«تاء التأنيث» في مجتمع ذكوري

جاء في حديث رواه البخاري عن أبي بكر: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة". ولكنني أقول: "لن يكون هناك حياة من دون إمرأة والمرأة هي نصف المجتمع".

المرأة التي يخاف منها مجتمعنا الشرقي “الذكوري” هي “الأم تريزا” التي وقفت إلى جانب كل مظلوم ومضطهد في هذا العالم، و”الأميرة ديانا” التي أفنت حياتها خدمة للمجتمع والعمل الإنساني، و”بناظير بوتو” التي تمردت في مجتمع شرقي وأصبحت أول إمرأة تستطيع أن تحكم دولة إسلامية، و”أنجيلا ميركل” التي استطاعت أن تحكم أهم دولة صناعية وعلمية في العالم وتنهض بها إلى أعلى المستويات، و”روزا باركس” التي أشعلت فتيل ثورة المساواة بين البيض والسود داخل الولايات المتحدة الأميركية وكانت أول إمرأة تتجرأ على رفع الصوت والمطالبة بحقوق الإنسان.

اقرأ أيضاً: المرأة اللبنانية كادحة وليست مبتذلة يا صنّاع المسلسلات

المرأة التي استطاعت أن تحكم أهم دول العالم وترفع الصوت بوجه الظلم وتشعل الثورات، بالتأكيد ليست بناقصة عقل ولا تقل عن الرجل. ولكن المشكلة ليست بكونكِ إمرأة أو بكونكَ رجل، المشكلة وللأسف تكمن في مجتمعنا الناقص المبني على الغرائز وليس على العقل، هذا المجتمع الذي يرى في الرجل الكمال المطلق ويفرض عليه أن يكون وصياً على المرأة وأن يصونها.
مجتمعنا لن يتقدم، لا والله لن يتقدم! ما دمنا لم نتخطى مرحلة التمييز بين الرجل والمرأة بعد، وما زلنا قابعين في آتون الماضي والجاهلية. إن المجتمعات الشرقية التي تفرض على المرأة الحجاب، وتقيد حريتها، وتمنعها من قيادة السيارة ومن الإلتحاق ببعض الوظائف الرسمية إذا كانت متزوجة على سبيل المثال مثل “الوظيفة الدبلوماسية”، وتنظر إليها نظرة دونية، هذه المجتمعات لن تتطور لأنها قابعة في غياهيب الجاهلية.


أنا اللبناني المشرقي العربي، أقف إلى جانب المرأة المشرقية المضطهدة في مجتمع جاهل ومجنون، غير قادر على الخروج من أساطير وخرافات الماضي ومن الأمجاد الذكورية الباطلة. حديثنا عن ذكر وأنثى بحد ذاته جهل وتخلف، لأن المجتمعات المتطورة لم تعد تفكر بهذا الموضوع ووضعت هذه مسألة في سلة المهملات واستبدلتها بالحرية والمساواة.
ولكن لماذا يقبل الرجل المشرقي العيش في ظل دول ولّت أمرها لإمرأة عندما يهاجر؟ أوليس هذا الفعل مخالف لمنهجه ومنطقه؟
لقد نعتكن المجتمع بأبشع الصفات وقالوا بأنكن نافصات عقول، ألم يحن الوقت لقلب الطاولة وتغيير الوضع؟ ألم يحن الوقت لتعم المساواة جميع أرجاء العالم، فهل من المقبول أن تكون المرأة مساوية للرجل في بعض الدول المتطورة ومقهورة في دول أخرى؟
أنا لا أؤمن بنظرية التغيير التدريجي، فإما أن يكون تغييراً كاملاً شاملاً دفعة واحدة أو لا تغيير، فالقوي يأكل الضعيف والقوي اليوم في مجتمعنا هو الرجل. بكم من جرائم القتل يجب أن نسمع بعد كي يصحى الضمير، وبكم قضية تعنيف، وبكم حالة غبن وانتقاص من الحقوق نريد كي نتحرك.
في بلدنا العزيز لبنان، الوضع لا يختلف كثيراً عن باقي دول المشرق، هذا البلد الذي يتغنى بالحرية وحقوق الإنسان لا يزال يفصل بين كلمة رجل وإمرأة، ولا تزال أغلبية الصلاحيات داخله بيد الرجل، فهو الآمر الناهي على صعيد الأسرة أو العمل أو السياسة أو الحكم. وهذا ينطبق أيضاً على المرأة الأجنبية العاملة في لبنان والتي تعامل بطريقة دونية. فهل يعقل أن يكون في بلد ينعت نفسه بالديمقراطية وحقوق الإنسان مثل لبنان، حكومة لا تضم إلا إمراة واحدة، ومجلس نيابي بأغلبية ساحقة من الرجال.
بالرغم من هذه الصورة السوداوية إلا أنه يوجد أمل من خلال بعض الشخصيات الفاعلة في ميدان حقوق المرأة وعلى رأسهم السيدة “كلودين عون روكز” رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، والسيد “جان أوغاسبيان” وزير الدولة لشؤون المرأة، و”الأميرة حياة إرسلان” التي تعتبر رمزاً للنضال الوطني والدفاع عن حقوق المرأة اللبنانية والتاريخ يشهد، ويجب أن لا ننسى السيدة “ليلى الصلح حمادة” (وزيرة سابقة) والتي تعتبر علامة فارقة على الصعيدين الوطني والدولي، فهي رجالات في إمرأة.. واللائحة تطول.

اقرأ أيضاً: رغم الحريات.. المرأة اللبنانية خاضعة للتمييز بكلّ أشكاله

العمل جيد ومقبول في ميدان حقوق المرأة مقارنة بباقي الدول العربية، إلا أن هذا العمل من الصعب أن يثمر أو أنه من الممكن أن يعطي ثماره على المدى البعيد، لذلك يجب إعادة فتح هذا الملف بجدية والعمل عليه بوتيرة أسرع من أجل إنصاف المرأة اللبنانية والمشرقية ولو بالقليل.

السابق
منازلها أعشاش الفينيق قرى تتكرر مكاناً وزماناً وأهلاً
التالي
عن السلسلة «المنسيّة» ولبنان «النظيف» من الفساد!