خصوصية الصراع الانتخابي في صيدا: ثقل سني سياسي وديمغرافي في الجنوب

لمدينة صيدا موقع خاص في الخارطة الانتخابية النيابية في الجنوب فهي تشكل الثقل الديموغرافي والسياسي للمنتخبين السنة في الجنوب، وخصوصاً أن الترشح والانتخاب يتم على أساس القيد المذهبي. وكانت صيدا جزءاً من دائرة انتخابية واسعة ضمت محافظتي الجنوب والنبطية في الدورات 1992 – 1996 – 2000. وكانت جزءاً من الدائرة الانتخابية لمحافظة الجنوب في الدورة الانتخابية 2005، وتحولت إلى دائرة انتخابية منفردة في الانتخابات النيابية في العام 2009.

انقسام سياسي حاد

منذ عام 1992 يمثلها نائبان من الطائفة السنّية، وهي مدينة عرفت بانقساماتها السياسية الحادة بين طرفين يحاول كل منهما الاستئثار بالتمثيل النيابي. إلا أن النزاع بينهما وطوال السنوات الفائتة لم يصل إلى حد الانفجار أو ممارسة ضغوط كبيرة على الناخبين.

أحد السياسيين من أبناء صيدا والذي تابع انتخاباتها منذ عام 1992 يروي ما حصل منذ ذلك التاريخ. يقول “السياسي العتيق”: عام 1992، راهن اليسار في الجنوب على ضرورة التعاون مع قوى جديدة يمكن أن تقضي على الإقطاع السياسي القديم، أي مع قوى شيعية ناشئة، فكان التحالف مع نبيه بري وعدداً من المرشحين الآخرين، مع إدخال حبيب صادق بما يمثل من رمزية يسارية في اللائحة المذكورة.

اقرأ أيضاً: في العرقوب: حزب الله يريد دمى بين يديه لا أشخاصاً مستقلين

تجربة 1992

ويضيف السياسي: هذه السياسة الجنوبية العامة كان لها خصوصية في صيدا، لذلك حاول المرحوم رفيق الحريري التعاون مع المرحوم مصطفى سعد، لكن الأخير كان يطلب أن تكون علاقته بالحريري علاقة الند للند، وهذا ما لم يوافق سياسة الحريري يومها، الذي توجه للتعاون مع الدكتور غسان حمود بالإضافة إلى شقيقته بهية الحريري.

يصمت السياسي العتيق برهة وكأنه يجمع ذاكرته في تلك الإيام، ثم يروي وبسرعة خبرية لم تتداولها الأوساط السياسية في صيدا وهي: تناقلت وسائل الإعلام أخباراً عن تصريح لبعض المجموعات التي على علاقة بسعد أنها على استعداد لتخريب الانتخابات إذا بقي حمود مرشحاً. وقبل الانتخابات بأسبوع واحد، وأذكر مساء الاثنين، اتصل الحريري بأحد السياسيين في بيروت وطلب المساعدة على حل المشكلة مع مصطفى سعد بأي ثمن ممكن. صباح الثلاثاء زار السياسي المذكور مصطفى سعد في منزله وتداول معه الأمر وطرح عليه عرض الحريري بتقديم أي مبلغ من المال مقابل الانسحاب من السباق الانتخابي. لكن سعد بقي على موقفه بالترشح. وحصلت التسوية بين الحريري والسياسي المذكور بأن تتبنى لائحة بري ترشيح بهية الحريري وترك المقعد الثاني شاغراً وهذا ما اتفق عليه الحريري وبري هاتفياً.

شؤون جنوبية

مساء الاربعاء عقد اجتماع في منزل الحريري حضره شقيقته بهية وشقيقه شفيق ورئيس البلدية آنذاك أحمد الكلش أبلغهم الحريري بالاتفاق. وأبلغ شقيقه شفيق د. غسان حمود بالأمر فجر الخميس وأعلنت اللائحة وترك فيها مقعداً شاغراً مما أفسح في المجال لنجاح مصطفى سعد بالمقعد النيابي السنّي الثاني في المدينة.

تجربة فاشلة

ويتابع: في العام 1996 كان هناك مسعى لتشكيل لائحة بين اليسار وحزب الله ونوقش الموضوع مع المرحوم مصطفى سعد الذي رفض الدخول في اللائحة المذكورة وأصر على الترشح منفرداً وطالب الأطراف الأخرى بدعمه، وكانت الحالة الانتخابية لحزب الله في تصاعد واضح، وجرت الانتخابات أيضاً وتركت لائحة بري وبعيد اتفاقه مع حزب الله المقعد الثاني للمدينة شاغراً. وحصل مصطفى على الأصوات من سائر الأطراف بما فيها اليسار.

صيدا

وعن انتخابات عام 2000، يوضح السياسي المذكور: في هذه السنة لم تحصل انتخابات بالمعنى الفعلي، فقد صار مصطفى سعد جزءاً من اللائحة وترشح فيها إلى جانب بهية الحريري. وبعد وفاته حل شقيقه أسامة بالتزكية، وفي انتخابات 2005 كان سعد عضواً في اللائحة المشكلة برئاسة بري مما يعني عدم وجود منافسة جدية في المدينة.

2009 ظروف مختلفة

جرت انتخابات 2009 وفق القانون المعروف بالستين وكانت مدينة صيدا دائرة انتخابية منفردة. وجرت منافسة شديدة بين المرشحين آنذاك بين بهية الحريري وفؤاد السنيورة من جهة وبين أسامة سعد من جهة أخرى وسط أجواء تأثرت بمقتل الحريري ومن أحداث أيار 2008 ما جعل الفارق كبيراً بين الحريري وسعد.

ويختم قائلاً: لم تشهد الدورات الانتخابية مناخات تخويف، لأن طرفي النزاع كانا محاطين بمجموعات أدت إلى توازن رعب بين القوتين المتنازعتين.

انتخابات صيدا بعيون “الحياة”

وحول التنافس على المقعدين السُّنِّيَّين في مدينة صيدا، في الانتخابات النيابية لعام 1992، نشرت جريدة “الحياة”، تقريراً مفصلاً بتاريخ 7/9/1992، بعنوان فرعي: “غابة من الصور واللافتات وشكاوى من البطء الإداري”؛ وعنوان رئيس: “صيدا: التنافس على المقعدين أوجد “سلطة من اللوائح”. وأبرز ما جاء فيه:

“فيما توزعت صور المرشحين الصيداويين الكثر، المتنافسين على المقعدين السّنيين فيها، في كل الأمكنة ولافتاتهم، فاللافت كان عدم ظهور أي صورة للمرشحة بهية الحريري، فيما انتشرت اللافتات المؤيدة لها. وحلّت صورة شقيقها رجل الأعمال السيد رفيق الحريري، محلها لأسباب قيل إنها تتعلق بحملة الإسلاميين الأصوليين على ترشيح امرأة… خصوصاً أن لهم مرشحاً منافساً لها، ولغيرها بإسم الجماعة الإسلامية، هو السيد علي الشيخ عمار”.

“أكد معظم المرشحين أن نسبة الإقبال على الاقتراع، ليست قليلة، والسبب يعود إلى أن “لائحة التحرير” تركت الخيار لمقترعيها كي يختاروا المرشح الصيداوي الثاني، إضافة إلى السيدة الحريري التي ضمتها اللائحة؛فيما تركت لائحة الرئيس الأسعد الحرية لناخبيها باختيار المقعدين سوياً. أما “ربع اللائحة” التي تشكلت بين مجموعة من المرشحين، فقد ضمت إليها المرشح الدكتور عبد الرحمن البزري من صيدا. إلا أن كثرة المرشحين الصيداويين، ورغبة البعض منهم في التعاون مع مرشحين منفردين آخرين في مناطق اخرى، أو مرشحين موجودين في خانة اللوائح التي أعلنت، أوجد “سلطة” من اللوائح في المدينة، تم توزيعها على مفترقات الطرق، لا يمكن إحصاء عددها نظراً إلى كثرتها. فـ”حزب الله” المؤتلف في “لائحة التحرير”، امتنع عن التصويت للسيدة الحريري، وشكّل، في صيدا، بالتعاون مع القوى الإسلامية، فيها، لائحة خاصة وُزعت على جمهوره تقضي بالتصويت لمرشحيه الشيعيين في الجنوب وللمهندس مصطفى سعد رئيس “التنظيم الشعبي الناصري”، والسيد علي عمار (الجماعة الإسلامية) “وتردد أن مؤيدي الرئيس كامل الأسعد أضافوا إلى لائحتهم إسمي سعد، والدكتور البزري، في بعض الحالات، فيما أضاف مؤيدو “أمل” إلى الحريري، الدكتور غسان حمود. اما المرشحون المنفردون الموزعون والكثر، فعقدوا اتفاقات ثنائية مع هذا أو ذاك من المرشحين الصيداويين. ولم تسلم بعض اللوائح من التشطيب بسبب اتفاقات مشابهة بين الصيداويين ومرشحين على هذه اللوائح.

“وسبّب خليط اللوائح هذا حالاً من الضياع والفوضى والحيرة بين المقترعين الذين تحركوا وسط تدابير أمنية مشددة اتخذها الجيش وقوى الأمن الداخلي”. “وظهر أن المنافسة على المقعدين السنيين في عاصمة الجنوب، يأخذ طابع التحدي، بين قوى متعددة لها نفوذها وقوتها على الأرض، ويتربص كل منها للآخر.

“المهندس مصطفى سعد رد على أسئلة الصحافيين، عن قول الوزير نبيه بري أن المنافسة هي بين “قوى 17 أيار (مايو) وقوى انتفاضة 6 شباط (فبراير)، بالقول: “ليس هناك 17 أيار ولا 6 شباط، بل هناك 6 أيار جديد هو المطروح، وبالتالي فإن المسألة هي لقمة عيش المواطن”، مشيراً إلى “الإقطاع السياسي الجديد”، وقال سعد إنه لم يخض المعركة على أساس لائحة، “لأن ما يهمنا هو أن ندافع عن خط سياسي من دون التطلع إلى الربح والخسارة على الصعيد الانتخابي، وأوضح أنه كان يهمه أن تكون الانتخابات على أساس لبنان دائرة واحدة، ولكن تم تفصيل الانتخابات على قياسات معينة، فتمت على أساس المحافظة في بعض المناطق وعلى أساس القضاء في مناطق أخرى”. وقال “إنه يفضّل “لو حصلت هذه المرة على أساس القضاء، لكن الحكومة سلقتها وسرَّعت في إجرائها، بينما كان المطلوب أن تتم على أساس المحافظة بعد 4 سنوات يتم التهيئة خلالها للانتخابات على أساس المحافظة”. وأعرب سعد عن اعتقاده أن الرئيس الأسعد “كان أذكى من الوزير بري، لأنه ترك في لائحته مقعدي صيدا شاغرين”. وقال: “إن شعبنا يشكل اللوائح التي لن تُفرض فرضاً عليه”. واعتبر سعد أن إغلاق “جيش لبنان الجنوبي” للمعابر من الشريط الحدودي المحتل وإليه له “تأثير نسبي في الانتخابات، لأن عدداً من سكان الشريط كان انتقل إلى المناطق المحررة قبل الإقفال”. ورأى “أن الحكومة اللبنانية لم تتعاط بحكمة مع موقف المقاطعين للانتخابات النيابية وأن نصف لبنان يقاطعها الآن”.

“وأبلغ معاونو سعد “الحياة” أن الانتخابات يشوبها البطء الإداري وخلل في الأداء الحكومي، ظهر في صيدا كما في المراحل السابقة، مثل تغيير بعض مواقع أقلام الاقتراع قبل وقت قصير من بدء الانتخابات، والتأخير المتعمد في إنجاز إخراجات القيد لناخبين تابعين لمرشحين معينين، في مقابل إنجازها، بسرعة، لناخبين تابعين لمرشحين آخرين. وشكا هؤلاء من أن رؤساء بعض الأقلام الذين استقدمتهم الدولة إلى صيدا ليل السبت باتوا ليلتهم في إحدى المدارس التابعة لأحد المرشحين، مما يسمح بالشك في انحيار بعض أجهزة الدولة إلى هذا المرشح… وذهب معاونو سعد إلى حدّ القول أن خطوط الهاتف الخاصة به أصيبت بعطل ليل السبت ولم يصلح بعضها إلا صباح الأحد… “ولقد شكا المرشحون المنافسون للسيدة بهية الحريري، من سرعة تلبية الدوائر الرسمية لمتطلبات معركتها، بالمقارنة مع البطء في تلبية متطلباتهم هم. وفي وقت أخذ بعض المرشحين على القوى الأمنية أنها أمنت مواكبة للحريري أثناء انتقالها للاقتراع في أحد المراكز، وأقفلت شارعاً في إطار التدابير الأمنية لهذا الغرض، قالت المصادر الرسمية أن الحريري طلبت المواكبة الأمنية من الدولة لأسباب تتعلق بها، فيما المرشحون الآخرين لم يطلبوها ولو فعلوا كانت أمّنتها لهم.

اقرأ أيضاً: الشيوعي أنور ياسين: كانوا يقولون هناك تكليف شرعي والناس غير أحرار

“وعند عودة المرشح الدكتور عبد الرحمن البزري إلى منزله، من جولته على أقلام الاقتراع، أبدى ارتياحه (للصحافيين) إلى الإقبال الصيداوي الكثيف على الانتخابات، لكثرة المرشحين، وللأمن الذي واكب العمليات

الانتخابية، لكنه أشار إلى الشوائب في لوائح الشطب والفوضى الإدارية في تلبية مقومات الانتخابات، وشكا من تسرُّع الأجهزة الإدارية في إجراءاتها، ومن إرسال عدد من الملاحق للوائح الشطب، إلى أقلام الاقتراع غير تلك التي يفترض أن تُودع فيها، ما حيَّر الناخبين الواردة أسماؤهم فيها، لجهة المكان الذي يجب أن يقترعوا فيه. وقال معاونو البزري إن الملاحق هذه تضم بين خمسة آلاف وستة آلاف ناخب. وأشار هؤلاء إلى أخطاء في طباعة التصاريخ لمندوبي البزري من قبل السرايا والمحافظ بحيث تعذّر على بعضهم الوجود في بعض المراكز. وأشار البزري إلى انحياز بعض المعنيين في الأجهزة الإدارية لبعض المرشحين من ذوي النفوذ”.

وانتهى التقرير بالإشارة التالية: “وشكا مرشحون كثر من أن بعض رؤساء أقلام الاقتراع، يقصدون البطء في إجراء عمليات الاقتراع، فيؤخّرون الناخبين الذين كثروا وامتدوا صفوفاً أمام ثلاثة مراكز أو أربعة في المدينة.

(هذه المادّة نشرت في مجلة “شؤون جنوبية” – العدد 163 – ربيع 2017)

السابق
من هو الارهابي ريان مشعل الذي قتلته «طائرات التحالف»؟
التالي
الإصلاح والتغيير… بالمقلوب