كيف يفكر الحزب الشيوعي اللبناني؟

مناسبة طرح هذا السؤال، الآن، هو حدث الاحتفال منذ مدة قصيرة، بذكرى استشهاد مناضلة في المقاومة الوطنية اللبنانية. فقد رفع الحزب الشيوعي صورها وهي سافرة، في قرى جنوبية، مما أدى إلى امتعاض اهلها، الذين اعترضوا وطالبوا بسحب الصور! وبحجة عدم رغبة الحزب الشيوعي في الاصطدام بالعائلة، ارتأى وضع صورها، لكن بعدما ألبسها كوفية فلسطينية.
في حدث واحد:
– رضخ الحزب الشيوعي لقرار عائلي، ذي خلفية دينية، مخالفا بذلك اقتناعاته العلمانية.
– ألبس مناضلة شهيدة، لباسا على رأسها ، ربما لم تكن ترغب في لبسه، مخالفاً بذالك الحرية الشخصية لامرأة، ناضلت على الارجح في حياتها، من أجل استقلاليتها عن اقتناعات اهلها.
– خلط بين قضية التحرر الوطني، والقضية الفلسطينية، ملحقاً الأولى بالثانية.
لعل اكثر ما يلفت في هذا الحدث، هو نموذجيته. إنه يدل كيف ان بعض اليسار اللبناني، يهرب عادة من مشكلاته وقضاياه، متلطياً وراء “قضية العرب الأولى”.
في حدث واحد، يصطدم “الوطني” بـ”العلماني”، بـ”الديموقراطي”، بـ”المقاوم”، وهي الرباعية التي رفعها الحزب الشيوعي تحت شعار “بناء الدولة الوطنية الديموقراطية العلمانية المقاومة”، هذا الشعار الذي أطلقه لمناسبة اعلانه “البيان الوزاري البديل”، في موازاة تأليف الحكومة اللبنانية الحالية.
وكان هذا الشعار قد أثار لديَّ، في حينه، تساؤلات “ماركسية” عديدة، اختصرها في هذه العجالة باثنين. سؤال عن “جدلية” الشعار، وآخر عن “أساسه المادي”.
كيف يمكن أن تتفاعل هذه القيم الأربع، جدلياً، على أرض الواقع؟ اذا كانت الدولة مقاومة (حتى من دون تبعية لحزب من خارجها)، سيكون من الصعب جدا التوفيق بين دورها المقاوم السري، وعلانية عملها الديموقراطي. يزداد الأمر صعوبة لا بل استحالة، اذا كانت مقاومتها بقيادة حزب، يقرر سياساته باستقلالية تامة عن مؤسساتها الديموقراطية. كما انه لا يمكن في أي حال، تصور بناء ديموقراطية فعلية، بدون شروطها الداخلية، الأمنية والاقتصادية-الاجتماعية: احتكار حمل السلاح بيد الدولة، من جهة، والنمو والعدالة الاجتماعية من جهة ثانية. وهي مستلزمات يمكن أن تستخدمها الدولة المقاومة، أو الحزب المقاوم، بحسب ضروراتهما، وتحت شعار “لا شيء يعلو فوق صوت المعركة”، الذي كان التبرير الدائم لاستمرار الاستبداد والتخلف الاقتصادي- الاجتماعي في المنطقة العربية.
واذا كان مآل الديموقراطية أنها ستصير عرجاء إلى هذا الحد، إذا جرّتها الدولة المقاومة وراءها، فكيف نتصور بناء علمانية في ظل تعثر الديموقراطية؟ لا تمشي العلمانية بدون حرية ومساواة ومؤسسات ديموقراطية، الا اذا كان المقصود هذا النوع من العلمانية الذي يسود في جوارنا. أي، ليس فصل الدين عن… الدولة، بل دمج الدين بالمجتمع، وفصل المجتمع ككل عن الدولة المستبدة بطبيعة الحال.

إقرأ أيضاً: حين يخجل الشيوعي من السفور ..يُلزم الشهيدة بالحجاب!
لافتٌ، أيضا، غياب العدالة الاجتماعية، أو الدولة” العادلة”، عن شعار حزب، كالحزب الشيوعي. ومستغرب، اعلاء شأن “السياسي – العسكري” وتهميش “الاجتماعي-الاقتصادي”.
مصدر الاستغراب ليس فقط الايديولوجيا العمالية للحزب، بل أيضاً ان “البيان الوزاري البديل”، خصص الحيز الأكبر من مضمونه للشأن الاقتصادي والاجتماعي.
أكثر من ذلك وأخطر:
كيف يرفع الحزب شعاراً بعيد المدى، ويضعه تحت عنوان “بيان وزاري”، هو في العادة معدّ للتنفيذ على المدى القصير، وبحسب طول مدة الولاية الحكومية؟
كيف يجمع بين موقعه المعارض، من جهة، وصفة الحامل لبيان وزاري، ولو بديل، من جهة ثانية، وهذا ما لا تحمله عادة الا السلطة؟

إقرأ أيضاً: الحزب الشيوعي ممتعض من تحجيب وفاء نور الدين… ومن الحملة عليه!!

لماذا أحب أن يطرح مشروعه بصيغة السلطة ولغتها؟
هل يعتبر نفسه من “جماعة” السلطة، أم يتوهم أنه سيصل إليها قريباً؟
ألا يعرف الحزب، حامل الإيديولوجيا المادية، أن “الموقع” الذي تقف فيه أو تضع نفسك فيه، يحدد الى حد كبير، أفكارك، وخصوصاً خطواتك؟
كيف التبست على الحزب هذه الأمور كلّها: الآني منها والمستقبلي، المعارضة والسلطة؟ وكيف يمكن نتيجة ذلك، ألا يطبع التعثر والتناقض سلوكه؟
حدث بسيط، كالاحتفال بذكرى امرأة، شهيدة، مقاومة وشيوعية،
مثّل اختباراً قاسياً، وبالممارسة، لشعار الحزب، فكيف سيفكر،
ويتصرف، أمام حوادث أكثر تعقيداً وخطورة، على قضايا الناس
الذين يتكلم باسمهم.

السابق
الغارة الأمريكية على التنف أسقطت 60 مقاتلاً من الحرس الثوري وحركة النجباء
التالي
لبنان وحرب 67: إصابة بالمقاومة