الإعدام والدولة القاتلة

ترتفع الأصوات مؤخراً مطالبة بإعادة تفعيل حكم الإعدام.. فمدى منطقية هذا الطرح؟

أنطوني غريفس  اكتشفت براءته بعد 18 سنة من صدور حكم الإعدام بحقه في ولاية تكساس، كان قد تمّ إعلان موعد اعدامه مرتين، قبل أن يتم تأجيلها ليظهر لاحقا بريئاَ. ويعد غريفس هو المتهم رقم 138 في كل الولايات المتحدة الذي يطلق سراحه بعد حكم خاطئ للإعدام. الإعدام الخاطئ أوقع مئات الضحايا حول العالم، ممّا حول القانون لقاتل عن عمد.

خلال الأيام الماضية تصاعدت في لبنان الأصوات المطالبة بإعادة تفعيل عقوبة الإعدام، وبدأ المطلب يأخذ منحى مغلف بمنطق إنساني، وهو وجع الأهالي الذين فقدوا غالياً نتيجة تفلت السلاح وانتشار الجريمة وعجز الدولة عن الإمساك بزمام الأمن وضبط السلاح غير المرخص إضافة إلى أن الكثير من مسؤوليها هم شركاء في كل جريمة قتل أو اعتداء مسلح يقع، بسبب توزيعهم لرخص السلاح وكأنها أوراق لعب على طاولة القمار.

هذه الدولة التي تقامر بحياة الناس عبر الحمايات المختلفة من رخص تسهيل المرور ورخص حمل السلاح وغيرها من المسميات، بعض مسؤوليها من نواب ووزراء ينادون بإعادة العمل بقانون الإعدام؛ فما هي الالتزامات القانونية التي يجب أن تردع لبنان عن العودة لتفعيل هذه العقوبة الاجرامية؟

تنتهك عقوبة الإعدام اثنين من حقوق الإنسان الأساسية التي أوردها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي كان لبنان من أوّل موقعيه، وهما الحق في الحياة والحق في العيش دون التعرض للتعذيب.

كما ورد في المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي وقع عليه لبنان أيضا، أن الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً. ونص البند السادس على أنه ليس في هذه المادة أي حكم يجوز التذرع به لتأخير أو منع إلغاء الإعدام من قبل أية دولة طرف في هذا العهد.

عقوبة لا عودة عنها:

شهد العالم عددا كبيرا من الحالات التي ظهرت فيها براءة من حكم عليه بالاعدام بعد ان يكون الحكم قد نفْذ واستحالت العودة عنه. إن القضاء مهما تعددت درجاته، يبقى مرهونا بحكم بشر على بشر وبالتالي معرض للخطأ المقصود او غير المقصود، وإذا كنا هنا لسنا في معرض التشكيك بالقضاء، الا ان لبنان قد شهد في تاريخه تنفيذ حكم الإعدام لدافع سياسي.

كما أنّه يمكن أن يكون الحكم قد صدر على بريء لفشله في الدفاع عن نفسه أو لشهادات زور أو ضحية لمؤامرة أحيكت؛ فكيف لنا عندها ان نعيد للمحكوم حياته؟

عدالة هشة و 6 و6 مكرر:

عبرت منظمة هيومن رايتس ووتش عن المخاوف إزاء عدم كفاية ضمان سلامة الإجراءات القانونية في المحاكم اللبنانية واشارت الى ان “المحاكم العسكرية التي لها ولاية قضائية واسعة على المدنيين في لبنان وتستطيع فرض عقوبة الإعدام، لا تضمن حقوق سلامة الإجراءات القانونية”.

إقرأ أيضاً: الإعدام حلّ أم تغطية على المجرمين الحقيقيين

كما أن  الدكتورة أوغاريت يونان في تصريح لها كشفت أنه : في دراسة أجرتها الحملة الوطنية من اجل الغاء عقوبة الاعدام في لبنان، عن تاريخ الاعدام منذ الاستقلال، وهي الاولى في هذا المجال، تبين بشكل فاضح أن الاستنسابية والطبقية وحتى التسييس الطائفي شكلت القاعدة الأساس، حيث النسبة الكبرى كانت من الفقراء اولاً ومن المحكومين لأسباب سياسية ثانياً والتنفيذ يراعي في اكثر الاحيان التوازنات الطائفية ثالثا.

لن تشفي غليلا أو تردع مجرما:

قد يتفهم المرء النزعة البشرية الطبيعية لمقابلة القتل بالقتل، وقد تبرر نتيجة الغضب الفوري الذي يلحق فقدان شخص لعزيز عليه، أن لا يرى العدالة إلا من باب قتل القاتل. لكن وتماشيا مع هذا المنطق في العدالة، فهل يجوز أن نشرّع اغتصاب المُغتصب، او انتحال شخصية منتحل الشخصية، او تزوير اوراق المزور مثلا! ان هذه الجرائم وإن بدت للوهلة الأولى أخف وطأة من القتل، إلا أن نتائجها قد تحمل ما هو أشد وطأة، فهل نعاقب الجاني بمثل جريمته؟

أما الحديث عن الرادع الذي تشكله هذه العقوبة فقد أثبتت الدراسات عالميا عدم جدوى هذه العقوبة بالردع، في حين أن استبدالها بعقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة الغير خاضعة لأي عفو تشكل رادعا أكبر نظرا لما تنطوي عليه من حجز مؤبد للحرية.

في خلاصة القول، ان لبنان ملزم ان يتجانس مع المعاهدات الدولية التي وقع عليها، وأن يستكمل مسيرة التزامه بالمواثيق الدولية عن طريق التوقيع على البروتوكول الثاني الملحق بالحقوق السياسية والمدنية ويقوم بالغاء عقوبة الاعدام من كافة  النصوص القانونية.

إقرأ أيضاً: مطالبة شعبية بعودة «الإعدام» لردع القتلة الزعران!

إن قضاة لبنان مشهود لهم بأنهم  قد استشرفوا الاتجاه العام الدولي والتزامات لبنان الدولية، فمارسوا  الصلاحية المعطاة لهم بحق التقدير، بحكم القانون. إصدار عدة أحكام  عن محكمة التمييز اللبنانية، ألغت فيها أحكام الإعدام الصادرة عن محاكم الجنايات.

الدولة مسؤولة أن تحمي الحياة، ان تنزع السلاح و تستبق الجريمة، لا ان تتحول هي لقاتل بثوب القانون.

 

*المدير التنفيذي-لمنظمة لاودر للدفاع عن حقوق الإنسان

السابق
نقل صواريخ امريكية من الأردن إلى سوريا
التالي
من بعد التيار الشيعي الثالث باسيل يطمح لأن يكون التيار السني الثاني