«حزب الله» يقلّص تمدّده الاستراتيجي الزائد

جومانة نمور

أطل الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله أول من أمس ليقول: «المهمة أُنجزت، لم يعد هناك من داع للوجود على الحدود الشرقية، والحزب فكك وسيفكك بقية المواقع العسكرية هناك».

نصر الله ساق تبريرات عدة للانسحاب المعلن، منها أن الحزب ليس بديلا عن الدولة، التي لو ذهبت الى الحدود منذ البداية وسيطرت عليها، لما كان من داع للحزب أن يذهب. وأن الجماعات المسلحة هناك باتت في أسوأ حال، والمنطقة أضحت آمنة بشكل كبير.

اقرأ أيضاً: القناة والميليشيا والنظام

بعض المراقبين سارع الى الاستنتاج بان الاعلان عن الانسحاب يشكل مقدمة لانسحاب الحزب من سوريا، بعد الضغوط الأميركية على روسيا والطلب منها تحجيم النفوذ الإيراني. لكن الذهاب بعيدا في هذا الاتجاه ليس في محله، في هذه المرحلة على الأقل. فالمرشد الايراني الاعلى، آية الله خامنئي، يخوض معركة داخلية دقيقة دفاعا عن خياراته الاقليمية الاستراتيجية، ولن يتخلى ببساطة عن وجود الحزب في سوريا، بعد كل ما تكبّده ويتكبّده من أكلاف.

لماذا الانسحاب إذاً؟

لمقاربة هذا الموضوع ربما من الانسب استخدام مصطلحات مثل «إعادة الانتشار» أو «إعادة التموضع». فقد يكون الحزب في وارد التخوف من تطورات تجري على الجبهة الجنوبية السورية، تتزامن مع تكثيف للهجمات الاسرائيلية على مواقعه في سوريا، وتلويح بحرب شرسة على لبنان. مع عدم إغفال التطورات الاستراتيجية على صعيد السياسة الاميركية في المنطقة، والتي تكثفت بعد ضربة الشعيرات. هذه التطورات انعكست على الواقع السياسي والميداني، حيث تم تعزيز الحشود الاميركية والبريطانية والاردنية على الحدود الاردنية، وأجريت المناورات العسكرية، وأُقيمت ترتيبات أمنية في الشمال السوري. وأتى ذلك على وقع مفاوضات واقتراحات بإقامة «مناطق آمنة»، أو بحسب الاقتراح الروسي «مناطق منخفضة التصعيد».

إحتمال ثان وراء الانسحاب، تطفو معه الى السطح مخاوف عبّر عنها الرئيس نبيه بري قبل أيام، من «توغّل» يد اسرائيلية في المناطق الآمنة آنفة الذكر. من هنا تصبح اشارة السيد نصرالله الى أن الحدود الشرقية أضحت آمنة بشكل كبير، مبررا ليس فقط للانسحاب، بل لتفادي إقامة «منطقة منخفضة التصعيد»، تقيّد حرية تحرك الحزب في المناطق التي يسيطر عليها في العمق السوري. وهنا تذكير بأنه وبحسب القرار الاممي ١٧٠١، انسحب مقاتلو الحزب من الحدود الجنوبية اللبنانية الى الليطاني، إلا أن هذا لم يمنعهم من عراضة وقفوا فيها بكامل عتادهم أمام كاميرات الاعلاميين مؤخرا، فهل يكون انسحابه من الحدود الشرقية على النمط نفسه؟

الاحتمال الثالث يتمثل في أن يكون «حزب الله» قد رأى أنه في ظل الظروف الراهنة التي يحتدم فيها الصراع الاقليمي والدولي في سوريا، لم يعد تمدده الاستراتيجي الزائد ملائماً (من اليمن الى سوريا مرورا بالبحرين واليمن). فهل يكون قد قرّر تقليص وتقليم هذا الوجود بدءا من الحدود الشرقية اللبنانية السورية؟ وإذا صح ذلك، تكون خطوة احترازية لمحاولة استيعاب التطورات الكبرى المحتملة في سوريا وامتدادا الى لبنان. وتصبح عندها إعادة التموضع متوافقة مع حرص «حزب الله» الشديد على عدم منح اسرائيل مبررات توجيه ضربات أو شن حرب على لبنان. ذلك أن دوره الاقليمي الأساسي هو تشكيل موازين قوى ضاغطة على إسرائيل، في إطار تلاؤمه مع الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة. وهذا يتطلب بالدرجة الاولى جعل وجوده في لبنان، آمنا ومستقراً.

على أي حال، ينبغي الانتظار قبل القفز الى استنتاجات بأن خطوة إعادة التموضع تدشّن مرحلة جديدة، أم تبقى مجرد خطوة تكتيكية لن يكون لها ما بعدها.

السابق
كافة الميلشيات العراقية.. مشروع حزب الله جديد
التالي
بين «نبيه الأول» و«جبران الرابع»