أخبارنا السيئة من الرياض وطهران

عمر قدور

بينما كان وزير خارجية طهران يسخر من تصريحات ترامب، في الرياض التي يصفها بمعقل “الاعتدال والديموقراطية”!، كان ممثلو الحرس الثوري الإيراني في الإعلام اللبناني يشنون هجوماً بذيئاً قوياً على قمة الرياض التي جمعت ترامب بحشد من رؤساء الدول والحكومات العربية والإسلامية. لم ينسَ محمد جواد ظريف في هذه المناسبة التنويه بديموقراطية بلاده، الخارجة من انتخابات رئاسية يختار مرشّحيها مجلس “صيانة الدستور”، وهكذا يضمن مسبقاً نتائجها التي لن تخرج عن المفاضلة بين شخصيات تنال رضا المرشد. الدستور نفسه كما هو معلوم ينص على أن المذهب الشيعي الاثني عشري هو المذهب الرسمي للدولة، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير! إذاً، لننسَ دروس الديموقراطية والاعتدال، فجوهر الأمر إبرام صفقة تسلح أمريكية سعودية بقيمة 110 مليارات دولار، والتوجه نحو إنشاء محور سني معادٍ للنفوذ الإيراني في المنطقة. إدارة ترامب كانت صريحة في أن صفقة السلاح موجهة ضد إيران، منهيةً بذلك شهر العسل الذي ساد بين طهران وإدارة سلفه أوباما في أقوى رسالة حتى الآن. وإذا لم تكن التصريحات الأمريكية مجرد غطاء للمكسب الكبير الذي حققته شركات السلاح فمن المتوقع تفاقم الصراع في المنطقة حتى إذا احتدمت فضائح ترامب داخلياً، في حال كان هذا التوجه يعبّر عن الطبقة السياسية المهيمنة على الحزب الجمهوري، وهذا مرجح.

اقرأ أيضاً: أيها المتباكي على أموال السعودية هل نسيت أموال العراق؟

لقد نالت طهران فترة سماح تعادل فترتي رئاسة أوباما، ما أتاح لها السيطرة على العراق كلياً، وبدء مشاريع السيطرة النهائية على لبنان وسوريا واليمن. أية نظرة إلى أوضاع الدول الثلاث كافية لشرح ما يعنيه تغلغل النفوذ الإيراني، وإذا بدا لبنان الأفضل حالاً بالمقارنة فلا يخفى أنه في أية لحظة على حافة هجوم إسرائيلي مدمر، مهما كانت الترسانة الصاروخية التي يلوّح بها حزب الله. ولئن رأى لبنانيون، إبّان الحرب الأهلية، أن وجود المقاومة الفلسطينية يعطي إسرائيل ذريعة الهجوم على لبنان متى تشاء فوجود حزب الله، مع أقصى درجات ضبط النفس والسلاح، يقدّم الذريعة ذاتها، بخاصة بعد إنجاز القبة الصاروخية الإسرائيلي. ليست المواجهة هي الخيار الأفضل الذي يسعى إليه الحلف الإيراني، لكن أحداث السنوات الأخيرة في سوريا واليمن ولبنان غير مشجعة على الظن بإقدامه على تقديم تنازلات في بلدان نفوذه. بل إن هذا الحلف طالما تغذّى على ميل خصومه للمهادنة، واستغل بشكل نموذجي تهديداته العسكرية للتوسع أكثر فأكثر. بتعبير المرشد الأول “الخميني”، عندما وافق على وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب مع صدام، ليس هناك لدى قادة الحرس الثوري ومرشدهم الحالي نية “تجرع السمّ”، إلا عندما لا يكون ثمة مناص إطلاقاً من تجرعه، وهذا لا يحدث إلا بعد حرب خاسرة مدمرة. لعل أطرف ما يستنكره واحد من كتّاب الحلف الإيراني في لبنان قيمة الصفقة مع الولايات المتحدة التي يقول إنها تُدفع “من ثرواتنا”! هكذا يُجرَّد السعوديون حكاماً وشعباً من ثرواتهم لتصبح مشاعاً لعموم المنطقة، بل على وجه الدقة تصبح ملكاً للحلف الإيراني الذي لا يخفي أطماعه. لكن حجم الصفقة الضخم يستدعي التوقف عنده حقاً، إذ لا جدال في أنه كان من الأفضل لو أُنفقت هذه الأموال، أو أُنفق جلّها، على التنمية.

السعودية وإيران

على الصعيد نفسه، لا جدال في أن الأموال التي ينفقها الحرس الثوري الإيراني في حروبه الداخلية كانت ستجعل حال الإيرانيين أفضل بكثير من الآن فيما لو أنفقت على التنمية، حتى مع حفظ حصص الفساد الحالي كما هي. إذاً كان بالأحرى لجماعة الحلف الإيراني لو أبدوا حرصهم على ثروات إيران من التبديد هنا وهناك في مغامرات قد تدمر المنطقة كلها، وهذا ما سيوفر الأموال أيضاً على خصوم إيران وشعوب المنطقة التي تضطر إلى مواجهة الحروب الإيرانية. لم يكن خبراً ساراً في الأصل أن يعيش الإيرانيون وضعاً اقتصادياً سيئاً، لأن سلطة الملالي تهدر ثروات شعبها مرة في مشروع نووي ومرة أخرى في حروب خارجية، ولن تكون خبراً ساراً تالياً صفقةُ السلاح السعودية الجديدة التي يُفترض أن تواجه النفوذ الإيراني.

محصلة هذه المواجهة تفيض عن قيمة تلك الثروات المهدورة، هذه المرة من دماء أبناء المنطقة، ولن يكون إلا خبراً أقل سوءاً للإيرانيين والسعوديين أن الحرب ما تزال خارج حدود دولتيهما، وأن بمقدورهما القيام بها استباقاً. ساحات المواجهة، إذا لم يمنع التعقّل حدوثها، ستكون في سوريا واليمن ولبنان، وربما بدرجة أقل العراق بحكم السيطرة الإيرانية التامة عليه. هذه الساحات مشتعلة أصلاً، بما فيها لبنان الذي يبدو معرضاً لهجوم إسرائيلي، مثلما هو معرّض لاستئناف الانقسام الأهلي الحاد. نحن، في هذه البلدان، سنكون الأكثر تضرراً من نشوب مواجهة إقليمية كبرى لأننا أدواتها. سوريا تحديداً عانت منذ اندلاع الثورة بشكل ثقيل من آثار ما يسمى الصراع الشيعي السني، فالثورة لم تكن معنية أصلاً به، لولا التدخل الإيراني المباشر لدعم نظام بشار، ولولا الرعاية الإقليمية والدولية لتدفق التنظيمات الجهادية من الجهة الأخرى، ومن ثم تحويل البلد إلى ساحة لتصفية حسابات المتطرفين من الجانبين. قد تكون صفقة السلاح الأمريكية السعودية الأخيرة نوعاً من الردع، فيما لو قرر حكم الملالي قراءتها هكذا، لكن جميع السوابق غير مشجعة على الاعتقاد بإمكانية تراجع التيار المتشدد عن نواياه التوسعية. بل إن فوز ما يسمى بمعسكر الاعتدال ممثلاً بروحاني ليس رسالة كافية من الداخل كي يصوّب المتشددون من سياساتهم الخارجية، ما دامت هذه السياسة يقررها فعلياً مقاتلو الحرس الثوري و”فيلق القدس”. من مصلحة شعوب المنطقة، بما فيها مصلحة الشعب الإيراني، تحجيم نفوذ الحرس الثوري وتشكيلاته عبر ضغط دولي شامل ومستمر، أكثر من الاعتماد على مواجهة إقليمية مبنية على خطة “لندع الجميع يخسرون”. لكن، بما أن هذه تمنيات خارج السياسات المعمول بها واقعياً، فإن الخيارات محصورة مع الأسف بين أن تتجرع شعوب المنطقة السم الإيراني أو أن تتجرع سمّ مواجهته، ما دام حكام طهران يفكرون في أن سمّ خسارتهم إذا حدثت سيتجرعه أولاً الشيعة العرب.

السابق
ما هذا الإرهاب الذي يضرب حيث وحين تغضب إيران؟
التالي
«داعش» يقاطع مواقع التواصل الإجتماعي والأسباب أمنيّة