«الديمقراطية» في إيران

في أبسط تعريف ٍ متعارف ٍعليه عن الديمقراطية, فهو أن المصطلح ذاك مشتقٌّ من الإغريق dēmokratía ويعنى (ديموس) أي " الشعب" و(كراتوس) أي "السلطة" أو " الحكم" وبالتالي فهو "حكم الشعب". وقد ظهر المصطلح وتطبيقه ـ مع اختلاف تفاصيل التطبيق لاحقا ـ في القرن الخامس قبل الميلاد في المدن اليونانية.

أما أهداف الديمقراطية بحسب تطوّر المفهوم تاريخياً فهو تحقيق مبادىئ الحرية والعدالة والمساواة وتحقيق الأمن الشخصي والاجتماعي والاقتصادي بالإضافة إلى مشاركة الشعب في اتخاذ القرار واحترام المال العام والمحافظة عليه كما احترام حقوق الانسان.

تعيش إيران جولة “ديمقراطية” جديدة مع الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويكفي متابعة الحملات الانتخابية بين المرشحين والمرور دورياً على الصحافة الإيرانية الداعمة لمرشّح على آخر لاستشعار أهمية الحدث السياسي على مستقبل إيران الداخلي وعلاقاتها بالجوار وبالغرب والعالم عموماً! ومن أبرز الحملات الإعلاميّة – الانتخابية الأخيرة كانت تلك في صحيفة “كيهان” القريبة من المرشد علي خامنئي التي لجأت إلى العقيدة المذهبية “الاثنا عشرية” حول “المهدي المنتظر” وربطت ما وصفته بـ”اقتراب ظهور المهدي المنتظر” بالتصويت لمنافس حسن روحاني. وهي الصحيفة نفسها التي وصفت انتخاب حسن روحاني قبل أربعة أعوام رئيساً لإيران بـ”المصيبة”.. رغم وصوله إلى سدّة الرئاسة وقرب الصحيفة (أو ائتمارها) من المرشد الإيراني . وبالتالي فإنّ الشكل يشير إلى “ديمقراطيّة” داخل مجتمع قرّر شكل دولته وشكل الحكم فيها, في الظاهر.

حتى الآن, قد يبدو كلّ ما قيل “واقعاً” فهذه الأحداث والتفاصيل حدثت فعلا.. أمّا الإيرانيون نفسهم إذا قرأوا هذه السطور فإنّ عددا كبيرا منهم سيصف ذلك بالترفيه السياسي حيث أنّ دور المرشد الإيراني يغيب عن كل ما تم ذكره آنفاً.

ونبقى في الإطار الزمني القريب على سبيل المثال لا الحصر, لذا سنعود إلى ولاية محمود أحمدي نجاد والمرحلة التي ترافقت معه. ففي عهد “الرئيس الايراني السابق” كانت تقتضي المرحلة شخصية حادة، محافظة، تتسم بالخطابية المهيّجة للرأي العام.. فكان القرار آنذاك الإتيان بشخص من “الشعب الى الشعب” (في الولاية الاولى من حكم أحمدي نجاد)، وقد كان المرشد على دراية حينها بأن المرحلة التي تُقبل عليها إيران تتطلب شخصية صارمة في الداخل الايراني ترصّ الصفوف لأن سياسة الاستكبار كانت عنوان تلك المرحلة من تاريخ الجمهورية الإيرانية وطبعاً كانت العقوبات الدولية بدأت تعطي مفعولها في الشارع الإيراني مع تراجع الاقتصاد ولمس القرارات السياسية “بطون الشعب ولقمة عيشه”… وذلك كان متوقعاً من صانع القرار الإيراني. فقرر مواجهتها بالتجييش الإيديولوجي التصاعدي الذي وحده يحاكي قلب الإيرانيين ويذكّرهم بأمجاد الماضي ويقنعهم بنظرية المؤامرة، من قبل الغرب “الشيطان”. وحده هذا التجييش كان ليمنع الثورة في ظل العقوبات المفروضة وتداعياتها، وقد نجح الخيار ذاك إيرانياً.. برئاسة “أحمدي نجاد”.

إقرأ أيضاً: إيران وروسيا وعقيدة المكان

في حينها، كانت الامور لا تزال على ما يرام.. بالنسبة للنظام الايراني القائم, إذ لم يكن هناك من ثورات بعد. ولكن في أعقاب بزوغ “الثورات” كان لا بد من اتخاذ موقف أكثر ليونة لضبابية المشهد المقبل .. وعام 2013, وقع الاختيار على “الشيخ ديبلوماسي” حسن روحاني كما كان ملقباً. فهو شخصية أكثر ليونة من سابقتها، وتُعتبر “معتدلة” وقادرة على مواجهة تحديات جمّة في المرحلة اللاحقة وكان المسعى من المرشد فتح نافذة جديدة في العلاقة مع الغرب بشأن المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني (روحاني كان كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي بين عامي 2003 و2005) وهذا ما حدث وتم الاتفاق الشهير! وبالتالي نُسب الموقفُ الجديد في السياسة الخارجية الى “الرئيس روحاني” من دون أن تتأثر العنجهية الفارسية التي يتمتع بها المرشد من حيث موقعه التاريخي بالنسبة اليه ولأبناء أمّته.. ولا تُفهم على أنها “انكسار” وعلى أنها رضوخ للتفاوض مع “الغرب الشيطان” نفسه.

وهنا تذكير بسيط بأنّه وفي عهد “روحاني ـ الإصلاحي والمعتدل” فتحت إيران أذرعها العسكرية – الميليشوية في ميادين معارك المنطقة جهاراً وصراحة!!!

بالتالي, فإمّا “الديمقراطية” في إيران تكون خياراتها صائبة تماماً بتواتر الأفكار بين الشعب ومصالح المرشد, أو أن يكون للمرشد القرار الأول والأخير بتحديد “رئيس البلاد المقبل” وفق مقتضيات المرحلة وهو الأقرب إلى المنطق… في وقت ينصّ الدستور الإيراني بالأساس على أنّ المرشد يصدّق أحادياً على القرارات الرئاسية في “القضايا الكبرى”.

من هنا, يبقى المرشد الأعلى للجمهورية الرئيس الفعلي للبلاد وصانع القرار الوحيد الذي يرسم مستقبلها داخلياً وخارجياً. أما في ما يُعرف بالانتخابات الرئاسية التي تشهدها دورياً البلاد كل 4 سنوات، فهي شكلية ولا تتعدى كونها مظهراً من “مظاهر الديمقراطية” الغائبة في التطبيق، إذ يبقى اللاعبون ورغم اختلافهم بين إصلاحيين ومحافظين ومتشددين ومعتدلين.. يتناتشون قطعة قام آنفاً المرشد الاعلى للجمهورية علي خامنئي بخبزها.

إقرأ أيضاً: لو ترشح محمد رعد بإيران لرجمه الشعب!

وفي موازاة ذلك، يبقى الرئيس “المنتخب” في إيران مبعوثاً دبلوماسياً وناطقاً رسمياً باسم النظام، وعليه فإن شخصيته ومساره السياسي المذكور في سيرته الذاتية يحددان ضمناً مسار السياسة القادمة التي قرر المرشد الاعلى انتهاجها في الحقبة المقبلة.

وبالعودة إلى تعريف “الديمقراطية” وأهدافها.. فماذا بشأن هذه الأهداف بالداخل الإيراني؟ ماذا بشأن الحرية والعدالة والمساواة؟ ماذ بشأن تحقيق الأمن الشخصي والاجتماعي والاقتصادي؟ ماذا بشأن احترام المال العام والمحافظة عليه (مصاريف التدخل العسكري الإيراني باليمن ولبنان وسوريا والعراق… ) ؟ وماذا بشأن العلاقة بين “الديمقراطية” واحترام حقوق الإنسان في إيران؟!

السابق
وئام وهاب: إذا كانت سوريا تستعمل التعذيب في السجون تكون قد تعلمت من الأميركيين
التالي
هل يعطي ترامب الضوء الأخضر لإسرائيل لتدمر حزب الله؟