شكراً «حزب الله» على توطين السوريين في لبنان!

احمد عياش

أتيحت لكاتب هذه السطور القيام بجولة على بعض تجمعات اللاجئين السوريين في لبنان من أجل معاينة أوضاعهم بعد مرور أكثر من ستة أعوام على بدء الحرب في بلادهم والتي دفعت تباعاً أكثر من مليون ونصف مليون مواطن سوري الى لبنان، فانتشروا في هذا البلد من أقصى شماله الى أقصى جنوبه مروراً ببيروت والجبل والبقاع. ومع مرور الزمن لا يبدو أن رقم المليون ونصف المليون لاجئ سيبقى على حاله، وهذه هي التفاصيل:

في أحدث المعلومات الرسمية ان هناك مئة وثلاثين ألف طفل سوري أبصروا النور في لبنان لا يملكون اوراقاً ثبوتية. فنظام بشار الاسد يعترف بهم، وتمتنع سفارته في لبنان عن تسجيل ولاداتهم. كما ان المفوضية العليا للاجئين التابعة للامم المتحدة ترفض ان تسجلّهم في قيودها بما يعطيهم هوية دولية. أما لبنان، البلد المضيف فترفض سلطاته أن تتولى تسجيلهم تحت أي عنوان مما يعني ان 130 ألف طفل سوري لا هوية لهم حالياً. وهذا الرقم مرشح للتصاعد بما سيطرح معضلة يخشى معها أحد الوزراء المعنيين في حديث مع “النهار” ان يكون “آخر الدواء التوطين” وتاريخ لبنان حافل بأمثلة.

اقرأ أيضاً: نصف قرن على «الهزيمة»… مشرق عربي ولد من رحمها

ربما يكون المنطق المضاد لهذا الكلام هو أن الحل سيكون في عودة السوريين الى ديارهم التي تقع على بعد عشرات الكيلومترات من لبنان. فهل هناك أفق لمثل هذه العودة؟

في استطلاع رأي أجرته إحدى المؤسسات الإعلامية بعد قرار مؤتمر أستانة عاصمة كازاخستان الشهر الماضي بإنشاء أربع مناطق “تخفيف التصعيد” في سوريا بناء على اقتراح من روسيا وشمل هذا الاستطلاع عينات من اللاجئين السوريين في مناطق لبنانية عدة تبيّن أن هناك إجماعاً من المستطلعين على رفض العودة الى هذه المناطق لأنهم غير واثقين من انهم سيحظون بالضمانات التي تكفل سلامتهم.

في جولة لكاتب هذه السطور على عدد من تجمعات اللاجئين يظهر جلياً العدد الكبير من الأطفال الذين يملأون المكان. وكان لافتاً حضور منظمات إغاثة غربية تتولى مباشرة تنفيذ مهمات عدة تشمل التغذية والصحة والتربية التي جعلت من مجمع اللاجئين مكاناً لتعليم أبناء اللاجئين. ويقول المشرف التربوي السوري في المجمع والذي فضّل عدم ذكر اسمه ان هذه المنظمات تبذل بسخاء من أجل تلبية حاجات اللاجئين بما في ذلك دفع رواتب للمدرسين السوريين وهم لاجئون أيضاً لكي يدرسوا الأبناء مواد دراسية تتوافق مع المنهاج التربوي في بلادهم مع استثناء مواد تتضمن توجيهاً يخرج عن النطاق العلمي الامر الذي لم يعتده هؤلاء المدرسون، فأثار إعتراضاً لدى بعضهم لكنه بقي إعتراضاً مكتوما خشية دفع هذه المنظمات الى توقيف مساهماتهم. كما ان بعض المدرسين أبدى تحفظاً مكتوماً أيضاً يتعلق بتخصيص ساعة يومياً في البرنامج التعليمي يتعلق بالانشطة الترفيهية، بينها تعليم الاطفال الرقص لأن ذلك بحسب اعتقادهم يتعارض مع التقاليد المحافظة في بلادهم.

العبرة في هذه المعطيات ان جيلاً سورياً يكبر خارج سوريا وهو لا يعرف شيئاً عن سوريا أكثر مما كان يعلمه الاطفال الفلسطينيون الذين أبصروا النور بعد ترك آبائهم ديارهم عام 1948، وقد شاخوا وهم خارج فلسطين وبدأوا يرحلون عن هذه الدنيا ولم يعودوا الى وطنهم. وإذا كانت الصهيونية وراء تهجير الفلسطينيين قبل ما يقارب سبعة عقود، فإن نظام الاسد وحلفاءه يقومون مقام الصهيونية في تهجير السوريين. وإذا ما أراد أحد أن يتصفح المواقع الإعلامية لهذا الفريق بما فيه موقع “العهد” التابع لـ”حزب الله” لا يجد أي اهتمام بقضية اللاجئين السوريين في لبنان وكيف يمكن إعادتهم لديارهم. إن إهتمام هؤلاء منصب فقط على إبراز “انتصاراته” التي تعني مزيداً من تهجير السوريين كما حال الاسد الذي تباهى في آخر حديث أدلى به الى قناة “ويون تي في” الهندية بأنه “لم يرحل” عن السلطة كما طالب الغرب بذلك، والفضل يعود كما قال الى “الدعم الشعبي” من دون أن يوضح ما إذا كان ملايين السوريين المشتتين في أنحاء العالم هم من الداعمين لبقائه حاكماً لسوريا. أما “حزب الله” فهو مشغول حالياً بمعارك الجنوب السوري الذي يسقط له فيها ضحايا، وذلك من أجل فتح كوة في الحدود بين سوريا والعراق توفر إمكانية العودة للايرانيين الى سوريا وليس عودة السوريين الى بلادهم.

لا يبقى لنا سوى القول: شكرا “حزب الله” على كل ما تقوم به من أجل توطين السوريين في لبنان، طالما انه لا يرى ان هؤلاء أصحاب حق في وطنهم الذي تريد طهران التصرّف بمقاديره وفقاً لمصالحها فقط.

السابق
وقف الرحلات الجوية بين مصر وقطر
التالي
بالفيديو.. ثلاثة أشخاص سوريين يسرقون محل مجوهرات ويرتكبون جريمة مروّعة