محمد بن سلمان وليا للعهد: شباب السعودية وترهل لبنان

يغري تعيين الأمير محمد بن سلمان في منصب ولي العهد السعودي بعقد مقارنة بين المنطق السعودي الجديد والمنطق اللبناني الذي لا يزال غارقا في دهاليز حرب أهلية لا يراد لها أن تنتهي أبدا.

تميل القراءات اللبنانية التي ظهرت بعد شيوع هذا الخبر إلى تكرار لازمة الشخصنة، والنظر إلى إعفاء الأمير محمد بن نايف من منصب ولي العهد بوصفه هزيمة لتيار ما وتكريسا لانتصار تيار آخر.

لا يريد اللبنانيون تلمس معالم التحديث الواضحة في التفكير السعودي وفي طريقة مقاربة الأمور ومعالجة الملفات، فالمستجد الشديد الوضوح والذي يحكم مسارات السياسة السعودية في هذه الفترة، إنما يعلن قبل كل شيء عن موت الشخصنة وولادة زمن المشاريع.

اقرأ أيضاً : لهذا يهدد محمد بن سلمان بنقل المعركة الى داخل ايران

يعني هذا التوجه أن تعيين الأمير محمد بن سلمان في منصب ولي العهد يعود بشكل أساسي إلى أنه الرجل- المشروع المناسب في هذه اللحظة، وأنه منسجم مع بنية مؤسساتية تعمل الإدارة السعودية على تحويلها إلى الناظم الأعلى لحراكها على المستويات كافة.

ولعل معالم اتصال موقع الأمير محمد بن سلمان بالدور الذي تسعى السعودية إلى تكريسه في المنطقة والعالم يكشف عن الأولوية المطلقة التي توليها السعودية في هذه الفترة لمشروع تطوير قدرتها الذاتية من خلال تنويع الموارد الاقتصادية، وتحديث القطاعات المنتجة، وتفعيل حضور الشباب في الحياة العامة وفي المواقع الإدارية.

تبني السعودية نظام أحلاف وعداوات انطلاقا من مفهوم “السعودية أولا” ما يعني ببساطة أن استثماراتها في كل هذه الفترة ستكون في ذاتها وفي مواردها البشرية بشكل خاص قبل كل شيء، ما يفرض على كل المتعاملين معها البحث عن سياسة تتلاءم مع هذا التوجه، أو الخروج من دائرة العلاقة.

انتبهت السعودية إلى القوة الهائلة التي تملكها وحرصت على وضع جل جهدها وقدراتها في خدمتها، وهذه القوة ليست النفط كما يتبادر إلى الذهن مباشرة، بل الشباب الذين تتمثل أهميتهم الكبرى في المشهد السعودي الجديد في رمزية تعيين الأمير محمد بن سلمان الذي لا يتجاوز عمره 32 عاما في مثل هذا المنصب الشديد الأهمية.

ما ينظر إليه اللبنانيون على أنه تموضعات وتحولات هو في الحقيقة عملية إعادة إنتاج كاملة، من شأنها أن توسع التباعد بين ما يفرزه المشهد اللبناني في هذه الفترة ومآلات المشهد السعودي.

في مقابل صعود الشباب إلى واجهة المشهد في السعودية يسجل لبنان قمعا عنيفا لحضور الشباب ودورهم. تتكرس في أذهان العالم بأسره صورة شباب لبنانيين يسحلون على أرصفة المدينة على أيدي عناصر أمنية، أو يقتلون في الطرقات بالسلاح المتفلت من عقاله، أو ينتحرون يأسا، أو يعودون من مغامرات المشاركة الإلهية في حروب المنطقة في صناديق خشبية.

تعمل الآلة السلطوية في لبنان على تحويل الشباب إلى أزمة بغية استمرار تناسل تأسيس السلطة في لبنان على معادلات الحرب، وما نتج بعدها من سلم بائس كرس قدرية المشاكل واستحالة الحلول، وأبدية سيطرة أبطال الحرب على مفاصل البلاد.

توقفت الحرب ميدانيا ولكن استمرارها بأشكال أخرى أدى إلى سيطرة الترهل على أبطالها دائمي الإقامة في الواجهة. من هنا كان لا بد من تعميم حالة الترهل وبثها في كل الميادين المرتبطة بالإنماء والتحديث والاقتصاد والسياسة، وكذلك في الفن والأخلاق والسلوك العام.

صار الترهل منظومة تقصي من لا ينتمي إليها، أي الشباب بشكل خاص، وكان من أبرز نتائج الركون إليها ذلك النمو المتصاعد للتيارات الإرهابية في لبنان، حيث بات خبر إلقاء القبض على مجموعات شبابية مرتبطة بالمنظمات الإرهابية خبرا عاديا يوميا عابرا.

معظم المنتمين إلى هذه المنظمات هم من الشباب اللبناني المتعلم الذي يعاني من ثنائية الشهادة-البطالة التي باتت التعبير الأصدق عمّا يسمى بالخصوصية اللبنانية.

يخلق هذا الوضع فراغات خطيرة يقدم الإرهاب نفسه كجهة قادرة على ملئها، لأنه يعرف أن لا مدخل أكثر ملاءمة لطموحاته من انتشار شعور شبابي بالإهانة وفقدان الدور.

اقرأ أيضاً : ترييح الداخل السعودي بعد تعيين محمد بن سلمان

هنا تحديدا يكمن ذلك الفارق الجوهري بين السعودية ولبنان في مقاربة الحرب على الإرهاب التي تشكل حاليا الهم العالمي الأبرز.

انتبهت السعودية أن نمو الإرهاب لا يقوم على تلك الفكرة الساذجة التي تربطه بالفقر والبؤس، بل يقوم أساسا على حرمان الشباب من الدور والمكانة، وأن مسارات الإرهاب كما تظهرها العديد من العمليات الاستعراضية التي ينفذها شباب، تكشف عن بنية رمزية ترفع عنوان تحقيق المكانة أو استعادتها، ولو من خلال وسيط القتل والدمار وإفناء الذات.

الترهل العام يخلق بيئة معادية للشباب وصالحة لنمو الإرهاب، ولعل الدفع بالأمير محمد بن سلمان إلى واجهة المشهد السعودي، يدل قبل كل شيء على أن منطق تلازم مسارات التنمية والتحديث والتطوير، مع التشدد الواضح في محاربة الإرهاب، يهدف إلى خلق مفهوم ينظر إلى الشباب بوصفهم مشروعا سياسيا وإنمائيا وليس مجرد مرحلة عمرية، وهو مفهوم لا يبدو أن العقل السلطوي اللبناني المترهل قادر على هضمه أو استيعابه.

السابق
البدر الشيعي يكتمل قريبا والأنبار ضحيته الجديدة
التالي
لقاء بعبدا… الأبوة الضائعة