حبيب صادق: المواقف السلبية للمنظمات اليسارية أعاقت مسيرتنا الانتخابية في الجنوب

يتحدث حبيب صادق في كتابه الذي حمل عنوان " صراع المصالح والإرادات في معركة الانتخابات النيابية 2005" بصراحة عن احتراف قوى اليسار سياسة التنازع والتنابذ في ما بينها إلى حد محاولة كل فريق منها إلغاء الفريق الآخر؟ واندفاعها باتجاه واقع التمزق والتشرذم، فأصابها الضعف الشديد الهزال المرضي فتهافت خطابها وخف وزنها وضمُر دورها في الحياة السياسية، في حين كانت طبيعة المرحلة تستدعي وحدة اليسار واتفاقه على برنامج عمل مشترك ضماناً لشروط القيام بدوره التاريخي في عملية التغيير الديمقراطي.

يقول صادق في كتابه :ما إن انطوت صفحة معارضة البريستول جنوباً على تلك الصورة الخائبة حتى شرعنا، كقوى خير ديمقراطي، في ترميم وضعنا السياسي والانتخابي وبدأنا بإجراء الاتصالات المنظمة برموز يسارية في الجنوب فلاقينا منها تجاوباً مشجعاً على أساس إقامة قاعدة يسارية صلبة ننطلق منها إلى إجراء اتصالات بوجوه ديمقراطية وليبرالية وبشخصيات سياسية متضررة من ممارسات سلطة التحكم بواقع الجنوب، على صُعُد جمة، وذلك بهدف الوصول، بالحوار البنّاء، إلى قواسم مشتركة تصلح لعقد اتفاق تعاون انتخابي واضح المعالم وصريح البيان.

اقرأ أيضاً: شباب الجنوب لا يكترثون بالعملية الانتخابية: الوجوه نفسها

ونشداناً إلى إقامة تلك القاعدة الصلبة رأينا أن أمر نجاحنا، في هذا المسعى، يستدعي الاتصال المباشر والفوري بالرفاق في قيادات المنظمات اليسارية في بيروت وعلى وجه السرعة شكّلنا وفوداً حملت دعوتنا إلى الحوار، في شأن الانتخابات جنوباً، إلى قادة الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي وحركة اليسار الديمقراطي. وفور إنجاز هذه المهمة عادت الوفود ناقلة إلينا خلاصة الحوارات التي جرت، في جو ودي، ثم خُتمت بإطلاق وعود بإجراء الاتصال بنا، لاحقاً، لمتابعة الحوار وصولاً إلى نتائج ملموسة. لكن، مع الأسف الشديد، خاب انتظارنا الآمل إذ لم نستقبل أي اتصال موعود، من قبلهم، على الإطلاق، الأمر الذي انقطع معه الحوار الذي سعينا إلى إجرائه بكل إخلاص.
وربما يكون من المفيد، هنا، توضيحاً لصورة اتصالاتنا بالحزب الشيوعي اللبناني، باعتباره العمود الفقري لليسار اللبناني، أن نذكّر بدعوتنا إلى عقد حوار مسؤول مع قيادة الحزب الشيوعي، من دون أي شرط مسبق، ردًا على الاشتراط الذي وضعوه، سابقاً، للحوار معنا، وأن نتوقف، قليلاً، ونستوقف، عند خلاصة ما جرى في لقاء وفدنا بقيادة الحزب في مقره المركزي، حيث أفاض الأمين العام د. خالد حدادة في الحديث عن
ضرورة وحدة اليسار اللبناني وعن تقدير الحزب البالغ لهذا الأمر الذي يضعه في رأس اهتماماته ثم انعطف بالحديث نحو المعركة الانتخابية مشدداً على ضرورة التحالف السياسي – الانتخابي مع قوى اليسار، أساساً، في الدوائر الانتخابية كلها بعامة وفي دائرتي الجنوب بخاصة وختم بإبلاغ الوفد أن اجتماعاً للمكتب السياسي سيعقد مساء ذلك اليوم وسيكون هذا الأمر بنداً في جدول أعماله ولسوف نُحاط علماً، بالتأكيد، غداً، بما يُصار إلى إقراره في الاجتماع بشأن مهمة الوفد… وإن غداً لناظره قريب… كما يردد، عادة، دعاة التفاؤل على الدوام!!
ويتابع صادق : وكان من طبيعة الأمور أن تترك، تلك المواقف السلبية للمنظمات اليسارية، آثاراً سلبية جداً على مسيرتنا الانتخابية في الجنوب، وبرغم ذلك فقد حاولنا تشكيل نواة لائحة في الدائرة الثانية، باعتبار أنها أحفل بعناصر المواجهة، نسبياً، من الدائرة الأولى ولكن فوجئنا باضطرار أصدقائنا في قضاء جزين، وهو في صلب الدائرة الثانية، إلى إعلان قرار المقاطعة، ترشُّحاً واقتراعاً، ففقدنا بذلك قوة انتخابية وازنة وكان من شأن هذه المقاطعة مضاعفة الخلل القائم، أصلاً في ميزان القوى لغير صالحنا. فإذا أضفت إلى ذلك الدعوة إلى المقاطعة التي أطلقتها، لاحقاً، شريحة اجتماعية عريضة من أبناء العرقوب، في قضاء حاصبيا، لبدت لك صورة الواقع الانتخابي قاتمة جداً في الدائرة الثانية التي هي الأغنى بعناصر المفاضلة في الجنوب بالنسبة إلينا.
كثيرة هي العوائق التي تجمعت، من كل حدب وصوب، في طريق سيرنا نحو الغاية التي استهدفناها في معركة الجنوب الانتخابية، فحالت مجتمعة دون وصولنا إليها، إلا أن تشتت القوى اليسارية وتنابذها، انعكاساً لشتى التناقضات في مواقفها السياسية ومختلف النزاعات لتأمين مصالحها الانتخابية، شكلا العائق الرئيسي الثاني، في طريق حركتنا، معطوفاً على العائق الرئيسي الأول المتمثل في انقلاب المعارضة على ذاتها الذي أتينا على مقاربته آنفاً.

شؤون جنوبية
فلماذا، يا ترى، احترفت قوى اليسار سياسة التنازع والتنابذ في ما بينها إلى حد محاولة كل فريق منها إلغاء الفريق الآخر؟ واندفعت باتجاه واقع التمزق والتشرذم، فأصابها الضعف الشديد الهزال المرضي فتهافت خطابها وخف وزنها وضمر دورها في الحياة السياسية، في حين كانت طبيعة المرحلة تستدعي وحدة اليسار واتفاقه على برنامج عمل مشترك ضماناً لشروط القيام بدوره التاريخي في عملية التغيير الديمقراطي. ومما لا شك فيه أن الانتخابات النيابية تأتي في مقدم السبل الديمقراطية السلمية الممهدة إلى تحقيق عملية التغيير المنشودة.
ولم تكن مبادرتنا لحوار اليسار مسألة عابرة وجديدة، فهي خيار مارسناه منذ أن تأسس المنبر الديمقراطي. وكان مسار مبادرتنا ينطلق من يقين لدينا في أن لقوى اليسار والتيار الديمقراطي العلماني دوراً رئيسياً في
استعادة وحدة البلد وفي تعزيز حصانته، فهو العابر فيه للطوائف، والقادر، على الإجابة عن أسئلة معضلاته المزمنة، وكنا نراهن على خطوات يسارية توحيدية لبناء كتلة اجتماعية تحمل مهمة التأسيس للمرحلة المقبلة، فإذا بنا نواجه باستنسابية في التعريف بالموقع اليساري تناقض نفسها بنفسها هنا وهناك ما أدى إلى تهافت قوة اليسار ومصداقيته في مواجهة الحملة التي أخذت البلد إلى الطوفان الطوائفي.
لقد انساق اليسار اللبناني، بكل قواه، نحو الأزمة بفعل ظروف ذاتية وموضوعية، فأطرافه مارست التصنيف العشوائي وسلكت بأغلب ألوان طيفها طريق التناغم مع الطوائف كل من موقعه، وهذا ما ظهر خلال الانتخابات وما سبقها وما تلاها، وبالتالي فإن محاولات مقاربة أزمة اليسار في البلد ينبغي أن تخرج من دائرة التصنيف المسبق وإعادة تحديد مهمات اليسار من خارج المراهنة على موقع نيابي في صفوف الطوائف والمذاهب أو في الإقبال على بعض ورثة سلالات تقليدية تخطّاها الزمن برغم توسلها، بشتى السبل، إلى استعادة مجد غابر وزعامة بائدة…
بحكم هذا “القدر” الانتخابي الذي تضافرت على إنتاجه العصبيات الطائفية والمذهبية المسعورة وسطوة المال السياسي وإعلامه، إضافة إلى جور القانون الانتخابي، أسفرت المعركة الانتخابية النيابية الأخيرة عن تلك النتائج المرسومة بقوة قاهرة لا راد لها، الأمر الذي أدى إلى خسران قوى سياسية وشخصيات لها ثقلها الشعبي وإلى حرمان مناطق من حق تمثيلها الصحيح وقد أصاب، في هذا الصدد، الصحافي جوزف سماحة حين قال: “فمن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ثمة فئات مستبعدة وثمة أقضية محرومة من التمثيل”.

اقرأ أيضاً: انتخابات صور: الأحداث الأمنية كانت درساً لمن يريد الترشح خارج «المحدلة»

أما اليساريون الذين انتهزوا فرص قبولهم مرشحين في لوائح الطوائف والمذاهب فقد صح فيهم قول القائل: “… مارس اليساريون” اللعب في ملاعب غيرهم واستعاروا كرات هذا الغير، فكانوا محط تفرُّج ولم يصيروا محط أنظار”.
ويختم : تلك مجرد خطوط بيانية قليلة تؤشر على سلوك قوى يسارية نافذة في معركة الانتخابات النيابية الأخيرة. نقول هذا من غير أن نقع في آفة التعميم إذ أن ثمة قوى ورموزاً يسارية لم تستسلم لهذا “القدر” الانتخابي بل تصدت له، هنا وهناك، وخاضت معاركها الصافية متحدية جبروت الاستنفار الطائفي والمذهبي بإمكاناتها المحدودة جداً ومن هذه القوى والرموز من حُمل حملاً على العزوف عن خوض الانتخابات بعد محاولات خائبة. لكن على الرغم من كل ذلك، يبقى صحيحاً القول أن أزمة اليسار اللبناني شكلت معوّقاً محبطاً لقوى يسارية معينة وأجهضت محاولات جادة قامت بها في هذه الدائرة الانتخابية أو تلك في لبنان بعامة وفي جنوبه بخاصة.
(من كتاب صراع المصالح والإرادات في معركة الانتخابات النيابية 2005 – حبيب صادق – وهذه المادّة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” – العدد 163 – ربيع 2017)

السابق
ميريام كلينك معلقة على عمليات التجميل: نحن النجوم ندمر الثقة في النفس!
التالي
أمير الكويت يتجه إلى السعودية والسبب.. قطر!