نعمة محفوض: خطيئة الحنجرة

لقد وضعتم أيديكم على كل شيء، على الحجر والبشر، على الماضي والحاضر والمستقبل. فماذا تريدون بعد؟

هل ضاقت في عيونكم هيئة تنسيق نقابية ورابطة تعليم ثانوي ونقابة معلمين؟ هل حنا غريب ونعمة محفوض هما سبب شقائكم وتعاستكم ومديونيتكم، ويهددان الأمن الغذائي والاستقرار الأمني والنظام السياسي والمصرفي؟

هل تتضايقون الى هذا الحدّ من الأصوات العالية والحناجر الصافية التي لا تنفع معها كواتم المال والسلطة؟

هل يضايقكم أن يطالب صاحب الحقّ بحقه، وأن يذكّركم بشعبكم وناسكم الذين وصلتم الى ما وصلتم إليه على أكتافهم؟

بمَ يضايقكم نعمة محفوض وأشباه نعمة محفوض ممن “يبقّون الدم” ليعلّموا ويربوا أولادكم وجماهيركم وطوائفكم ومحازبيكم ويعرّفوا أجيالكم إلى تاريخ بلادكم؟!

ألا تعرفون أنّ المعلمين هم الذين حافظوا على مفهوم الدولة والوطن إبان نزاعاتكم ورهاناتكم وحروبكم؟

هل يضايقكم نعمة محفوض وأشباهه الذين يطالبون بالعيش الكريم واللقمة النظيفة وبالحقوق المكتسبة التي أنتم تعدونهم بها في كل موسم إنتخابي أو في سبيل “التمريك” بعضكم على بعضكم الىخر؟

هل تعرفون أنّ معاشاتهم على مدار السنة لا توازي ثمن مأدبة من مآدبكم العامرة أو تكلفة عرس من أعراسكم الاسطورية أو عيد من أعياد ميلادكم أو ميلاد أحد أطفالكم وأحفادكم، أو ثوب من أثواب مناسباتكم، أو سيارة من سياراتكم الفخمة أو فاتورة مطعم من فواتير “ضهراتكم”؟

هل يزعجكم نعمة محفوض المتحدث باسم هؤلاء الذين “يبقّون الدم” والليرات التي يحصلون عليها بشق النفس بعد إسترضاء “الريّس” و”الريّسة” والمدير والمديرة وأصحاب النفوذ من السماسرة وتجار الوساطات، تتبخر فور ملامستها جيوبهم.

هل أزعجتكم معاشات المتواضعة التي لا تكاد تكفي فواتير الكهرباء والمياه والهاتف، وفواتير صيانة “العتايق” في منازلهم من دون إحتساب فواتير الطبابة والتعليم والمأكل والمشرب والمسكن، مع أنّهم حذفوا من قواميسهم السهرات وثيابها و”الجخ” و”شم الهوا” وهوايات البحر و”الجيم” والثلج والإجازات في المنتجعات في الداخل والخارج.

هل يزعجكم النقابيون الذين لا يساومون ولا يرتشون ولا يبيعون ولا يُشترون ولا يؤجرون أقلامهم وحناجرهم وتواقيعهم في أسواق النخاسة والبلاطات المستحدثة؟

سمعناكم تتحدثون عن المسائل التي “تهم اللبنانيين”، وعن العدالة والحريّة والتغيير والنهوض والحدّ من الهجرة الى الخارج، فهل طارت كل هذه الشعارات وأنتم تقتربون من سلسلة الرتب والرواتب التي تجرجرون فيها منذ سنين، فهل حان الوقت للتخلص من أصوات الشرفاء والأنقياء المطالبين بحقوق المعلمين والمتقاعدين الذين أكلتم أعمارهم وأتعابهم وهم يرممون ما اقترفته أياديكم من خطايا وموبقات تصبّ كلها في مدارسهم؟

كل تصريح من تصريحاتكم كان يمحو سنوات من التربية والتعب ويترك من الاضرار ما لا يحصى، وكل حرب من حروبكم كلفتهم سنوات من النضال لإقناع الاجيال بالعيش معاً.

هل تسعفكم الذاكرة وتتذكرون الدور التاريخي الذي لعبته هيئة التنسيق النقابية في توحيد البلاد يوم كان كل واحد يحمل سكيناً ويقتطع منه قطعة له؟

هنا أسأل المعلمين: الى جانب من تقفون؟ أالى جانب الجلاد أم الضحية؟

هل تقفون الى جانب “الريّس” أو “الريّسة” و”المدير” و”المديرة” و”ربّ العمل” والطبقة السياسية، أم الى جانب من بحّ صوته في الدفاع عن حقوقكم؟

إقرأ أيضاً: محفوض لـ(جنوبية): السلسلة ان اقرت كما هي سنبقى في الشارع

أتقفون الى جانب من يأكل حقوقكم أم الى جانب من لم يخنكم ولم يخُن قضاياكم على رغم كل الاغراءات التي قُدّمت له؟

الى المعلمين: كونوا أحراراً، لأن الأتباع لا يستطيعون تربية جيل أحرار، والظهور في صورة مع مناضل نقابي حرّ أجمل بكثير من الظهور في صورة مع أصحاب النفوذ.

والى من يديرون شؤوننا: لقد أخذتم كل شيء ووضعتم أيديكم على كل شيء حتى الاوكيسجين، ألا تكتفون؟ ألا تشبعون؟ ألا تتعبون؟

أتركوا نعمة محفوض، وأتركوا المعلمين ليختاروا ممثليهم وهم يحاسبونهم إن قصّروا.

إن إجماعكم على إزاحة نعمة محفوض هو شهادة على إستقلاليته وإخلاصه للقضية التي انتُدب لأجلها، ودليل خوف من أن يكون للمعلمين سهم ولو صغير في هذه الشركة المساهمة الكبيرة التي تديرونها بإسم الوطن.

إقرأ أيضاً: نعمة محفوض لـ«جنوبية»: التصعيد خيارنا في حال عدم إقرار السلسلة

والى المعلمين الذين نزلوا الى الساحات في الحرّ وتحت المطر للمطالبة بكرامتهم وحقوقهم، لا تتخاذلوا، بل أعطوا درساً لسائر هيئات المجتمع المدني في الدفاع عن إستقلالية قراركم والمستقبل الوطني الذي تطمحون إليه .

وتساءلوا: أيّ سرّ يجمع كل هذه الاضداد في وجه كل طالب حقّ وكل من لا يتحرك “غبّ الطلب”؟ وأيّ سرّ يجمع أهل الدين والدنيا في وجه معلم لا يملك غير الحبر والقلم والحلم بغدٍ أفضل ومعاش آخر الشهر!

وما من دولة في العالم تتمرجل على متقاعديها إلّا في لبنان، وقد كان الحديث منذ فترة عن إنتفاضة الأوادم ضد السلاح المتفلت، وهل من سلاح أشدّ فتكاً من محاربة الناس في لقمة عيشهم وحريّة خيارهم.

فهلاّ تنتفضون؟

السابق
ظاهرة التعديّ على المشاعات.. برعاية نواب الثنائيّة الشيعيّة
التالي
وزير التربية يعلن نسبة النجاح في البريفيه