السيد محمد حسن الأمين: الانقسامات العربية سببها غياب المشروع الحقيقي

الخلاف المستجد والمحتدم بين الدول العربية والاسلامية والتي تنبىء بفتن قطرية وطائفية لا تنتهي، ينبىء بفشل كل ما يحكى من مشاريع وحدوية، فما هو السبب؟

برأي العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين انه لا يمكن الكلام عن فشل المشروع العربي لأن السؤال الذي يطرح نفسه قبل ذلك، هل هناك مشروع عربي فعلاً لكي يحكم عليه بالنجاح أو الفشل؟

اقرأ أيضاً: السيد الأمين عن نكبة فلسطين: هزيمتنا حضارية وليست عسكرية

ويتابع السيد الأمين “انه فيما نعتقده أن المشروع العربي هو فكرة مثالية لم يجر العمل على إنجازها أو على الأقل لم توضع خطط والاستراتيجيات التي تؤدي لقيام هذا المشروع باستثناء سفارات الوحدة والتعاون والتكامل التي ظلت شعارات ولم تتحوّل إلى مشاريع.”

ويشير السيد الأمين انه “من وجهة نظرنا أن المشروع العربي المتكامل هو أمر يكاد يكون مستحيلاً في ظل الوقائع الراهنة إقليمياً ودولياً وحتى على المستوى الثقافي والأخلاقي، بالرغم من أن الشعوب العربية شهدت في بعض العقود من القرن الماضي وعوداً معسولة بالوحدة والاشتراكية والمساواة كما تشدقت بذلك كثير من الأنظمة التي لم يكن هدفها سوى توطيد حكمها في هذا البلد أو ذاك، حتىأن مشروعاً صغيراً لمسياً الذي هو الوحدة بين مصر وسوريا كبداية لدخول عصر الوحدة، فشل بسرعة قياسية، مما ساعد على تكريس التجزئة وعلى تراجع أحلام الوحدة لدى الشعوبالعربية، ثم أن الفشل في مجالات النمو التعليم والتربية وتوفير وسائر التقدّم في مستوياته كافة لم يتحقق منه شيء مما جعل الطموحات تتراجع إلى أقصى الحدود ويصبح موضوع الوحدة هدفاً لكل دولة على حدة ويصبح خطر التجزئة داخل كل دولة والتصدي له هو أعلى شكل من أشكال العمل الوطني والسياسي. كما أن مشروع التحرير، أي تحرير فلسطين والذي كان يشكل المحور العاطفي والموضوعي المتلاحم القومي والوطني أدت فيه الهزائم إلى أن يتأخذ ويتأخّر، إلى الدرجة التي صار الهدف العام هو كيفية المصالحة مع هذا الكيان والحدّ من طموحاته التوسعيّة.
في ظل هذه الأوضاع هناك تداعيات لا يمكن أن تكون إيجابية ونتائج لا يمكن أن نُحسد عليها، بل هذه هي الآن وفي المرحلة الراهنة آثار معطيات التفكك العربي تظهر تباعاً وتتحول من فكرة المشروع العربي إلى وضع أفكار التجزئة والحروب الداخلية موضع التنفيذ”.


أكد السيد الأمين انه “في هذه المناسبة أريد أن أدلي برأي قد يبدو غريباً رغم وضوحه، وهو أن الصراعات العربية سواء بين الأقاليم العربية أو داخل كل إقليم بين الجمهور والسلطة، لم يكن بمعظمه إلا نتيجة ما سمي بالثورات العربية، والحقيقة أنها كانت انقلابات عسكرية لا صلة لها على الإطلاق بثقافة الثورة والتغيير الراقي، وكان مجرد خداع للجماهير لكي تتقبّل بإزالة النظم القديمة، وللحق الذي يكون مستغرباً هو أن النظم التي كانت قبل الثورات لو استمرت لكان بإمكانها أن تكون أكثر قابلية لصياغة مشروع عربي، ولكننا مع الأسف ما زلنا نعتبر عصر هذه الأنظمة الملكية وغيرها عصر انحطاط رغم فداحة الانحطاط الذي أحدثته هذه الأنظمة العربية. لذلك نرى أن ولادة مشروع عربي للنهوض لا بد أن يبدأ من قاعدة تعي وتحسّن وتتلمّس ضرورة هذا المشروع، وهذا في نظرنا مشروع تاريخي وليس اتفاقاً سياسياً بين الحكام والمسؤولين، أن الثورة الحقيقية التي يمكن أن تنتج مشروعاً عربياً، هي ثورة في العقل والمفاهيم والموقف من السلطة والدين والقيم الفاشلة التي تتحكم باجتماعنا السياسي والثقافي في آن واحد. لا أمل لدينا لقفزة نوعية، إننا من دعاة البناء من الأساس، وكما أشرت في الذكرى الخمسين لنكبة احتلال فلسطين في قاعة الجامعة الأميركية عام 1998، أمام مجموعة كبيرة من القيادات الفلسطينية والعربية، أن “الطريق إلى فلسطين لا يمرّ من فوهة البندقية ولكن يمر من فوهة العقل العربي”، وأعني بذلك من مشروع النهوض الثقافي والفكري والاجتماعي والديني، والتحرّر من كل أشكال العبوديات بما فيها وهم السلاح واعتباره الوسيلة الوحيدة للتحرير، إن التحرير هو جزء بل نتيجة لمشروع حضاري متكامل قد يتطلّب مما يتطلبه صراعات واحتدامات داخل البيئة العربية، وهذا ما يقول لي بشكل بديهي بوصفي مسلماً إلى ترديد قوله تعالى: إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم”
أما بالنسبة لفشل مشروع “الدولة العربية”، هو أنه لا يوجد عقلية دولة، بل ما زالت عقلية البيئة القديمة للاجتماع العربي وهي القبلية، ما زالت هي المسيطرة ولم يصل العرب بعد لمفهوم الدولة الحديثة. الدولة التي يحكمها النظام، والتي تتساوى فيها الحقوق والواجبات لدى الرعية، وإن كانت كلمة الرعية هي من قاموس مصطلحات عصر القبلية”.

اقرأ أيضاً: السيد الامين: نحن بحاجة للتيار العقلي لينقذنا من التخلف

ويخلص السيد الامين بالقول: “نحن لسنا دولاً بل قبائل تحكمها ما يسمى بعنصر القهر والغلبة بين الشعب وسلطته، وبين الكيان والكيانات الأخرى، فالشعب داخل الدولة هو مقهور ومغلوب على أمره، والدولة المزعومة مغلوب على أمرها بين دول العالم القوية، فإذا قيل أن الأمر يتعلق بموازين القوى فنحن ضعاف، بالقياس إلى أميركا والدول الكبرى، فإني أتساءل، هل بلد مثل النرويج أو الدول الاسكندنافية عامة، هل هي بقوة أميركا، ومع ذلك لماذا تملك هذه الدول قرارها المستقل الحرّ؟
الجواب هو أنها تملك هذا القرار الحر، لأنها دول بالمعنى الحقيقي وليست أشباه الدّول.

السابق
الدكتور الشيخ محمد شقير يبحث في «فلسفة الإمامة في الفكر الشِّيعي الإثني عشري»
التالي
أنقرة وموسكو قد تنشران قوات تابعة لهما في ريف إدلب