رمضانُ الأمسِ وفلوكلورُ الحاضِر

يتابع الكاتب صالح حامد نقده لبعض الظواهر المجتمعية فيكتب عن بعض مظاهر استقبال شهر الصوم الحديثة!!

في طُفولتِنا كانَ لرمضانَ بهجتُهُ ورونقُهُ ورائحتُهُ ورُوحانيَتُهُ وإطلالتُهُ ونسمتُهُ وعاداتُهُ وتقاليدُهُ التي جَعَلَتْ منه أجملَ الذكرياتِ المَرْوِيَّةِ في مظهرِهِ بالمأكَلِ والمشربِ والزّينةِ وتبادلِ أنواعِ الحِلوى والتهاني والزيارات، فشكَّلَ محطةً لصلةِ الرحمِ وتكوينِ العلاقاتِ الأخويةِ والأُسَرِيَّةِ بينَ أبناءِ البلدةِ الواحدةِ كواحةِ فُسَيْفِسَاءٍ وبنكهةٍ دينيةٍ واجتماعيةٍ وثقافيةٍ ومدنيةٍ جامعةٍ.

فَمِنْ رحَمَاتِهِ يتبادلُ الجارُ وجارُهُ الموائدَ مصحوبةً بالابتسامة والدعاء وترى الصحونَ تَنْتَقِلُ من بيتٍ إلى دارٍ فتشعر وكأنَّ البلدةَ هي بيتٌ وأسرة ٌواحدة،حيث الجميعُ تناولَ الطعامَ من طبخِ جارِه.

إقرأ ايضا: «النسبيّة» في جمعيّة «الفكر والحياة» في بحنين

هذه الأجواءُ التي عاشَها أجدادُنا وآباؤُنا نَفْتَقِدُها في عصرِ العولمة والمادَّة والقرنِ الواحدِ والعشرين بما يَحْمِلُ من انشقاقاتٍ وتفتيتٍ مجتمعيٍّ وخلافاتٍ بينَ أبناءِ الأسرةِ والبيتِ الواحد، فكلُّ مظاهِرِ الوَحْدَةِ التي كانت تتجلّى في رمضانَ الأمسِ لم تعُدْ حاضرةً وقائمة، حتى قَسَتِ القلوبُ فهي كالحجارةِ أو أشدِّ قسوةٍ، فصِرْنا نَستقبِلُ رمضانَ وكأنَّه يومٌ كباقي الأيام، وفيما مضى كانوا يستعدِّونَ له منذ شهرِ رجبَ وشعبانَ صياماً وعبادةً تحضيراً لدخولِ عالَمِ وفضاءِ رَمضان بما يرمز مِنْ خيرٍ وعطاء، حتى خُيِّلَ للبعضِ أنه شهرٌ للإستهلاك والتبضّعِ وكأنّنا قادمونَ على مجاعةٍ وحربٍ ضروسٍ قادمة لا مفرَّ منها.

إقرأ ايضا: الضرائبُ المجحفةُ والرواتبُ الظالمة

إضافةً الى أنَّ الحركاتِ الدينيةِ بشقيها المعتدِل والشاذ اتَّخَذَتْ مِن رمضانَ منصّةً لنشرِ أفكارِها المتطرفةِ والمُسْتَظْرِفَة ولتدريسِ نهجِها عبرَ الدروسِ والمحاضراتِ والبرامجِ الممولة، وصِنْوُها الأحزابُ السياسيةُ التي تقيمُ الموائدَ الرمضانيةَ لاستقطابِ الطَّبَقَات ِالشعبيةِ الأكثرَ فقراً، والطبقةُ المخملية ُلها موائدُها الرمضانية الخاصةُ بها نوعاً وعنايةً وإعلاماً وليس للفقراء منها نصيب.

حتى غدا شهُر رمضانَ موسِماً إما للتَّرفِ والتَّرْفيْهِ وإمَّا لعَرْضِ المُسلسلاتِ التلفزيونيةِ غيرِ الهادفةِ وإما مناسبةً لإحياءِ حفلاتِ الطربِ وكأنَّه عيدٌ للعشّاق وإما أنْ يَستغلُّهُ التُّجارُ لزيادة الإنتاج والأرباح.

فالله سبحانه حين شَرَعَ رمضانَ للصيام هَدَفَ إلى مساواةِ ومواساةِ الأغنياءِ للفقراءِ ولمعالجةِ الأمراضِ ولرياضةِ الجسدِ والصبرِ للوصولِ إلى روح التقوى، ونحن اليومَ جَعلناه للبطنِ والنومِ والتباهي بأطباقِ الموائدِ والتَّفاخُرِ بالسَّهْرِ ظلالِ الخِيَمِ على الأنغام والمُوشَّحات الأنْدُلِسِيَّة والقدودِ الحلبية.

فيما طبقةُ الفقراءِ يَعتبرونَه عِبئاً إضافيَّاً ومع حلولِ عيدِ الفطرِ تتكاثَرُ الاحتياجاتُ على رَبِّ العيلة، فَيَقِفُ حَائِراً بينَ الفرحةِ وضغطِ المطالب.

السابق
«داعش» يرتعب ويفتح النار على «النصرة» في جرود عرسال
التالي
مقتل والد المدير العام للشباب والرياضة زيد خيامي