من يحمي الفقير من السياسات الحمائية؟

تتسارع الضربات الموجعة للمواطن اللبناني من قبل حكومته. فبعد الخطة المسماة "طارئة" للكهرباء، والتي ستكلف المواطن فاتورة كهرباء مرتفعة، وضرائب باهظة، تتجه الحكومة اللبنانية لإقرار تدابير تسمى ب"الحمائية" للصناعة الوطنية، لكنها بالحقيقة رزمة ضرائب جديدة يدفع ثمنها المواطن اللبناني.

أيها الفقير إذا أردت أن تشتري البرغل، أو المعكرونة، أو الدقيق، أو الأجبان والألبان، أو الدجاج، أو الكورن فليكس، أو حتى السكاكر، والبسكويت، ورقائق ذرة، لأطفالك، فكر ملياً، إذ أن الدولة قررت أن تفرض ضرائب “حمائية” على هذه السلع؛ لأنها تعتبرها رخيصة، وتستكثرها عليك وعلى عائلتك، وتريد منعك من استهلاكها. فلا يحق للفقير في هذا البلد الأكل بسعر مقبول. تهدف التدابير المسماة “حمائية” إلى جعل هذه السلع غالية، وإجبار الفقير على شرائها بكلفة أعلى، أو نوعية أدنى ،من منتجين محليين.

كما أن فرض الضرائب “الحمائية” على المواد الغذائية يرفع كلفة مشتريات المطاعم، والفنادق، وغيرها من المؤسسات السياحية، ويضعها في موقف حرج. تساهم السياحة في لبنان ب19.4% (9.2 مليار دولار) من الناتج المحلّي، مقارنة بمتوسّط عالمي يبلغ 10.2% وفق تقرير المجلس العالمي للسفر والسياحة لعام 2016. ويؤمن القطاع السياحي العمل ل338,500 شخصا، ما يشكل 18.8% من سوق العمل في لبنان. رغم ذلك، يعاني القطاع السياحي الأمرين، فكلفة المجيء إلى لبنان جواً مرتفعة جداً مقارنةً بوجهات سياحية منافسة كتركيا، ومصر، واليونان وقبرص، وغيرها، وكلفة التكييف، والإنارة، والتبريد مرتفعة أيضاً بسبب انقطاع الكهرباء، وكلفة الاتصالات والإنترنت أيضاً مرتفعة، وتتجه الحكومة الآن إلى رفع كلفة المواد الغذائية، لتكون الشعرة التي قصمت ظهر هذا القطاع!

ستضطر المطاعم، والقهاوي، ومحلات السندويشات، والفنادق، وغيرها من المؤسسات التي تقدم الطعام إلى رفع أسعارها على المواطنين من أجل تغطية الكلفة الزائدة، ومنها من سيصرف العمال من أجل التعويض عن ارتفاع كلفة المواد الغذائية أو انحدار نوعيتها، ومنها من يرزح أصلاً تحت عبء مالي ولن يتحمل الكلفة الزائدة، ولن يجد سوى الإقفال، وصرف جميع الموظفين وسيلة للحد من الخسائر. إن إصرار الحكومة على إثقال كاهل القطاع السياحي بضرائب جديدة على مشترياته، سيؤدي إلى غلاء المعيشة على المواطنين، وزيادة عدد العاطلين عن العمل، وإغلاق عدد من المطاعم، ومحلات السندويشات، التي كانت تكتفي بالربح القليل، وتبيع للفقير وذوي الدخل المحدود.

لا ينحصر قرار الحكومة بفرض ضرائب على المواد الغذائية، بل يشمل أيضاً الحديد، والرخام، والغرانيت، وبروفيلات الألمينيوم، وخرطوش الصيد، ومواد التنظيف، وأدوات صحية، وأنواع من الورق، ودائما بحجة (غير مقنعة) إن هذه السلع تباع بسعر أقل من كلفة إنتاجها. لو صح هذا الإدعاء، لاشترى المنتجين في شتى أنحاء العالم الحديد، والرخام، والسلع المدعومة الأخرى، وخزنوها، ما سيؤدي الى إفقار الدول الداعمة لهذه الصناعات.

كما أن الحديد، والرخام، والغرانيت، والأدوات الصحية تستعمل في قطاع البناء، ما سيرفع من كلفة الوحدات السكنية على المواطن اللبناني. أدى سوء الوضع الاقتصادي في لبنان إلى عدم قدرة فئة واسعة من الشعب على اقتناء شقة، فانخفضت قيمة التبادلات العقارية من 8.8 مليار دولار في عام 2011 إلى 6 مليار دولار في ال2016، بحسب دراسة BankMed . سيتفاقم هذا التدهور بالقدرة الشرائية للمواطن اللبناني مع زيادة الضرائب “الحمائية” على مواد البناء، وسيزيد من صعوبة الفئات المتواضعة اقتناء شقة تأويهم، وتسمح لهم بإنشاء عائلة مستقلة.

إقرأ أيضاً: الضرائبُ المجحفةُ والرواتبُ الظالمة

أدى الانكماش العقاري إلى تدهور كبير بمدخول العاملين بهذا القطاع، معظمهم من أصحاب المهن الحرة: نجار، بلاط، خبير أدوات صحية، دهان، إلخ…تزيد الضرائب “الحمائية” الطين بلة، إذ أنها تساهم في زيادة الانكماش بهذا القطاع، وتوجه ضربة جديدة للمهن المرتبطة بالبناء، علماً أن قطاع البناء يساهم بأكثر من 15% من الناتج المحلي، و يوظف حوالي 12% من اليد العاملة، وأن تصاريح البناء الجديدة انخفضت بنسبة 3٪ على أساس سنوي في الأشهر الأولى من عام 2017.

لا شيء يبرر هذه السياسات التعسفية بحق المواطن، والقطاع السياحي، والبناء، سوى إتهام وهمي لبعض الدول بإغراق السوق اللبناني بالمعكرونة الزهيدة، والألبان والأجبان الغير مكلفة، والدجاج الرخيص، إلخ… فهل من عاقل يصدق أن هناك إغراق للسوق اللبناني؟ من الذي يقرر إن كان سعر المعكرونة منخفضا زيادة عن اللزوم، وعلى أي أساس؟ لقد أثبت مبدأ التسعير، والتحكم بالأسعار من قبل الدولة فشله الكبير أينما اعتمد. من منا لا يتذكر عدم توفر السلع، والخدمات في سورية في الثمانينات بسبب سياسة التسعير، فكان السوريون يلجأون أحياناً إلى لبنان لشراء المنتجات المفقودة عندهم. إن السياسة المسماة حمائية ستفرغ السوق اللبناني من بعض أنواع الكورن فليكس، والسكاكر، والبسكويت، ومواد التنظيف، وغيرها، ولن يستطيع المواطن إيجاد الأصناف التي يحبها في السوبرماركت ومحلات البقالة. كما ستنتشر التعاملات في السوق السوداء، حيث تباع هذه الأصناف المهربة بسعر خيالي. كل ذلك بسبب اعتماد سياسات كارثية أثبتت فشلها في دول المعسكر السوفياتي السابق، وأفقرت شعوبها.

إقرأ أيضاً: الدولة تُعفي الطوائف من الرسوم والضرائب.. ليصلي كل على ليلاه شكراً!

حتى لو افترضنا أن هناك شركات وبلداناً تغرق السوق اللبناني بمنتجات رخيصة، فهذه نعمة، وعلينا الاستفادة منها. يعيش اليوم حوالي 28.5% من سكان لبنان (1.07 مليون نسمة) تحت خط الفقر بحسب تقديرات ال UNDPلعام 2016، كما يعيش حوالي 350,000 لبناني في فقر شديد (بأقل من 1$ في اليوم) بحسب دراسة أعدتهاOxfam والجامعة الأميركية في بيروت (AUB). وبينما ينعدم الفقر تقريباً في بيروت، يتركز فقراء لبنان في الشمال، والبقاع. فلماذا نريد حرمان أهلنا في الشمال، والبقاع، وجميع المناطق اللبنانية من المنتجات الرخيصة (هذا إن وجدت فعلاً)؟ لماذا لا ندعها بمتناول الجميع؟ أوليست الأسعار المتدنية خير طريقة لإطعام الفقير، ومحاربة الجوع؟

السابق
السعودية وقطر صراع قبلي بين صفقات السلاح الأميركي
التالي
المشنوق يلوّح برفع دعوى على وئام وهاب.. والأخير يرد: لم أقصدك عزيزي!