وماذا عن قانون إعدامنا جماعياً؟

مهند الحاج علي

ساعتان فقط فصلت بين خبر انتحار زياد اللحام شنقاً في الجية يوم السبت، وتفجير الشاب راني عواد النار رأسه بطلق ناري في فان قهوة يملكه على طريق المطار. في الوقت ذاته واصلت مكونات السلطة اللبنانية مفاوضاتها الشاقة والمتواصلة منذ شهور طويلة، من أجل العثور على قانون انتخابي لا يُزعج أحداً من أركانها، أي يضمن فوزها جميعاً بأقل خسائر ممكنة.

اقرأ أيضاً: جريمة في لبنان

على بعد كيلومترات فقط، ودعت عائلة الشاب روي حاموش إبنها بعدما أودته رصاصات أحد الشبيحة الجدد قتيلاً. هذه الأحداث الثلاثة خلال اليومين الماضيين تُجسّد بمجموعها روتين الأخبار منذ شهور طويلة: انتحار-قانون انتخابات-جرائم قتل. لكن ما الرابط بين اليأس والسياسة والجناية، وما الجديد فيها؟ أولاً، السياسة لم تتبدل كثيراً منذ اتفاق الطائف، إذ ما زالت تحكمنا الطبقة ذاتها مع بعض التعديلات بعد عام 2005. كاذب أو مرتشٍ أو أحمق من يدعي بأن هذه الطبقة تكترث لأمر سوى مصالحها الخاصة. وهذه تتراوح بين البقاء في السلطة والتوريث السياسي، ونهب المال العام. لكن ما تبدل هو قدرة المحكومين (وليس المواطنين) اللبنانيين على الفرار. حتى سنوات قليلة مضت، كان الشاب يُنهي دراسته الجامعية، ويتوجه الى دول الخليج أو أوروبا والولايات المتحدة للعمل والبحث عن فرص أفضل. وهذا مصير استسلمنا اليه جميعاً، بل بات جزءاً مهماً من الاقتصاد الوطني. اليوم، وقع انقلاب جذري في خياراتنا. أعداد المسافرين الى الخليج تتقلص سنوياً نتيجة القيود المفروضة على اللبنانيين من جهة، وأيضاً بسبب التراجع الاقتصادي وسياسات التوظيف الوطنية من جهة ثانية. أما أوروبا والولايات المتحدة، فحدث ولا حرج! الإرهاب عزز السياسات اليمينية، علاوة على تدفق مئات آلاف اللاجئين من مناطق النزاع. لم يعد نموذج تصدير اليد العاملة ونزيف الأدمغة في لبنان، ومن ثم ارسال الحوالات المالية الى العائلة، قابلاً للاستمرار.

يُواجه الشاب أو الشابة اليوم، مصيراً أشبه بالسجن أو حكم الموت: وظائف رواتبها لا تكفي، وتتسم بقلة الأمان، أو البطالة الحتمية، أو الانتحار، أو حمل السلاح والتشبيح. ورغم غياب احصاءات رسمية جدية، إلا أننا بتنا نشعر بوطأة الانتحار والجرائم التشبيحية المتزايدة وسط الشبان، وكأننا في سباق بين موتين. والانتحار في هذا البلد لم يعد مزحة. تُسجّل حالة واحدة كل يومين، بحسب أرقام غير رسمية. خلال أسبوعين فقط، وإلى جانب اللحام وعواد، قفز شاب في الـ26 من عمره من شرفة منزله في أدونيس إلى حتفه، بعد قلق ساوره من فقدان عمله في ناد رياضي مُهدد بالاقفال. في الفترة ذاتها، قتل رجلان في منتصف العمر نفسيهما في ناحيتين مختلفتين من منطقة عمشيت. الشهر الماضي أيضاً، انتحر شاب عشريني برصاص سلاح ناري داخل شاحنة في منطقة المريجة البقاعية، اضافة الى شبان آخرين في البترون وراشيا وكفرذبيان والشوف. والموت برصاص الشبيحة خطف روي حاموش وسارة سليمان وشابين في بر الياس وغيرهم الكثير. رد السُلطة على هذه الأحداث لن يأتي لمعالجتها جذرياً. السياسيون إما سيُحوّلون هذه القضية نزاعاً مذهبياً للتنصل من واقع الأمر، أو سيبحثون عن حل آخر مثل اعادة احياء العمل بعقوبة الإعدام. لن تُسارع الحكومة لبناء محطات توليد كهرباء أو مضاعفة سرعة الانترنت لتنشيط الاقتصاد، لأن شعار أهل السلطة في لبنان هو ”الصفقة أولاً“. لا أولوية سوى للصفقة. تقسيم أرباح الخدمات العامة أهم من توفيرها. هذا في الانترنت كما الكهرباء والمياه ورفع النفايات من الطرقات، وكذلك في اقرار قانون انتخابات ”مبكل“ يضمن اعادة تعويم كل هذه الحثالات المُحفّزة على الانتحار. واقع الأمر أن أعداد هؤلاء الشبان الضحايا والقتلة ستتزايد، وقد ترفع وتيرة الضغط على أركان السُلطة وتُهدد سلطتها. وعلى عكس السنوات السابقة، لا تملك قوى السلطة مالاً ريعياً (أي من أسيادها الاقليميين) يكفي لإسكات هؤلاء الشبان الصغار، ولا تتحمل خزينة الدولة توظيف عدد كبير منهم، بل قد تُضطر قريباً للتخفّف من القطاع العام وأعبائه على المالية العامة. كما في الاقتصاد، ستُوصد الأبواب في السياسة أيضاً: ممنوع التغيير. وقانون الانتخاب يُصمم تماماً لهذا الغرض وكأنه معادلة رياضية لديكارت تحتاج الى صولات وجولات وتركيز وتأمل. وعندما يخرج الدخان الأبيض من البرلمان، ويُقر القانون وتُجرى الانتخابات على أساسه لاعادة انتاج الطبقة ذاتها، سيرى شبان لبنانيون بوضوح أكبر ضيق المنافذ في الداخل والخارج، وألا جدوى لحياة منهوبة الأرزاق والمستقبل والكرامات. هذا قانون إعدام جماعي، لم يتوقف العمل فيه بتاتاً!

السابق
قانون الانتخاب ينتظر الاتفاق على المغتربين والصوت التفضيلي
التالي
«باي باي» مؤسسات!