أمن موسكو سيأتي الخير: بوتين يعترف بالقدس

اذا كانت روسيا، التي ليست الدولة الاقرب الى اسرائيل، اعترفت بالقدس كعاصمتها، فلماذا لا تفعل هذا دول اخرى؟ ان مجرد الاعتراف، مجرد كتابة الامور، حتى بدون النقل الجسدي للعقار الدبلوماسي، هو انجاز كبير لاسرائيل.

في 6 نيسان اطلقت وزارة الخارجية في موسكو تصريحا كان يفترض أن يجر فعلا سياسيا اسرائيليا حثيثا في كل العالم. فالقسم الصاخب في ذاك البيان: روسيا هي الدولة الاولى في العالم التي باعلان رسمي، موقع من الرئيس تعترف بالقدس عاصمة اسرائيل. صحيح، يدور الحديث عن الاعتراف بغربي المدينة، الى جانب القول ان شرقي المدينة ستكون عاصمة الدولة الفلسطينية حين تقوم، الا ان هذه لا تزال دراما كبيرة، مفاجأة في ضوء هوية المعلن وفرصة سياسية نادرة لنيل اعتراف مشابه من دول كثيرة اخرى. في دولة عادية كانت وزارة الخارجية ستجعل هذا الاعلان حملة اعلامية هائلة.

كيف ولد الاعلان؟ في وسط القصة تقف الشخصية المشوقة ليعقوب كدمي (ياشا كزكوف)، نشيط الهجرة الاول الذي لم تكن له عائلة في اسرائيل وتلقى إذنا بالهجرة بعد كفاح عنيد، خدم في الجيش (في دبابة ايهود باراك في المعركة على المزرعة الصينية) وانضم الى مكتب العلاقة السرية “نتيف” – ذراع الاستخبارات الذي عمل من اجل يهود الكتلة السوفييتية – الى أن اصبح رئيسه.
لاحقا اتهم كدمي من الاستخبارات الروسية في أنه استخدم عملاء في موسكو، وحظر دخوله حتى كانون الاول 2015، حين اتصل به السفير الروسي في اسرائيل وابلغه بان الحظر الغي. ومنذئذ وهو ضيف مرغوب فيه في موسكو، ومن سلسلة محادثات اجريناها في الاشهر الاخيرة يتبين بانه يقدر جدا بوتين والتغيير الذي حققه في روسيا. اما اليوم فكدمي هو محلل دائم في التلفزيون الروسي وذو خطوات في أروقة الحكم. وقد استغل علاقاته مع وزارة الخارجية الروسية كي يؤدي الى خطوة الاعتراف بالقدس.

إقرأ أيضاً: ضغوطات تجبر «حزب الله» على الإنسحاب من سوريا

وضع الاعتراف الدولي بالقدس كعاصمة اسرائيل مشوه جدا. فبعد حرب التحرير ولان المدينة اعدت حسب مشروع التقسيم لان تكون منطقة دولية (كوربوس سبراتوم) لم تعترف بها اي دولة كعاصمة اسرائيل (رغم الاعتراف باسرائيل نفسها). فللولايات المتحدة مثلا توجد قنصلية في القدس، الا انها لا تتبع السفارة العاملة في تل أبيب. صحيح أن قانونا اقر في الكونغرس في العام 1995 قضى بانه يجب الاعتراف بالقدس كعاصمة اسرائيل ونقل السفارة اليها، الا ان الامر لم ينفذ. فالرؤساء الامريكيون، كل الرؤساء، مددوه بمرسوم المرة تلو الاخرى كل ستة اشهر، وهكذا سيفعل ترامب ايضا في نهاية هذا الشهر. بعد حرب الايام الستة، وبسبب التأثر بدولة اسرائيل، وبقدر قليل بفضل توريد السلاح والتدريب العسكري الذي تلقوه منها، انتقلت بضع سفارات، ولا سيما من دول افريقيا وآسيا، الى القدس، ولكنها عادت الى تل أبيب بعد بضع سنوات من ذلك.
دحرج كدمي سؤالا بيانيا الى قادة وزارة الخارجية في موسكو: اذا كانت روسيا تصر على أن عاصمة فلسطين ستكون في شرقي القدس، فأي مشكلة يمكن أن تكون للاعتراف بغربها كعاصمة اسرائيل؟ تركت الحجة البسيطة مساعدي وزير الخارجية لافروف متفاجئين ومع الكثير من الادعاءات بان “هذا معقد جدا”. ولكن كدمي أصر، وفي نهاية المطاف رفعت الامور الى لافروف نفسه الذي حملها الى بوتين، والذي وقع هو بدوره على الاعلان.

إقرأ أيضاً: اتصال ترامب: بوتين.. لتفادي القطيعة

من السابق لاوانه، بالطبع، الحديث عن نقل السفارة، ولا سيما في ضوء عدم قيام سفارة مماثلة في عاصمة فلسطين، الدولة غير الموجودة، حاليا على الاقل. من جهة اخرى، اذا كانت روسيا، التي ليست الدولة الاقرب الى اسرائيل، اعترفت بالقدس كعاصمتها، فلماذا لا تفعل هذا دول اخرى؟ ان مجرد الاعتراف، مجرد كتابة الامور، حتى بدون النقل الجسدي للعقار الدبلوماسي، هو انجاز كبير لاسرائيل.
غير أنه محل الحماسة حل في وزارة الخارجية الشلل. لماذا؟ لان كل انشغال بالقدس حساس جدا ينطوي على تخوف لمجرد التفكير بقيام دولة فلسطينية مما يشل كل موظف في الحكم الاسرائيلي. وهكذا، مثلما في حالات كثيرة اخرى، مثلما في الحرب غير الديمقراطية ضد منظمات حقوق الانسان ومثلما في التطبيق الزاحف للقانون الاسرائيلي في المناطق، فان محاولة اليمين الكفاح في سبيل قيمه بعنف يؤدي بالضبط الى نتيجة معاكسة والى ضرر دولي شديد لاسرائيل.

السابق
إلى الأمين العام
التالي
التنّين الصيني: الى الشرق الأوسط دُّر