ضرورة تحديث الخطاب الديني

إن تحديث الخطاب الديني لا يعني نفياً للدين أو تحويره ولا الاصطفاء منه، وإنما تنزيهه عن أغراض السياسة، والمصالح الخاصة والأهواء والعصبيات، وتحريره من الاستغلال، البشري - السلطوي، كي يبقى في دائرة المقدس.

إن تحديث الخطاب الديني يعني إصلاح أحوال الناس، الذين يحملون الدين ويطبعونه بطابعهم، ما يحرر الدين من الموروث، ويخضع التجربة البشرية التاريخية للفحص والنقد والمساءلة، بهدف تحرير عقول البشر، وتحررهم عموماً.
وإن المشكلة التي تواجه الإسلام كدين، والمسلمون كأمة، لا بد لها من وقفة جادة تعالج أسس الأزمة ولا تراوغ حولها. فالخطاب المتطرف ليس هو وحده أساس المشكلة. بل إن التعاليم المتوارثة في الكتب الموروثه هي الأساس الأقوى، الذي يمكن لها أن يفجر موجات إرهاب وتعصب تجرف أي خطاب معتدل في طريقها.

اقرأ أيضاً: «رجل الدين» مصطلح دخيل على الإسلام

إن ثقافة الكراهية وتمجيد سفك الدماء باسم الدفاع عن كلمة الله، لا يخلو منها كتاب تفسير أو حديث أو سيرة نبوية. فإذا توفرت لدينا الشجاعة لنعيد النظر في ما ندرسه وندرّسه لأبناء الإسلام، فعندئذ فقط نتمكن من أن نعيد الإسلام والمسلمين إلى مواكبة العصر وأفكاره. بغير هذا سنبقى ندور في فلك الإنكار الأجوف لكل أصول التطرف المبثوثة في كتبنا وثقافتنا، التي تغذي داعش وأمثالها من حركات التكفير والقتل.
إن النص المقدس يعالجه ما هو مقدس، ألا وهو العقل البشري، الذي يعد أثمن هبة إلهية للإنسان. ولذلك ينبغي أن نفهم النص وفق ما يقرره لنا العقل المشبع بالعلم، والغني بتجارب البشرية من حروب ودماء ومآسٍ، بدلاً من التمسك ببدائية فكرية بحرفية النصوص خصوصاً أن القدماء قالوا إن القرآن حمال أوجه.


وإذا كنت مؤمناً بالعقل وليس بالوراثة فقط، فلا مناص من أن تؤمن أن إرادة الله قضت بهذا التغيير والتبدل في الحياة. وهذا أقوى من أي نص وأرسخ من أي حجج قد يسوقها رجل دين توفاه الله منذ قرون في بيئة كانت لا ترى غضاضة في الجلد والبتر واقتناء العبيد والجواري.
إن المشكلة الأخرى هنا تكمن في جمود العقل العربي عندما يصل الأمر إلى الدين. فالعرب قوم ماضويون وتفسيراتهم لا تزال تدور في أجواء قريش ويثرب، وفي ثنائية الحق والباطل، والمؤمنين والكافرين. بينما الدنيا الآن تضج بالألوان وقد غادرت عالم الأبيض والأسود منذ زمن بعيد.

اقرأ أيضاً: بين سندان الحاكم ومطرقة الفقيه

إن في الدين الإسلامي الكثير من السماحة، التي لو تم تفعيلها وتقييد نصوصها بأزمان الدعوة الأولى لحُلّ كثير من التناقض الذي نقع فيه اليوم بين الممارسة والنص.
إن أثمن خدمة يمكن لرجال الدين أن يسدوها للإسلام هي تدارك التصادم الحتمي بينه وبين ركب البشرية، إن هو بقي على مساره التقليدي العتيق. وإنه لمن الواضح أن هذا التصادم قد بدأ بالفعل، ومن يدفع ثمنه هم المسلمون العاديون الذين لا يبغون من وراء تدينهم سوى بناء حياة روحية آمنة لهم ولأولادهم.

السابق
بالفيديو: ترامب في موقف محرج مع زوجة الرئيس البولندي
التالي
التسوق عبر الانترنت في لبنان: نعمة ونقمة!