حرية اليوم: عنصرية وتعصب ومجازر!

أيتها الحرية... كم من الجرائم تقترف باسمك..

إننا اليوم ومع الأسف نعيش في عالم تنتهك فيه الحرمات وتقام المجازر والحروب ويتم الإعتداء على المقدسات وكل ذلك تحت عنوان عريض هو “الحرية”. ولكن، هل الحرية مطلقة؟ ألا يجب أن يكون هناك ضوابط وقوانين تحكم هذه الحرية؟

إن مفهوم الحرية يرتكز على “الإحترام” و”العيش بكرامة”. فإن الانسان قد خلق حرًا، ونرى بأن الشعوب تناضل من أجل حريتها وحرية بلادها، كما وأن الأديان تعلمنا أن الإنسان هو حر وليس عبدًا إلا لربه. ولكن حرية اليوم تختلف عن حرية الأمس، فإن الإنسان قد قام بتطوير العلم والمعرفة والتكنولوجيا والحضارة وحتى الحرية. ولكن هذا التطور الذي طرأ على الحرية لم يكن تطورًا إلى الأفضل بل كان تطورًا نحو الأسوء وإلى ما فيه هلاك البشرية.

فأصبح تعريف الشخص الحر في أيامنا هذه على الشكل الآتي “هو الشخص الذي يعتبر أن بلده هو البلد المثالي الذي يشبه الجمهورية الفاضلة لأفلاطون وباقي البلاد هي شر وخراب، هو الشخص الذي يعتبر أن العرق الذي ينتمي إليه هو العرق السامي والنبيل وباقي الأعراق تأتي بالدرجة الثانية، هو الشخص الذي يعتبر أن دينه هو الدين المنّزل فمن اتبعه قد نجى ومن كان من أتباع ديانة أخرى فمصيره هو الهلاك…إلخ”.

من هنا نرى مدى فظاعة وهول المشهد الذي نعيشه اليوم، فإن العالم قد انفتح على بعضه اسميًا ولكن فعليًا فإن الشعوب تزداد انغلاقًا وتقوقعًا، والتطور العلمي الذي نشهده يقابله تقوقعًا وتحجرًا فكريًا وثقافيًا وحضاريًا وعقائديًا. أمّا إذا نظرنا إلى حياة الثوار والأنبياء والقادة نرى بأنها مليئة بالمصاعب لراحة البشر ولتحررهم من قيود العبودية، فإن السيد المسيح عيسى ابن مريم قد واجه المصاعب لهداية الناس، وأن النبي محمد عاش حياة مليئة بالمصاعب والشدائد دفاعًا عن الحق ونصرة للمظلومين، كما وأن بوذا قد أفنى حياته بالتصوف والإيمان والإبتعاد عن الماديات لإرشاد البشر إلى طريق الحق. فإن التنوع في الحياة هو بمثابة العلاج الشافي، فالتنوع هو أسمى وأبهى ما في الدنيا وهو نعمة من الله للتكامل والرفاه. فالاختلاف والتنوع على جميع الصعد: لون البشرة، المعتقد، العمل، طريقة التفكير… تشكل مصدر قوة إذا استغلت بالشكل الصحيح والمفيد للبشرية ولخير وصالح الإنسان.

إن الحياة هي جمال بكل وجوهها، فكيف بالتنوع والإختلاف؟؟؟

مالي وما لغيري، فلأحدثك عن نفسي: قد عايشت المسلم والمسيحي، وازددت إيمانًا. قد عايشت الأبيض والأسود، فعرفت معنى الإنسانية الحقة. قد عايشت الفقير والغني، فتعلمت كيف أكون متواضعًا. قد عايشت الفلاح والمهندس، وازددت معرفة. قد عاشرت المجرم والمسالم، وتعلمت معنى السلام. انطلاقًا من تجربتي الشخصية في الحياة، إن التنوع هو ركيزة لا يمكن التخلي عنها، كما وأن التوحد هو من أبشع المظاهر في هذه الحياة لأنه يزيد من التعصب والإنغلاق والتمسك بالرأي والمصاعب في الحياة. فإذا أخذنا تجربة فرنسا على سبيل المثال فإنها أم الديمقراطيات لأنها قائمة على التعدد، كما وأن لبنان هو من أعظم الأمثلة على التنوع فإن لبنان هو كطائر الفينيق الذي لا يطير إلا بجناحيه المسلم والمسيحي الذي يعلو ويسمو بلبنان إلى أفق التسامح والمحبة الرحب.

إقرأ أيضاً: الشك طاقة الحرية

إن ما كان أساطير وأحلام عند أجدادنا أصبح اليوم حقيقة يجب الإعتراف بها، ألا وهي التنوع وتفرع طرق الحياة وتقبل الرأي الآخر، بالرغم من بعض الأصولت التي تشدو خارج هذا السرب (أي الأصوات الراغبة بالمصاعب في الحياة). ناهيك عن أنه منذ بداية تاريخ الولايات المتحدة الأميركية لم يأتي رئيس أسود البشرة إلا في أيامنا هذه، ما يؤكد أن مسألة التنوع أصبحت واقعًا مفروضًا. إن الحياة الخالية من التنوع لهي أغنية على وتيرة واحدة، ومن تروق له مثل هذه الأغنية؟ فالحياة لا تحلو ولا تطيب ما لم تتنوع.

إن من يطلب عالمًا لا تنوع فيه كمن يطلب لحمًا بلا عظم، ونارًا بلا دخان، ونورًا لا يحرق. إن التنوع هو نعمة وهدية من الله فلا نحول هذه النعمة إلى نقمة. إن الحياة أصبحت اليوم أصعب من قبل، من خلال ما تشهده من مظاهر الحداثة والتمدن والتطور، لذلك فإن ميادين العمل والتخصص قد اتسعت، وأصبحنا نرى الكثير من المهن والوظائف، وهذا يشكل غنى وتقدم لحياتنا المعاشة، فمن خلال سيرنا على هذه الطريق المتشعبة والمتفرعة نقوم بالقضاء بشكل جزئي على مصاعب الحياة.

إقرأ أيضاً: الحرية بين العطاء الإلهي، والإستهتار البشري

إن حزمة من العصي لا يمكن أن تكسر بسهولة، أمّا عصى واحدة فتكسر بسرعة. فإن التوحد في الحياة سوف يؤدي إلى الهلاك أما التنوع والسير على طرق مختلفة سيؤدي حتمًا إلى تذليل المصاعب، فالإنسان هو محور كل شيء، فباستطاعته أن يحول الحياة إلى نعيم أو إلى جحيم. وبهذا الخصوص يقول بوذا:”لن يلقى السعادة ذلك الذي يبذل جهده للوصول إلى سعادته الشخصية بأن يسيء معاملة أو يبيد الكائنات التي هي أيضًا تنشد السعادة.” فالإنسان عليه أن يعمل للكل ليصل إلى السعادة الشخصية وليس العمل لمصلحة شخصية فحتمًا سوف يواجه المصاعب. ويقول كونفوشيس: “خير لك أن تشعل مصباحًا لا يكاد يرى من أن تنفق وقتك في استمطار اللعنة على الظلام”.

السابق
العثور على الشاب راني أنور عواد جثة داخل فان اكسبرس
التالي
هل يحق للقضاء فرض قيود على وسائل الإعلام؟