صراع قابيل وهابيل ورحلة الخروج من الجنة

قد يكون الحديث عن شبه الدولة القطرية نظراً لصغر جغرافيتها كالحديث عن متوفي سريرياً، هذا يقول أن فعلها كبير، ولها كذا وكذا من المعاصي والأعمال السلبية، وبأنها إشترت الضلالة بالهدى فما ربحت تجاراتها وما كانت من المهتدين، وذاك ينسب لها الخير و يدعوا لها به سراً فهي التي رعته مراراً مستترة، وآخرين جهاراً يتضامنون معها أملاً بألا يخسروها فيكونوا من بعدها ضحية وأمرهم بيد الجلاد فيزعمون ان ما أقدمت عليه الدوحة فيه صلاح للأمة ونصر للدين الحنيف.

أمام هذه المشهدية الغامضة المركبة هنالك ما يستحق التوقف عنده وتفنيده و تمحيصه وتفحيصه بشكل مسهب ومستفيض، ألا وهو التحول السريع والمضطرد لدولة الإمارات وإنتقالها من الوضع الصامت إلى الإهتزاز ومنه إلى الصوت المسموع، فالأمر مخالف لما هو راسخٌ في عقل العامة عن كونها سوقاً حرة ومركزاً تجارياً وخداماتياً تجملها ناطحات السحاب المنتصبة وتسكنها الشركات العملاقة تلك التي تقدم للمتمولين الأموال والأمن والأمان.

اقرأ أيضاً: شياطين الأرض كسرت أغلالها في شهر رمضان

حالات ثلاث عاشتها الإمارات، الأولى حالة التنافس الاقتصادي مع الجوار، والثانية يوم نهض إقتصاد أربيل في كردستان، وبعدها في عهد مرسي الإخوان في مصر، أما الثالثة فثابتة ولا بد منها لوقف الدور المتزايد لقطر ومحاولتها سرقة ما كان لآل زايد في المنطقة عبر الازمان.

قطر وبالقياس إلى جغرافيتها اليابسة تلعب دوراً خطراً وكبيراً ومحسوباً وطبيعياً وعنيفا، والإمارات تبحث عن ضمان موثوق كافي للمحافظة على دورها في المستقبل، وما يزيد الأمر تعقيداً ان قوى طامعة جشعة دولية تعطي لغيرها من الكيانات أهمية أكبر ترشحها للعب دورٍ في المرحلة المقبلة، تنطلق منها ومن خلالها إلى إعادة تمويل إعمار ما تسببت في دماره مباشرة أو عبر وسيط.

أما السعودية فنظام قرابة و توريث وأرضها أرض الحرمين وكعبتها قبلة المسلمين، مملكة ال “آل” والسيف و”لا” النفي و”إلا” التأكيد تستقبل يومياً ولخمس مرات وجوه ملايين الساجدين الراكعين المتضرعين والمُحرمين الخاشعين، ملوكها أسياد لكن تواضعاً يحملون لقب خادم الحرمين ، هدفها الأسمى المحافظة على هذه الملكية و تلك المكانة واستمرارها، فيما الإنتقال من حالة النسب وشريط الابوة إلى العقد الإجتماعي وسلطة القانون عند أمراء الأمارات يعطي الأخرين الحق في المنافسة على الإستدامة والإنتفاع والطمع في الإستفادة مما كان ومما هو كائن لها منذ سنوات، وهو بالمناسبة طمع لا تنفع معه لا التسويات ولا المهادنات إلا مؤقتاً بإنتظار إن ينتصر البديل أو أن يحصل مع الوقت وبالتراكم الإستبدال خصوصاً، واننا نعيش في عالم الإبتكارات التقنية المتواصلة ممكنة والمالثوسية القائلة بأن النمو مرتبط كما الإنتاج بحجم السيطرة، تصميم سيدخل الإمارات المتحدة ومعها بالتكافل والتضامن دول مجلس التعاون مع مملكتيه والسلطنة في دوامة الصراع وقد يعيدها إلى سبعٍ عجاف، كل ذلك بسبب الإيمان بسفر الخروج عن الأسرية والعائلة النووية التي آمنت به وإعتنقته قبائل الصحراء كأحد الوصايا المتوارثة عن الأجداد وفيها أن “الحماية مقابل الخدمات”.

اقرأ أيضاً: ليسُوا ولسْنا إلا مُتَعَصِّبِيْن..

الإمارات على ما يبدو في سباق دائم مع الزمان، والإبطاء في الحسم سيؤدي إلى حصول خرق وإهتزاز للأمن وحرمان من الأمان.
تعثر إذا ما إستمر أو تكرر أخرج صاحبه عن العقل البنائي إلى البدائي، أعادها إلى قابيل وهابيل، إلى حيث البعض للبعض عدو، إلى غِواية من إستكبر وزين لشياطين الأرض أعمالهم، إلى من يقعد لها ولأخوتها سراطهم المستقيم ويأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن يمينهم وشمالهم، يعيدهم كما بدأوا وهي أهون عليه وله في ذلك المثل الأعلى.

السابق
بعد الصفقة «الأميركية- السعودية»…صفقة قطر تثير تساؤلات!
التالي
الاتحاد الأوروبي يعلن دعمه للوساطة الكويتية في أزمة قطر