السنوار أمام ثنائية السلطة والعسكرة

حماس هي الجزء الأكثر حيوية في الجسد الفلسطيني المعتل.

أثار اختيار الأسير المحرر يحيى السنوار لقيادة حركة المقاومة الاسلامية “حماس” في غزة ردود فعل وسجالات واسعة حول خلفيات ودلالات الحدث وتداعياته على سياسات الحركة؛ المصالحة مع فتح والسلطة في رام الله،  كما على الصراع مع إسرائيل العلاقة مع دول الجوار القريب والبعيد من مصر إلى إيران مروراً بقطر وتركيا.

بداية نحن أمام ما يشبه الاختيار للسنوار لرئاسة المكتب السياسي المحلي لحماس بغزة، وبالتالي قيادة الحركة هناك لا يمكن أن نتحدث عن انتخاب بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث غابت الشفافية، وليست فقط العلنية عن الانتخابات، ومن عشرات آلاف الأعضاء ومئات آلاف المناصرين – السيد خليل الحية يقول أن شعبية الحركة تفيض عن غزة، البالغ عدد سكانها 2 مليون نسمة – شارك 29 ألف فقط في العملية الانتخابية، وداخل مجلس الشورى  المحلى الذي ينتخب المكتب السياسي تتحكم العلاقات الشخصية و التربيطات بين الاجنحة ، وحتى اختيار رئيس المكتب السياسي فلا يتم بالانتخاب، وإنما بالاختيار أو التوافق، وقبل ذلك وبعده نحن أمام عملية انتخابية إجبارية لا يملك أي شخص فيها حرية الترشح من عدمه، وطبعاً لا دعاية انتخابية أو تنافس بين البرامج والسياسات، ومع احترام طابع حركة حماس المقاوم، إلا أننا أمام حركة تحكم غزة وتقود السلطة فيها، وهي لم تعد مجموعة سرية أمنية كما كان الحال في السابق، و الحديث عن ديموقراطية وانتخابات كان في سياق المبالغة أو التضخيم والتهويل للحدث واستغلاله ضمن الخطاب السياسي والإعلامي للحركة في مواجهة خصومها ومنافسيها.

إذن السنوار تم اختياره أو التوافق عليه لرئاسة المكتب السياسي أعلى هيئة قيادية في الحركة بغزة. وهنا لا بأس من التذكير أن حماس كحركة تقاد بشكل جماعي أو من خلال المؤسسات والأطر الحزبية والحركية منتخبة أو مختارة، وهي كانت كذلك طوال الوقت، ولذلك لا يمكن الحديث عن فردية أو احتكار للقرار من قبل السنوار أو غيره مع عدم تجاهل تركيبة المكتب السياسي الجديد، والذي لا يختلف كثيراً أو بشكل جوهري عن التشكيلات السابقة للمكتب في السنوات الأخيرة.

نحن أمام وجود كبير للعسكر والأمنيين، وحتى السياسيين القريبين منهم أو ما يمكن تسميتهم صقور الحركة، وهي التركيبة نفسها التي كانت حاضرة دائماً حتى مع اختلاف في الأسماء، إلا أن وجود هنية على رأس المكتب السياسي لفترتين، أعطى انطباع مختلف نظراً لهدوء الرجل وامتلاكه صفات غير حادة أو عصبية  وحتى القيادي البارز الآخر الخارج من المكتب السياسي المحلى أي عماد العلمي،والمرشح لموقع مهم فى المكتب السياسى المركزى فهو من المحسوبين  ايضاًعلى الصقور، وليس الحمائم بالمعنى العام للكلمات والمصطلحات طبعاً.

بتعبير آخر فقد كانت الغلبة فى السنوات العشر الأخيرة على الأقل للعسكر الأمنيين والمتشددين من السياسيين، وهو ما حصل هذه المرة أيضاً غير أن وجود السنوار نفسه على رأس المكتب السياسي غير الانطباع العام أو الصورة، خاصة أنه من الأمنيين  كونه مؤسس جهاز أمن الحركة ومقرّب جدّاً من الجهاز العسكري. وكان نقطة الوصل بينهم مع المكتب السياسي في الفترة الأخيرة رغم وجود ممثلين أخرين للقسام داخل المكتب، وعموماً ظل القرار كما سنفصل لاحقاً طوال الوقت للعسكر – للقسام – خاصة في القضايا الحساسة والمهمة المتعلقة بالمصالحة مع فتح والسلطة، كما العلاقة أو الصراع مع إسرائيل.

اختيار السنوار سيكرس مرة أخرى الثقل القيادي لحماس وتموضعه في غزة، وعلى فكرة هذا ما كان حاصل طوال الوقت في الحركة منذ تأسيسها باستثناء سنوات قليلة أعقبت اغتيال القيادات التاريخية أحمد ياسين و عبد العزيز الرنتيسي فى العام 2003، ثم الحصار الذي فرض على غزة بعد أسر الجندى الاسرائليى جلعاد شاليت والاقتتال الداخلى-2007- وهي الفترة التي شهدت صعود قيادات الخارج بما فيها خالد مشعل، إلا أن الوضع تغير بعد حرب غزة 2008 وأجواء الحرية النسبية لقيادات الحركة في الداخل في التنقل والسفر، خاصة مع رعاية مصر لجولات الحوار الوطني التي تمخضت عن وثيقة المصالحة تشرين أول/ أكتوبر 2009، و تم توقيعها  رسميا فى القاهرة  بعد الثورة بشهور اى فى مايو ايار 2011.

في اللقاءات الحزبية التي جرت في العام نفسه 2009 جرى التوصل إلى الصيغة المعمول فيها حالياً؛ مكتب سياسي من 18 يتوزع بالتساوي بين غزة الضفة، والخارج، ومجالس شورى، ومكاتب سياسية محلية، غير أن أهم ما اننزعته قيادة غزة – محمود الزهار – تحديداً كان حق الأطر المحلية في الحسم في القضايا والملفات الخاضعة لمناطق نفوذها، وهكذا باتت قضايا حساسة ومهمة مثل الأمن الحدود المعابر المصالحة، وحتى الصراع مع إسرائيل، خاضعة بشكل كبير لنفوذ المكتب السياسي للحركة بغزة.

إذن اختيار قيادى مثل السنوار سيكرس ثقل غزة أكثر في القرار الحمساوي العام وسيكون نصيب كبير للعسكر في هذا القرار، كما كان الوضع دائماً في الحقيقة.

أما في التحديات التي ستواجه حماس بقيادة السنوار فتتمثل أساساً بثنائية السلطة والعسكرة – المقاومة – وستستمر السياسة التي تم اتباعها سابقاً، وفرضها العسكر وأكثرية السياسيين المقربين منهم، ولكن بلهجة أعلى أو أكثر حدة وتطرفاً، وسيتم تحديد أو تقديم المقاربات بناء على الهدف المنشود والمتمثل بالتمسك بالسلطة في غزة، ورفض التخلي عنها بأي حال من الأحوال، كما بالعسكرة أو نمط المقاومة التي رأينها في السنوات العشرة الأخيرة. بمعنى تحول المقاومة إلى جيش ومواصلة تزوده بالأسلحة الثقيلة وتحديداً بالصواريخ على أنواعها إضافة إلى مواصلة تطوير الأنفاق باعتبارها سلاح استراتيجي وفق وجهة النظر العسكرية الغالبة في حماس.

فيما يخص العلاقة مع  السلطة ستتعثر المصالحة، ومع عدم تبرئة  الرئيس أبو مازن من مسؤوليته عن تعثرها ، وعدم تطبيق التفاهمات والاتفاقات التي تم التوصل إليها وسعيه لتعديلها و الانتقاء منها، إلا أن عسكر حماس ومنهم السنوار طبعاً يتحملون مسؤولية أساسية أيضاً عن تعثر المصالحة وجمودها فهم بحثوا عن مصالحة تكفل  استمرار سيطرتهم على غزة خاصة في شقها الأمني، مع الإصرار فى الفترة الأخيرة على حل قضية الموظفين ، والتمسك ببقائهم في الهيكل الإداري والمؤسساتي للسلطة، وهم رفضوا المصالحة في أفضل ظروف ممكنة والتى  قد لا تتكرر مرة أخرى، حدث ذلك  زمن صعود الثورات في العام 2012، وإعلان الدوحة الذي تم التوصل إليه بين خالد مشعل وأبو مازن برعاية أمير قطر، والذي تجرأ آنذاك  القيادى محمود الزهار مدعوماً من العسكر على  رفضه علانية، واتهام مشعل بالتسرّع أو عدم مشاورة غزة في أمر مهم كهذا.

التمسك بالسلطة دون الاستعداد لدفع الثمن المطلوب وطبعاً القطع مع ، بل الرفض التام لقاعدة الخروج من الحكومة والبقاء في الحكم، والتي باتت على أى حال  متقادمة هي الأخرى والتصرف بذهنية نهاية التاريخ  بمعنى نهاية فتح وعدم وجود منافس جدى للحركة الاسلامية فى الساحة الفلسطينية والتي انتقدها خالد مشعل نفسه علانية في الفترة الأخيرة ، ستدفع هذه العوامل مجتمعة حماس بقيادة السنوار إلى الإقلاع أو التوقف عن جهود المصالحة والتودد لتحسين العلاقة مع مصر في شقها الأمني، طبعاً على أمل تخفيف الحصار وتسهيل الحركة على معبر رفح وإدخال مزيد من البضائع من فوق الأرض وتحتها لتحسين الأحوال المعيشية الصعبة في قطاع غزة، وإدامة الواقع الراهن إلى أطول مدى زمني ممكن.

ستستمر المطالبة  كذلك بالمنطقة التجارية بين غزة وسيناء ، وحصر التبادل التجاري مع مصر والذى قد يصل الى  6 مليارات دولار سنوياً حسب التعبير الدائم للسيد محمد الزهار ، علماً ان رغبة الحركة فى رفع الحصار واليأس من المصالحة أو عدم الاستعداد للتضحية بتقديم الأثمان اللازمة لها ، ستساهم ولو عن حسن نية فى ربط غزة بمصر اكثر فاكثر والانفصال عن الضفة اكثر فاكثر ، وفى النهاية  التساوق عن غير قصد طبعاً مع هدف اليمين المتطرف فى اسرائيل لتصفية القضية الفلسطينة بالقاء تبعة غزة على القاهرة وتبعة الضفة على عمان مع  الاحتفاظ بنصف مساحتها طبعاً اى المستوطنات والاغوار  .

أما فيما يتعلق بالعسكرة أي جيش المقاومة فستستمر قيادة السنوار في نفس السياق والنسج على نفس المنوال  عبر مزيد من التسلح  ومزيد من الاستعداد وتشكيل الوحدات القتالية، والمضي قدماً في تطوير وبناء الأنفاق بصفتها سلاح استراتيجي مع انها لم تكن يوماً كذلك ولن تكون، وتسخير الإمكانيات المالية اللازمة لذلك ، غير أن السنوار يعي حدود القوة، ويفهم جيداً الواقع المزري والكارثي في غزة، كما التطورات في إسرائيل والعالم، ويعرف أن غزة لا تتحمل حرب أخرى، وسيتسمر بالتالى التمسك بالتهدئة غير المعلنة مع السعي طبعاً لتحسين الأحوال الاقتصادية الاجتماعية، ولكن من البوابة المصرية وليس الإسرائيلية في ظل رفض تل أبيب لشروط الحد الأدنى التي يمكن أن توافق عليها حماس من أجل التوصل إلى اتفاق رسمي وطويل للتهدئة لعشر سنوات وربما أكثر.

إقرأ أيضاً: خروج «حماس» من قطر.. نحو إيران ام تركيا؟

العسكرة ستدفع قيادة حماس بغزة إلى المضي قدماً في مساعي تحسين العلاقة مع إيران والحصول على مزيد من الدعم المالي والعسكري للقسام، وربما لقيادة الحركة نفسها ممثلة بالسنوار المنفتح والمشجع والمطالب مع التيار العسكري طوال الوقت باستئناف  العلاقة مع حماس وأدواتها في المنطقة، بما في ذلك حزب الله وحتى  النظام أو بقايا النظام في سورية، وهو الأمر الذي تطرّق إليه القيادي محمود الزهار مباشرة في مقابلته الأخيرة مع موقع قناة الميادين التابعة لمثلث طهران الضاحية قصر المهاجرين.

في عز صعود الثورات دعت كتائب القسام والسياسيين القريبين منها دائماً إلى عدم التفريط في العلاقة مع طهران وحزب الله، لمواصلة الحصول على الدعم المالي والعسكري، غير أن عمل الأنفاق بشكل جيد بعد ثورة يناير وتدفق السلاح من خط ليبيا -غزة بدلاً من خط البحر الأحمر الإيراني والجو العام المتعاطف مع الثورة السورية والناقم على نظام الأسد ومشاركة طهران وحزب الله في قمعه وجرائمه بحق الشعب السوري الثائر ساهما في خفوت صوت العسكر وعدم امتلاكهم لأي حجة بعد حصولهم على كل ما يطلبونه ويحتاجونه، إلا أن انقلاب  تموز يوليو 2013 وتمكن الثورة المضادة في مصر وهدم وتدمير الأنفاق وتشديد الحصار على غزة  شجعت العسكر على الجهر بموقفهم ورأيهم، وفي الأخير فرضه على القيادة السياسية ولو بشكل تدريجي ولكن متواصل.

إقرأ أيضاً: «حماس»: الجناح السياسي الى تركيا والعسكري الى ايران

اذن مع اختيار السنوار  لقيادة حماس بغزة و انتقال اسماعيل هنية المتوقع لرئاسة المكتب السياسي العام ستعود الحركة إلى ما كانت عليه منذ تأسيسها القيادة لغزة والعلاقات العامة والإعلام للخارج، لتنفيذ أو الدفاع عن وتبرير السياسات التي تبلورها قيادة الحركة في غزة التى ستتشدد  أكثر تجاه رام الله والداخل وستتقرب أكثر وأكثر من القاهرة وطهران أي من النظامين الأكثر بشاعة في المنطقة، وربما تحافظ الحركة عبر هنية على العلاقة الودية مع الدوحة واسطنبول لمزيد من الدعم المدني المعلن ولتحسين الأوضاع الكارثية في غزة، وإصلاح ما يمكن إصلاحه،.و عموماً ستكون القيادة فعلياً فى يد السنوار والعسكر ومع رحيل مشعل لن تكون قيادة الخارج بموقع يسمح لها بتحدى أو حتى منافسة قيادة الداخل فى غزة  .

فى الأخير لابأس من التذكير والتوكيد أننى طوال السطور السابقة كنت اتحدث عن الجزء الأكثر حيوية في الجسد الفلسطيني المعتل وهى العبارة التى كنت وما زلت  دائم الترداد لها و الاقتناع بها  .

 

  • باحث وإعلامي فلسطيني

 

السابق
رسالة إلى فخامة رئيس الجمهورية
التالي
الراعي وجبران والنازحون السوريون!