بين «نبيه الأول» و«جبران الرابع»

على هامش النزاع على نوعية قانون الانتخاب، لا يظهر في المشهد العلني، صراع آخر موازٍ على أبوّةِ القانون. لم يكن مصادفة أن يقدّم الوزير جبران باسيل ثلاثة قوانين انتخابية، فالطموح إلى جانب الإتيان بقانون انتخاب «يتيح للمسيحيين انتخابَ أكبر عدد من نوابهم»، أن تُنسَب أبوّةُ القانون إلى باسيل، لكي يتأهّل إلى مرتبة «البطل المسيحي» تحت أنظار الرئيس ميشال عون الذي أتقنَ طوال حياته السياسية هذه الحرفة.ولم يعد خافياً أنه وبعد أن أحبَط «حزب الله» قوانين باسيل الثلاثة، لا يزال باسيل على طموحه بختمِ قانون الانتخاب بطابعه، وبأن يولد قانون «جبران الرابع»، وهي عقدة باتت مستعصيةً في الشكل لأنّها تصطدم بطموح الرئيس نبيه بري، بأن يكون أباً لقانون «نبيه الأول».

ولم يعد خافياً أيضاً، أنّ «حزب الله» يرفض منح باسيل هذا الإنجاز، وبعدما أجهز على آخِر صيَغ باسيل، محضَ مبادرة برّي كلّ الدعم، وهي المبادرة التي تصبّ في سياق أراده منذ البداية وسيؤدي حكماً إلى قانون النسبية.

اقرأ أيضاً: بعد باسيل.. عون يخرج عن خط عون!

هذه الحساسية هي الوجه الآخر لعلاقة لم تستقِم يوماً بين عون وبري، وما زال الكباش والعناد يَحكمها، وهي تكاد تؤدّي للوصول إلى نهايات صعبة، إذا ما تمَّ تعطيل ولادة قانون الانتخاب قبل 19 حزيران، نهايات ستمرّ في نزاع دستوري وفوضى، وحكومة مستقيلة، ودعوات إلى إجراء انتخابات وفق القانون الحالي، ورفض هذه الدعوات، وملامح اعتصامات في الشارع، وأشهر، وربّما سنوات، من الضياع، قبل أن تأتي فرصة وتلتئم هذه القوى على طاولة البحث في «اتفاق الطائف»، وربّما بما هو أبعد من مجرّد الاتفاق على دستور جديد.

وربّما من أجل تَفادي كلّ هذه السيناريوهات التي لا يعرف من يقودون إليها إلى أين تسير، عدَّل أطراف بعضاً من مواقفهم، فبدا أنّ تيار «المستقبل» وحركة «أمل» والحزب التقدمي الاشتراكي و»القوات اللبنانية» منخرطون في نقاش جدّي ولكنْ صعب حول أيّ نسبية يمكن الاتفاق عليها، خصوصاً في توزيع الدوائر، والصوت التفضيلي، وحول مجلس الشيوخ، الذي تحوَّل بدوره مشكلةً يمكن تفاديها بتأجيل إنشائه، إذا ما كان سيؤدي إلى توتير علاقة المسيحيين مع جنبلاط، وهذا هو موقف «القوات اللبنانية» من هذا الموضوع.

تحرّكت «القوات» بسرعة بعدما بلغت حساسية العلاقة بين عون وبري مداها الأعلى، بهاجس عدم السماح للكباش الشخصي والسياسي، أن يعطّل فرصة الاتفاق على قانون الانتخاب، وانتَدبت «القوات» النائب الفائق الديبلوماسية جورج عدوان، للقيام بالمهمة، وذلك تعويضاً عن فجاجة الاصطدام المتفلّت بين الأطراف.

في المعلومات أنّ باسيل متمسّك بالقانون التأهيلي بهدف رفعِ سقفِ التفاوض على القانون النسبي ومجلس الشيوخ، ورفعُ السقف هذا بات صعباً، لأنّ باسيل أصبح الوحيد عملياً الذي لم يوافق على النسبية، في حين أنّ الجميع يناقش داخل غرفة النسبية، ويضع الشروط حصراً في مسألتَي الدوائر والصوت التفضيلي، كما أنّ «القوات اللبنانية» أضافت إلى هاتين المسألتين، نقلَ 4 مقاعد مسيحية (المقعد الماروني من طرابلس إلى البترون، ومقعدَي الإنجيلي والأقلّيات من بيروت الثالثة إلى الأولى، والمقعد الماروني من البقاع الغربي)، هذا في حين سيطالب آخرون وأبرزُهم «المستقبل» بنقل مقاعد سنّية من دوائر إلى أخرى إذا ما أصرّت «القوات» على موقفها.

أمّا في الدوائر، فتتمسّك «القوات» بصيغة الـ15 دائرة، وهذه الصيغة غير متّفَق عليها، وفيما لو قبل الأطراف الآخرون بهذه الصيغة، فإنّ طريقة توزيع الـ15 دائرة ستكون هي الأخرى موضع نقاش، ولذلك فإنّ إيجابية حصرِ البحث بالنسبية، يقابلها حذرُ النقاش في التفاصيل، وهي ليست بسيطة، لأنّ طبيعة الصوت التفضيلي، وطريقة توزيع الدوائر، تؤدّي حكماً إلى التأثير بنسبة عالية من المجلس النيابي الجديد، ولن يكفي أن تعطّل «القوات» بموافقتها المبدئية على مبادرة بري، ضجيجَ التوتّر بين بعبدا وعين التينة، فالنقاش في تفاصيل النسبية، يوازي الموافقة على مبدأ النسبية أهمّيةً، خصوصاً أنّ باسيل يصرّ على أن يكون «القابلة القانونية» للقانون، وأن يحقّق مكاسب، لن يكون في استطاعة «القوات» تحمُّل أكلافها، خصوصاً في ما يتعلق بتوتير العلاقة الدرزية ـ المسيحية.

السابق
«حزب الله» يقلّص تمدّده الاستراتيجي الزائد
التالي
العقوبات الاميركية الجديدة ستشمل حزب الله وجميع حلفائه