصيل العلمي والتمتع بحياة تليق بهم وبأحلامهم.

إقرأ أيضاً: مقاتل حزب الله الشاب سقط أمس في سوريا ونجح اليوم في الشهادة!

من المعروف أنه وبحسب منظومة «حزب الله» الفكرية والعقائدية، هناك إستراتيجية واضحة تقوم على تطويع الكبار وإخضاعهم لمنطق «الخوف» من الغير والبقاء على أهبة الإستعداد. كما تقوم الإستراتيجية على «أدلجة» صغار السن ضمن منظومة كشفيّة عقائدية تتباهى بولائها الكامل لـ «الولي الفقيه» وأحكامه. حتّى أن صغاراً في كشّافة الحزب لم يتجاوزوا سنّ الخامسة أو السادسة، بدأت تُطبّق عليهم أحكام المُكلّف لدرجة أن من بينهم من «يفتخر» أمام رفاقه أو أقاربه بأنه «إذا طلب منّي السيّد القائد رمي نفسي من على سطح المبنى، فلن أتأخّر». وفي هذه المنظومة أيضاً، لا مجال للإعتراض على الأحكام أو «التكليف» تماماً كما هو الحال لدى أنظمة «البعث». وقد ازداد التشديد على هذا الأمر في الفترة الأخيرة، في ظل التراجع الملحوظ الذي يشهده الحزب في عمليّة استقطاب العناصر الجديدة أو اقناع الشبان بالإنضمام اليه. ومن هنا كان لا بد من التركيز على أصحاب الأعمار الصغيرة من خلال اللعب على الوتر المذهبي ضمن حلقات دينيّة أو من خلال تقديم الدعم المعنوي مثل منح البطاقات الحزبيّة بالإضافة إلى بعض المغريات الماديّة والمساعدات الشهريّة..

السابق
بالفيديو: السيد سامي خضرا يدعو المرأة إلى استبدال صورتها فيسبوك بصورة شجرة!
التالي
«المستقبل» رفع الغطاء… فدَهم الجيش المخيم وقضى نازحون في السجن