حزب الله والإنسحاب الإعلامي

لا يمكنني التصديق أنَّ الراعي الإيراني قرر أخيراً سحب مقاتلي حزب الله من الاراضي السورية، ولا يمكنني أن أتصور ذلك حتى لو صرّح أمين عام الحزب بلسانه أنه قرر الانسحاب من سوريا.

ذلك أنَّ هذا الخيار يناقض الإستراتيجية الإيرانية والتدبير الإيراني في كل من سوريا ولبنان والتي ارتكزت عليه إيران في تدخلها العسكري بسوريا من خلال ميليشياتها المتشددة والمتعددة الجنسيات في بداية عام 2013.
قد تضطر قوات حزب الله لإعادة إنتشارها ضمن الأراضي السورية لتتركَّز في منطقة القنيطرة وسرغايا والزبداني والقصيّر، لكن لا يمكن لها ان تنسحب من الحرب السورية بهذه السهولة دون تحقيق مكاسب استراتيجية تحقق لإيران فرصة الجلوس على طاولة الحل السياسي في سوريا، وما يتضمنه ذلك من تقاسم للنفوذ السياسي والإقتصادي للدول المحورية في الصراع السوري والبحث في ملف إعادة الإعمار وملف حقول الغاز ومرور خط النفط الإيراني الى المتوسط وغيرها من الملفات البالغة الأهمية..

اقرأ أيضاً: حزب الله يفكك نقاطه العسكرية على الحدود

بعد إتفاق المدن الأربعة السيء الذكر إستطاعت إيران أن تستجمع شتات السوريين الشيعة في بقعة جغرافية محددة تلامس البلدات الشيعية اللبنانية جغرافياً من ناحية، وتخلط الأوراق أمام إدارة الرئيس ترامب الذي بدا عازماً بإتجاه إنهاء وجود المنظمات الإرهابية في سوريا ومن ضمنها الميليشيات المدعومة من إيران والتي لا يميّز بينها وبين تنظيميّ داعش والقاعدة كما كان يفعل سلفه أوباما، من ناحية ثانية.
حزب الله بعد إتفاق المدن الأربعة يريد أن يقول لترامب أنَّ المقاتلين المنتشرين من خط بيروت – دمشق الدولي جنوباً الى بلدة تل كلخ شمالاً هم مقاتلين سوريين شيعة وليسوا مقاتلين لبنانيين محتلين للأراضي السورية، وأنَّ إستيطان هؤلاء المقاتلين مع عائلاتهم في بلدات ليست لهم جاء ضمن توافق بين المتقاتلين قضى في النهاية الى ترانسفير سكاني أو تبادل سكاني طائفي , وبالتالي ليس من حق أي طرف خارجي تغيير هذه الإرادة، خصوصاً وأنَّ حزب الله يريد أن يضفي حالة من الاستقرار على المناطق التي يحتلها عند الحدود مع لبنان من خلال:
أولاً – إعادة سكان بلدة الطفيّل اللبنانية الحدودية الى ديارهم والطلب مجدداً من وزير الداخلية اللبناني إبلاغ الأهالي قرار الحزب بإنسحاب الاخير من بلدتهم .
ثانياً – التفاوض مع سكان القصيّر والقلمون الغربي من أجل تمكين ثلثيّ اللاجئين السوريين في لبنان للعودة الى ديارهم تحت النفوذ الإيراني وتساعده في ذلك أجهزة تتبع الدولة اللبنانية، وبالتالي تتمكن إيران – وفق خطتها – من سحب ذريعة المنطقة الآمنة الخامسة من يد الولايات المتحدة وروسيا والأردن وحتى إسرائيل، وبالتالي تصبح أيّة ضربة محتملة من تحالفٍ ما على هذه المنطقة بمثابة عدوان خارجي يصعب تبريره.


سارعت إيران للتوقيع على التهدئة في مؤتمر أستانة لتتمكن من ضمان إستقرارها في بقعة جغرافية سورية كبيرة تشمل وادي بردى والزبداني وسرغايا ومضايا والقلمون الغربي في ريف دمشق إضافةً الى القصيّر وريفها وحمص وريفها ومدينة تل كلخ، وهي لا ولن تنوي الانسحاب منها طواعيةً بأي حال من الأحوال. إضافةً لهذه الضمانة قام حزب الله بنشر مقاتليه وفرقه الخاصة النخبوية المقاتلة في القنيطرة السورية بحيث يتمكن من قصف العمق الإسرائيلي إذا ما تعرضت مناطقه المستقرة في سوريا الى ضربات من قوات التحالف، ولكي يتجنّب الرد عبر جنوب لبنان لإعتبارات سياسية وعسكرية وإقتصادية واجتماعية كثيرة لا مجال لتعدادها..

اقرأ أيضاً: نصرالله: لا حرب اسرائيلية قادمة

حزب الله الذي أعلن سابقاً انه سحب مقاتليه من القنيطرة بعد أن سلَّم المدينة لقوات النظام السوري لم يكن سوى إنسحاباً إعلامياً لم تتأخر إسرائيل في قصف مواقعه الموجودة هناك تحت رقابة الأقمار الصناعية التابعة لأكثر من عشرة دول على مدار الساعة، ولعلَّ التعزيزات العسكرية الدولية في شمال الأردن عند الحدود مع سوريا والتي يساوي تعدادها القوات المتحالفة التي دخلت برلين بعد الحرب العالمية الثانية قد تخلق ترتيباً لمنطقة آمنة واسعة جنوب سوريا تبعد خطر الصواريخ الإيرانية عن العمق الإسرائيلي والأردني و تدفع بحزب الله الى الرد من جنوب لبنان عندما يتّخذ القرار بقصف مواقع حزب الله عند الحدود السورية – اللبنانية والتي أرادت قيادة الحزب – إعلامياً – أن تعطي إنطباعاً للرأي العام الدولي أنها بصدد الانسحاب منها.

السابق
نديم قطيش يعلق على تصريحات جنبلاط والحريري
التالي
إلى حزب الله.. رحم الله الشّهداء كم تُوجِر بدمائهم