في المقاومة..

عندما انتصر الروس والعديد من جيرانهم في الشرق والغرب من اوروبا، لم يحدث أن دوّن أحد في كتاب تاريخه أن الأورثوذكس أو المسلمين أو الكاثوليك… الخ، هم من انتصر على النازية أو الفاشية أو الديكتاتورية في بلده، ولا أدعى أحد بأن مهمة تحرير الأرض في منطقة القوقاز الروسي مثلا، كانت محصورة بساكني تلك البقعة او المنطقة ومنع الآخر من المشاركة في هذا الانجاز الوطني تحت حجة أن الغالبية الطائفية من أورثوذكسية أو مسلمة هي من سيلتزم مهمة تحريرها “بالنيابة أو الوكالة ” القسرية، من باب التشكيك في قدرة “الآخر” على تنفيذ المهمة لسبب نقص في الوطنية. فيقال مثلا ويكتب أن الشعب الروسي حرر واحتفل ، والشعب الفرنسي حرر ويحتفل، والشعب… الخ حرر واحتفل، وليس الشعب الغربي أو الجنوبي أو الشرقي أو الطائفة الفلانية هي من حرر!

اقرأ أيضاً: الإرهاب والحجّة السخيفة المؤذية

… فرحة التحرير لم تكتمل، ولو اكتملت كان العيد ليكون عيدا، كان ليكون عرسا مدويا على مساحة الوطن مترافقا مع استعراضات ومبادرات اجتماعية وفنية وثقافية وسياسية، منظمة وعفوية وفي كل المناطق دون استثناء، نعم، بكل هذا وأكثر بدل من أن تكون المناسبة فرصة ” يوم عطلة ” اضافي وباهت للتخلص من هموم العمل والدراسة، عيد لا معنى لوطنيته الا بالتوافق الرسمي على أن يكون ما هو عليه .

دعونا لا نتكاذب، كان لوقع “العيد” أربعة مفاعيل على النفوس والرؤى التي تلف أمزجة وقناعات الناس على الساحة الوطنية عامة وعلى امتداد الأنتشار اللبناني بالخارج أيضا .

فئة احتفلت ورفعت أعلامها، وحشدت على قنواتها ومنابرها بصيغة أن المناسبة هي فرحة تعم الوطن! وهي بالواقع لم تعن الا مناصريها، وبذلك تكون هذه الفئة قد حولت المناسبة الى احتفال بحجم مشاركتها كجزء من سلطة محاصصة طائفية وفساد لا يشرف أحد بالدفاع عن منجزاتها ولا بالاحتفال بأفراحها .

فئة ثانية، لا ترفض بالمطلق تحديد يوم المناسبة (25 أيار) مع أنها ترى أنه حتى في تحديد هذا التاريخ، عمل تم اقصاؤها عنه قسرا وبالقوة ، وبالتالي كان ليكون يوما آخر لو لم تمنع هذه الفئة عن القيام بدورها، وهو الذي كان قبل الأقصاء التصفوي دورا وطنيا ذا قيمة وفعل خياليين، وهي فئة مركبة من قوى عديدة وقوتها في صيغتها الجبهوية التي من خلالها استوعبت غالبية المكونات السياسية على تفاوت أحجامها، كانت الفئة أو الشريحة الأشمل تمثيلا وتنوعا، كانت بنضوج عملها الجبهوي المتنوع السياسي والعسكري ولدورها التحريري تصيغ وتعبد بالممارسة صورة لبنان الجديد وتخط طريق العبور الى الحداثة والتغيير الديمقراطي الحقيقي للنظام السياسي في لبنان واخراج البلد من عنق الزجاجة الطائفية التي تمنع حتى هذه اللحظة امكانية قيامه.

عيد التحرير

بالمقابل، فأن فئة “قوى التحرير “بدت قاصرة كليا وعاجزة موضوعيا وذاتيا عن ربط مهام التحرير بالأصلاح السياسي والأداري، ومع انها انتصرت في الميدان ومن حق المنتصر أن يأخذ حصة في السلطة السياسية، الا أنها راحت تنغمس أكثر وأكثر في متاهة التقاسم والتحاصص المذهبي والطائفي والاداري والسياسي.. الخ، من خلال كل مشاركاتها المتعاقبة في كل وجوه وجوانب السلطة بشقيها التنفيذي والتشريعي، والنتيجة واضحة جلية، أزمة وطنية شاملة شلل سياسي وكارثة اقتصادية وفساد وتقاسم بالتراضي..

أما الفئة الثالثة، وهي شريحة تنتظر وتراقب، يزيد حماسها وفقا للمزاج العام، سريعة التقوقع في زمن الأحباط والتراجع، وهي شريحة ليست “لا خائنة ولا عميلة” بل فئة تفضل أن تستفيد من انجازات ليست من صنعها، ولكنها تشكل بالوقت نفسه معيارا أو بوصلة لأي سلطة أو مشروع، وهي تقيس بكثير من الريبة في صحة أي خطوة أو نقلة أو انجاز بالسياسة أو الأمن، وهي موضوعيا تصيب في ذلك، وهي الفئة التي لم يقنعها ايضا لا الطريقة ولا الأسلوب الذي تم بموجبهما مصادرة مشروع التحرير من المحتل، ولا تموضع “المنتصرين” كمراقب او عاجز او مشارك في تفليسة الدولة على مجمل الصعد، وهي حتما فئة لا تشارك، ولم تشارك المحتفلين بمناسبة التحرير.

وأما الفئة الرابعة، وهي الأقلية المطلقة على المستوى الوطني، وتتمثل في من يعتبر بالأساس أن اسرائيل ليست بهذه العدوانية وتميل الى عدم اعتبارها عدوا وما الى ذلك من التحلل والرعاش الذهني، وهي فئة موجودة دائما (أفراد أو جماعات معزولة ) في كل بلدان العالم ولا قيمة جدية لسلبيتها، الا اذا تخطت عتبة وحدود المقبول من الأنهزام وراحت بأتجاه العمالة والتواطئ المنظم على حساب مصلحة الوطن ، فلا خوف من هؤلاء ولا خلاف على كيفية مواجهتهم ، فالأجماع الوطني والقوانين القضائية المرعية الأجراء للدولة دون سواها وعبر القوى الأمنية للدولة دون سواها تصبح هي الكفيلة بردع أي انحراف على هذا المستوى.

عندما يغيب القسم الأكبر من الوطن عن شعور الأنتماء الى الحدث، وعندما يضطر القسم الأكبر من الأعلام الى تداول خبر “العيد الوطني للتحرير” من باب رفع العتب ليس الا، وعندما يعي “المنتصرون” وخاصة أصحاب القرار منهم ضمنا أن العيد ليس عيدا كاملا، فمن باب أولى أن يستدرك هؤلاء حجم الخلل واعادة قراءة المشهد بشكل شامل قراءة نقدية تاريخية موضوعية، والتوقف عن الاكثار من الصراخ الذي لن يرقى لأن يكون انتصارا وطنيا.

السابق
الجيش يفكك حزامين ناسفين في جرود فنيدق
التالي
لبنان بين سندان العقوبات الأميركية ومطرقة الانهيار المالي!