إلغاء المجتمعات باسم حركة أمل وحزب الله والبوركيني

تحول الجدل حول دعوة سيدة لبنانية ترتدي البوركيني إلى الالتزام بقوانين المنتجع السياحي، إلى قضية عامة تسلط الضوء على التطورات التي طرأت على عقلية المجتمع اللبناني وكيف أثرت المتغيرات السياسية وموجة الإسلامي السياسي، بشقيه السني والشيعي، في ممارساته التي لا ترى إشكالا في خرق القانون وقد يصل الأمر بالبعض لاستعمال السلاح من أجل رغبة شخصية.

انفجر جدل واسع في لبنان على خلفية منع سيدة ترتدي لباس البحر الإسلامي (البوركيني) من ارتياد الشاطئ في منتجع سياحي في طرابلس.

كانت حجة المنع أن البوركيني الذي ترتديه يخالف القوانين العامة للمنتجع، وأن بإمكانها السباحة في القسم الداخلي المخصص للمحجبات.

حرصت السيدة نورا الزعيم على تحويل الموضوع إلى قضية وشنّت عبر صفحتها على موقع فيسبوك حملة على المنتجع طلبت فيها من المتابعين الدخول إلى الموقع الرسمي للمنتجع وكتابة تعليقات سيئة.

واعتبرت أن موقف إدارة المنتجع ينطوي على قدر كبير من التعصب، وأنها لم تكن قادرة على تخيل أن أحدا يمكن أن يمنعها من النزول إلى الشاطئ بسبب حجابها.

اقرأ أيضاً : بعد صورها بالحجاب.. ليندسي لوهان بالـ«بوركيني»

سيطر السجال البوركيني على المشهد الإعلامي العام في البلد بشكل طغى على سائر المواضيع الأخرى، وكان لافتا أن العنوان الرئيسي لأحد الجرائد اللبنانية الموالية لحزب الله اتخذت منه عنوانا رئيسيا.

وبالتزامن مع التفاعل العام مع هذه الحادثة ظهر فيديو يوثق الهجوم المباشر من قبل أحد المسؤولين عن إنشاء مشروع سياحي يقام على مقربة من محمية المنصوري الطبيعية للسلاحف البحرية على مصور فريق عمل قناة المؤسسة اللبنانية للإرسال سمير بيتموني بشكل عنيف.

عمد الحارس، الذي لم تعرف صفته، إلى لكم المصور وإطلاق عبارات نابية بحق فريق العمل في الوقت الذي كانت فيه مراسلة القناة صبحية نجار تحرص على تصوير المشهد وتطلق في الآن نفسه صيحات رعب خوفا من وجود سلاح مع المعتدي.

كان لافتا أن المعتدي أعلن بوضوح أنه يستطيع فعل ما يشاء باسم حركة أمل وحزب الله. وقال صراحة إنه يستطيع أن يقتل دون أن يرفّ له جفن. ووثّق الفيديو هذا الكلام.

تعامل الرأي العام اللبناني مع هذه القضية باستخفاف لافت وكأنّ الاعتداء على الإعلاميين بات في حكم العادة اليومية. لم تخرج التعليقات عن إطار التعاطف الخاص والتهنئة على السلامة بشكل يوحي بأن هذا الواقع ليس فعلا واضح الانتساب إلى جهات حزبية مشاركة في الحكومة اللبنانية بل بمثابة الكارثة الطبيعية أو القضاء والقدر.

يكشف هذا المنطق عن اختلاف في النظر إلى الأمور انطلاقا من المكان الذي تحدث فيه.

السيدة نورا الزعيم لم تنكر أن مدير المنتجع قال لها إثر تهديدها بنشر ما حدث إن ذلك من حقّها، معتبرة اعترافه بهذا الحق نوعا من الاستخفاف في التعامل مع موضوع لا يجب أن يكون مادة للنقاش. إذن كان التهديد بتحويل المسألة إلى نقاش طريقة خاصة لإغلاق النقاش انطلاقا من توصيف مسبق يخرج المسألة برمتها من دائرة القابلية للتداول.

وتختلف المقاربة تماما حين ندخل في عمق جغرافيا حزب الله في منطقة صور فلا مجال أساسا للنقاش، وهو ما يثبته واقع مبادرة المهاجم إلى الاعتداء المباشر على المصور رافضا الاستماع لتبريره لسبب وجوده في هذا المكان.

يلغي النطق باسم حركة أمل وحزب الله إمكانية انتساب الجغرافيا إلى القانون، وينسبها مباشرة إلى حيز المقدس ما يجعل من تسليط الضوء عليها نوعا من التدنيس الذي يستوجب القتل.

وتدل الألفة الواضحة للتهديد بالقتل كما عبر عنها المعتدي بوضوح أن هذا الموضوع بات عنوان العلاقة التي تربط المنتمين إلى هذه الفئة بالآخرين وبالوجود، بمعنى أنه بات أسلوب عيش.

الأخطر في كل هذا الجو هو أن السيدة بطلة حادثة البوركيني سعت إلى إخراج الأمر من دائرة الشخصي وتحويله إلى مشكلة مع إسلام جعلت نفسها ناطقة باسمه وأزمة مع المقدّس تستوجب إقفال أيّ نقاش.

يستدعي هذا المنطق صيغة سحرية حربية موازية لصيغة أمل وحزب الله التي يعلن مستعملها أنه قد بات في عهدة مقدس مسوّر بالدماء والقتل. تاليا انفتح النقاش لأن هناك إسلاما جريحا غير منتصر ولم يستطع بعد أن يفرض حدوده.

أساسا لم يكن النقاش الذي حرصت السيدة على فتحه سوى وسيلة للانتقام كما أعلنت، وبذلك فإن النزوع الحربي كان كامنا فيه. ويحرمه هذا الأمر من أن يكون نقاشا فعليا ويحوله إلى نوع من الاستفتاء الذي يقام على طريقة الأنظمة الدكتاتورية حين تنحصر الخيارات في خانة الموافق أو خانة الخائن والعميل التي تتحول في الحالة البوركينية إلى خانة الكافر.

المشترك بين ما جرى في منتج طرابلس والاعتداء على فريق المؤسسة اللبنانية للإرسال يكمن في أن كلاّ من الظاهرتين تنطوي على أشرس تجليات حضور الإسلام السياسي في الحياة العامة، ويكشف عن الخطر العميق الذي يمثله هذا الحضور على فكرة المجتمع ككل، إضافة إلى حرصه على تدمير بنية القانون وحكم الدولة والمؤسسات.

السيدة التي ارتدت البوركيني وأرادت أن تسبح في مكان غير مخصص للمحجبات ترفض القانون حكما وكذلك يفعل المعتدي على المصور، وكلاهما يتذرع بمقدس ما لطالما كان الوسيلة الأمثل التي ينتهجها الإسلام السياسي لتفكيك بنية المجتمعات.

لم تكن المشكلة في حالة السيدة هي المنع من السباحة بسبب البوركيني حيث توجد قاعة مخصصة لذلك ولكن في أنها تريد فرض هذا النموذج الشكلي في باحة سباحة عامة مشتركة ترتدي النساء فيها المايوه.

ما تريده إذن ليس التفاهم والانسجام مع المحيط بل اختراقه ولو بشكل رمزي، يجعل من سباحتها بالبوركيني فعل مواجهة لمرتديات المايوه وإدانة رمزية لهن.

اقرأ أيضاً : بيان يدعو إلى مقاطعة «الجديد» والسبب.. الحجاب!

الخلاصة تقول إنه لا وجود للعام في المنطق الذي تعبّر عنه السيدة نورا، وهي تدرك على الأرجح أن مثولها في هذا المكان العام يحرمه من عموميته ويحوله إلى مكان خاص خاضع لأحكام لا يمكن أن تكون مشتركة.

العداء لفكرة العام والمشترك هو البنية العميقة التي توحّد بين فعل إغلاق بركة السباحة على رمزية البوركيني المقفلة ومنع التعاطي مع الشاطئ البحري بوصفه مكانا عاما.

وتشكل هذه الفكرة عماد إستراتيجية الإسلام السياسي الذي يعمل على إقناع الأفراد بأنهم جزء من جماعة لا تعترف بأيّ حدود وأن سلوكاتهم تنطق باسم هذه الجماعة. وهكذا تصبح الأوطان ملتبسة على الدوام وبحاجة إلى عمليات تصحيحية، تتخذ في حالة انعدام القدرة على الفرض بالقوة صيغة رمزية كما في حالة البوركيني، أو تظهر عارية ومباشرة كما في حالة الناطق باسم أمل وحزب الله.

السابق
جريمة احتيال لصالح الأسد بطلها روسي قتل مسموماً!
التالي
الملك سلمان يوقف كاتباً سعودياً شبهه بالله!