لماذا جرائم القتل الأخيرة في لبنان؟

الإجرام الأسريّ بات خبز اللبنانيين اليومي، ورغم ذلك لا شروحات ولا تفسيرات لما يجري، فالغموض يلفّ المجتمع بأسره. فما هو تعليق الباحث الاجتماعي عبدو قاعي حول هذه الظاهرة؟

ينذهل المتابعون لارتفاع نسبة الجرائم في لبنان مؤخرا وبشكل غير مسبوق، مما يُثير تساؤلات حول التغييرات التي دخلت البنية العقليّة والنفسية للبنانيين دون الانتباه إليها. وهل من دور للإعلام الالكتروني والمرئي في هذه التغييرات السلوكيّة الخطيرة. والسريعة؟.

إقرأ ايضا: ارتفاع نسبة الجرائم في لبنان وارتباطها بالأزمة السورية

فصباح كل يوم، تخرج علينا شاشات “البث الحيّ” بصور الدماء الساخنة، ولا ترتدع عن نقل صور الجرائم رغم ان تأثيرها يستجلب المزيد من العنف. اضافة الى البرامج الاجتماعية الإسبوعية التي باتت تتكل على مزيد من الجرائم ليستمر الجمهور مشدودا الى شاشتها. فكل برنامج يشحذ هممه طيلة الاسبوع ليسابق غيره من الشاشات بعناوين مثيرة ومواضيع رخيصة. كما لا يمكن إنكار دورالهواتف الذكيّة التي تنقل، وبالبث الحيّ، أيّ حادث جرميّ دون رادع او مراعاة، بحيث ان ذوي الضحايا يعلمون بالخبر عبر الـ”سوشل ميديا”.


وقد ارتفعت الأصوات المستهجنة لارتفاع نسبة الجرائم من داخل المجتمع اللبناني والذي_ رغم مرور حرب الـ 15 عاما_ لم يجر عليه ما جرى مؤخرا.

فحصول جريمة، كجريمة قب الياس مثلا، والتي ذهب ضحيتها شابين على يد شاب ثالث متهور، ولسبب تافه، كانت ستفتح الباب أمام فتنة كبيرة، كون القاتل مسيحي والضحايا مسلمون، لولا ضبط الأهالي من قبل شخصيات مسؤولة ومعنيّة. واللافت هو الاسلوب العنفيّ في القتل، الذي بات عاديا لكثرة التكرار، كعملية قتل مثلا للضحية جورج الريف امام الناس وفي الشارع، دون المبادرة الى الاتصال بالقوى الأمنية. وكأن القتل صار في لبنان أمرا عاديا، كما هو الحال في بعض الولايات المشهورة بالإجرام في بعض الدول الاميركية.

وجريمة بلدة البابلية التي ارتكبها فرد من العائلة تجاه عائلته لأسباب إرثية مالية، توضح حجم الأزمة داخل الأسرة اللبنانية. اضافة الى جريمة رميّ أم لطفلتها بمعاونة والدتها وشقيقتها في الدورة. وجريمة قتل شابة في كفرشيما بسبب بعض المياه على منشر غسيل الجيران.

وكذلك جريمة بطلها رتيب في الأمن العام قتل فيها أربعة من جيرانه بعد انزعاجه من صوت الكلب، واقدام والدة على رميّ طفلتها في حاوية للقمامة في كفرشيما.

أما جريمة جناتا الاخيرة الذي ارتكبها منذ يومين أبّ عصبي بحق زوجته وابنته فلا مبرر سوى ان الجميع يضعها تحت اطار ان القاتل”عصبي جدا”. وسبقتها جريمة صور الذي ارتكبها ايضا زوج بحق زوجته في منزلهما من خلال ذبحها وبعنف. ومحاولة الخادمة الاثيوبية قتل مخدومتها المرأة الحامل بشهرها التاسع دون أي رادع او وجل من الحساب. ففي منطقة واحدة حصلت هذه الجرائم المريعة، وبشكل مفرط بالمأساوية. فأين الرادع الديني والأخلاقي والمجتمعي؟ علم الإجتماع يُرجع السبب الرئيس لارتكاب الجريمة عامة إلى تراجع هيبة الدولة وسلطة القانون.

وفي هذا الاطار، يؤكد الباحث عبدو قاعي، ان “هذه الجرائم تستدعي الرهبة، في العالم كله، وليس في لبنان، وهناك تراجع وتقوقع انسانيان مما يستدعي الرهبة. وقد سميّتها L’anxiété sociale أي القلق الاجتماعي الشامل”.

“وهذا يستدعي مراجعة شاملة، فنحن لم نقم بأية مراجعة شاملة، بل اكملنا عملنا ولم نقرأ قراءة داخلية لدواخلنا ولعاداتنا ولادبياتنا، فلم نستخلص منها الاصول الجمالية، ونترك الاصول البالية التي نتقيد بها، ولنقم بمراجعتها، حتى اوروبا لم تقم بذلك”.
لذا، “علينا اعادة قراءة واقعنا، واعادة قراءة تاريخنا، فنحن نعيش مع الجماعة الأصلية دون أية مراجعة”.

إقرأ أيضا: اللبنانيات ثنائيات القطب أكثر من غيرهنّ؟

لكن الجرائم باتت داخل الأسرة والعائلة الصغيرة، ولم تعد فقط داخل المجتمع الكبير او الحزب او بين طوائف متنوعة؟ فما هو السر؟ برأيك؟
يؤكد قاعي ان “الأسباب الأولى تعود لعدم فهم الانسان لذاته ولغيره، مما جعله يرتد على ذاته. من هنا الجريمة تحصل. فينتفض الانسان على ذاته ويهمد بعددها. ونحن آتون على تربية خاطئة حيث انغمسنا بالماديات، ولم يحصل الاعداد المطلوب، وبسبب ضغط العمل راح الانسان ضحية لذلك”.
وعلى من تقع المسؤولية هنا؟ “يؤكد قاعي ان “المسؤولية تقع على الجميع، فنحن لم نقم بمسؤولياتنا اللازمة منا، إذ لم يقبل أحد أن يؤدي واجباته المطلوبة منه”.

السابق
شهر «رمضان» الأخير صيفاً.. فما أصل التسمية؟
التالي
هل سيختل الميزان العسكري ضدّ معسكر ايران بعد قمة الرياض